«تعتبر الرواية والقصة القصيرة عاملاً أساسياً في رفد الحركة الثقافة بمجالها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومدلولاً إنسانياً على الواقع الذي أصبحنا فيه أدوات للصورة الخاطفة وللتراكيب والآراء الوافدة، دون التحضير لما يحدق بنا من مخاطر في عالم أدبنا وثقافتنا، ويبقى التنوير العامل الأساسي بمفهومه المجرد لنشر ثقافية جديدة هي ثقافة ذات بعد تاريخي، تساهم في خلق إبداعات أدبية ومواقف مبدئية لها مقوماتها الفكرية وخططها الاستراتيجية على المدى البعيد».
هذا ما تحدث به بتاريخ 1/8/2008 الأستاذ "أسامة الحويج العمر" وهو يقول: «وما يميز الأدب حالياً وجود شخصيات تحمل الفكر السياسي وتعكس دوره بشكل أدبي على الساحة الثقافية بطرح إشكالية ثقافية فيها هموم المجتمع وتنميته، بطريقة الحوار الفكري والعقلاني بالمباشرة، كما نجده عند القاص والروائي "باسم عبدو"».
وما يميز الأدب حالياً وجود شخصيات تحمل الفكر السياسي وتعكس دوره بشكل أدبي على الساحة الثقافية بطرح إشكالية ثقافية فيها هموم المجتمع وتنميته، بطريقة الحوار الفكري والعقلاني بالمباشرة، كما نجده عند القاص والروائي "باسم عبدو"
موقع eSuweda التقى القاص والروائي الأستاذ "باسم عبدو" عضو اتحاد الكتاب العرب في جمعية القصة والرواية.
** أي رواية في العالم لم تصل إلى أهدافها كاملة... هذا أمر طبيعي لأن معطيات الواقع، وإفرازاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أكثر اتساعاً وقدرة من الذاكرة الشخصية.. من ذاكرة الإنسان، أو ما تخزّنه خلال عمره القصير.
لقد جسّدت الرواية العربية إلى حدٍ ما، خاصة في النصف الثاني من القرن الماضي، في مصر والعراق وسورية ولبنان.. وسواها من البلدان العربية، مفهوم الفن، والحياة بمرارتها وحلاوتها... حياة الكادحين والمثقفين المناهضين للاستغلال والاستبداد والظلم والفساد... وجسَّدت الرواية العملية التثاقفية أو المثاقفة مع الآخر، لكن الديمقراطية المقننة، الضيقة والمحاصرة، لم تسمح للمبدع أن يطوّل حبل الإبداع، ويسرح على كيفية، ويطلق العنان لأفكاره، لذلك لجأ الروائي إلى التاريخ، فأحضر الماضي واستقدمه للدلالة على الحاضر، وإعطاء إشارات للمستقبل، ليس من أجل تعرية الماضي وإظهار المستور والدخول إلى أعماقه فقط، بل من أجل توجيه الأنظار إلى الواقع المعيشي.
وفي العقود الثلاثة الماضية تخلصت الرواية العربية من الطريقة الاستنساخية، وأصبح لها خصوصيتها ومكوّناتها الفنية وسماتها التي تعكس طبيعة النظام السياسي والواقع الاجتماعي، ورصد المتغيرات، ويدل على ذلك تطور الترجمة إلى لغات العالم، وإيجاد علاقة تواصلية معرفية، مع الثقافة الغربية، دون التعصب أو التقوقع، هي ذات الأنا والذات الجمعية المنفتحة على الآخر، التي تُبرز ما هو براغماتي على المستويين (الوطني والقومي) و(الذاتي والجمعي).
** ما رأيك بالحداثة.. وهل الحديث ينفي القديم؟
*** اليوم أحدث من البارحة، وغداً أحدث من اليوم...فالحديث اليوم يصبح قديماً غدا والزمن هو الذي يتبدل ويجمل صفتي القِدم والحداثة.. والنص يرافق الزمن. أما الزمن فيسبق النص، ويسبق الكاتب، لكن السرعة بين طرفي المعادلة لا تساوي بين هذين الطرفين (الزمن/ النص) فالحداثة هي حداثة النص في الزمن المتغير، والنص هو الذي يكشف المتغير ويدفعه لإشهار نفسه من خلال تجديد أعمدته البنائية وتقنيته، والانتقال من التقليد إلى التحديث والتطوير، وإجراء عملية نقل ترتكز على المفارقة والمغايرة والصورة الضدية المتعاكسة، والانتقال من السردية الكلاسيكية إلى السردية الحداثوية في الشعر والقصة والفن المسرح والرواية، وإجراء مراقبة حيادية للبنائين (الفوقي والتحتي) بالاستناد إلى القانون المادي الجدلي ودونه لا يمكن تحليل الواقع بشكل صحيح. لذلك فالنص يتأخر عن الزمن ولكنه لا يمشي خلفه دائماًُ، فقد يتنبأ المبدع للمستقبل ويسبق الزمن أحياناً، ويقدم معطيات استكشافية.
** يدور النقاش حول (ق.ق.ج) وأنت تكتب القصة القصيرة جداً.. ما موقعها في الساحة الإبداعية السورية؟
*** أخذت القصة القصيرة جداً في سورية مداها النقاشي والحواري في الساحة الإبداعية والثقافية، حجماً أكبر من حجمها.. وهذا يذكرّنا بقصيدة النثر في مطلع العقد السادس من القرن العشرين.. إذ تباينت الآراء، وتضاربت الأفكار، وأخذت حالات الشد والرد، المتباعد والمتقارب، الصوت العالي، والصوت الخافت.. ولا يزال النقاش يدور حول "ق.ق.ج". هناك من يؤيد وجودها، ويرحب بولادتها ولادة طبيعية وليس قيصرية، ويعتبرها جنساً أدبياً، كما القصة والرواية، كما بيّن التحليل النهائي للحمض النووي وللجينات الإبداعية. وأنا من أصحاب هذا الرأي، بل كل المقالات التي نشرتها حولها في السنوات الماضية تؤيد قولي هذا.. وهناك رأي آخر ينفي نفياً قاطعاً وجود مصطلح اسمه "ق.ق.ج"، ويطلقون عليها أسماء مختلفة "نص سردي، نثري" للقصة القصيرة جداً عناصرها الفنية التي تؤهلها لتكون "ق.ق.ج"، وإذا كانت هناك سمات مشتركة فتكون مع القصة القصيرة وقصيدة النثر، وهذا شكل من أشكال تداخل الأجناس، ومن أبرز ما يُمّيزها، الجملة القصيرة جداً، المكثفة، المتوهجة، الشعرية المبنية من الناحية السردية على الحكائية أو الملامح الحكائية، المتناسجة مع العناصر الأخرى غير المباشرة، بعيداً عن النكتة والنادرة والفكاهة، وبعيدة أيضاً عن الاستسهال، محمّلة بالغرائبية والعجائبية والتفادية والصور المتعاكسة الانقلابية التي تنبه المتلقي إلى الدرجة 180 أي التحول في تبديل مسار القراءة المتسلسلة من خلال التناقض والتغاير.
إن عدة اسطر، أو سطرين أو ثلاثة "القفشة" لا يعُد في المفهوم النقدي ومفهوم المصطلح هذا قصة قصيرة جداً، لأن "ق.ق.ج"، تدخل في عمق الزمن وتتماهى مع المكان دون الإظهار والكشف مباشرة عن الماهية والقصد، وتواكب ق.ق.ج، ثورة المعلومات المتسارعة، فالقارئ لم يَعُدْ يهتم بالنص الطويل، يريد نصاً قصيراً، يعبر عن أمور ومسائل عدة، تواجهه كل يوم. وكما أن هناك قصة قصيرة وقصة طويلة "نوفيلا" ورواية طويلة، ثلاثية ورباعية وخماسية كذلك هناك "ق.ق.ج"، وجدت مكاناً لها على مائدة الإبداع النثري.
ودون الإغراق في التراث "ابن المقفع...كليلة ودمنة، وألف ليلة وليلة" أستطيع القول إن "ق.ق.ج" ظهرت في ستينيات القرن الماضي في سورية، لكن القصاصين "وليد إخلاصي، رياض عصمت، زكريا تامر.. وسواهم" لم يكتبوا على أغلفة مجموعاتهم "ق.ق.ج" وأول من كتب هذا المصطلح هو الشاعر والقاص "محمود علي السعيد" من "حلب" في مجموعته (الرصاصة) عام 1979، وفي التسعينيات ازداد عدد الإصدارات وتضاعف عشرات المرات، إضافة إلى بعض الكتب والدراسات عن "ق.ق.ج" مثل كتاب الدكتور "أحمد جاسم الحسين"، وكتاب تطبيقي على القصة القصيرة جداً للدكتور "عادل الفريجات"، وآخر للدكتور "نضال الصالح" ومجموعات لا يمكن حصرها "لعماد نداف، عبير إسماعيل، أيمن الحسن، اسامة الحويج العمر، يوسف حطيني، علي صقر، أحمد جاسم الحسين... وغيرهم" وأثبتت "ق.ق.ج" وجودها، وحضورها وجلوسها على مائدة الإبداع في العقدين الماضيين وثبّتت ركائزها في الساحة السورية الإبداعية، السردية، وذلك من خلال مهرجان دمشق "أيام القصة القصيرة جداً" وذلك لخمس دورات، ثم انتقال المهرجان إلى مدينة حلب... ويشترك في كل مهرجان بين قاص وناقد، حوالي خمسين كاتب.
** هل هناك أزمة نقد أم أزمة إبداع ونصوص؟
*** يكثر حديث الكتاب والأدباء في السهرات الأدبية والندوات والأمسيات الثقافية حول أزمة النقد، ووجود أو عدم وجود نقاد في سورية. ولا يزال السؤال قيد الحوار والتبويب والفهرسة... فهناك من يتنكر لوجود نقد، ويتبع هؤلاء مواقف صوَّانية غير واقعية، نرجسية أحياناً... وهناك من ينظر إلى النقد والنقاد نظرة واقعية... هل يستطيع أحد أن يقول: إن سورية تفتقد إلى النقد؟... وهي منبع الحضارة والإبداع والثقافة.. ويرى النقاد بشكل عام أن هناك أزمة نصوص، وهذا الرأي بعيد عن الواقع... هناك نقاد.. وهناك نقد... ولولا وجود الكتاب لما وجدت النصوص، والنقد في سورية يسير في اتجاهين: الأول يمثله النقاد الذين يمدحون أو "المدّاحون" فهم لا يصيبون الهدف لأن طلقاتهم "خُلَّبية"، ينحاز هؤلاء إلى أصحابهم وصاحباتهم وأصدقائهم وصديقاتهم فيبجلون ويبتهلون بهذا الصوت الإبداعي أو ذاك.
أرى أن النقد الحقيقي وأحاول ممارسته قدر المستطاع أن يُغّيب الناقد أو "يُهجّر" الكاتب من ذاكرته تهجيراً قسرياً، وأن يبقي على النص الذي أصبح ملكاً له وللمتلقي، وأن يقول الكلمة النقدية بجرأة، دون مواربة أو اقتناص الهفوات والهنات، وترك الجوهري على رصيف الهامش النقدي، النقد البعيد عن التيئيس والتجريح والمبالغة في التأويل وبلبلة المفاهيم وتعقيدها أو نقلها مترجمة لا يفهما المتلقي، وأكثر النقاد جموداً هم الأكاديميون الذين انتقلوا من الأكاديمية إلى الساحة النقدية، فمعظمهم يتعامل مع الزمن الذي "تأكدم" فيه، ولم يرّوض فكره النقدي في هذا الزمن، ويبقى كما يقول المثل الشعبي "لا يزال على اجتماع قنوات"... وكي يكون الناقد أكثر حرصاً، وقدرة على إعادة كتابة النص فيُفضل أن يكون مبدعاً.
** العلاقة الثقافية بين الأقطار العربية... كيف تراها الآن في ظل رقابة شديدة؟
*** من خلال تجربتي المتواضعة في القصة والرواية والنقد خلال ربع القرن الماضي، وما نشرت من مقالات في الصحف السورية والعربية لأكثر من /650 مقالة وقصة/... ومن خلال ما كُتب عني في الصحف والدراسات النقدية (بعيداً عن الأنا) وحُباً فقط في تعريف القارئ، أرى أن المشهد السردي في سورية لا يزال يشكل رافداً لحركة الأدب العربي، فأسماء كثيرة في القصة والرواية والشعر والمسرح منذ عام 1865، وصدور رواية (غابة الحق) لفرانسيس المرّاش إلى قصاصي وروائي القرن العشرين، إذ صدر حوالي/1000/ رواية وأكثر بكثير من المجموعات القصصية وآلاف المجموعات الشعرية والنصوص المسرحية عدا الدراسات والكتب... ولكن الخطير او الذي يشكل خطراً على الثقافة هو تقزيمها وسد المنافذ والمعابر بين حدود الأقطار العربية، والأكثر خطراً هو ازدياد تفعيل الرقابة الإعلامية والسياسية والدينية، وجدولة تكفير الكتاب والمفكرين والأدباء.