«تعد الكتابة الشعرية فناً وإبداعاً من نوع خاص، إذ يتخللها الإبداع بحالة اللاوعي الوجودي، مجسداً الكلمة المنغمة ذات الطبيعة الروحية الخاصة، ناثرة ظلالها على واقعية الحدث، بعد مرافقتها للإيقاع الطربي الهادئ، إضافة إلى حالات رومانسية الوطن المتضمنة ألم النخيل ووجع ليمون وآهات الزيتون، وترتقي ثقافة الفكر بالشعر مع الوصول إلى الكلمة الشاعرية لتصل إلى مصاف قد لا يحدها نظام أو قانون وضعي.
لكن الشاعر الذي يخرج أسارير الإحساس من بين دفتي أفكاره نافحاً عبيره من أنامله وبنانه، واضعاً لها أنغاماً خاصة حين يعشق الحالة المقامية للكلمة الجميلة وحين تخرج الكلمة النغمة من مخارجها سليمة بطريقة الشعر، تشعر حقاً بأنه يبدع فناً منغماً حقيقياً بالتقديم الرائع والإيقاع الطربي والمقام المرتقي إلى مصاف الأرواح الشفافة اللطيفة في سماء الخلود».
إن الشاعر"جودي العربيد" يتميز بأنه يقترب من معالجة الواقع بروح شاعريةٌ فيها أنغامه الصاخبة ومقاماته البريئة العذبة، فتراه ينتقي مواضيعه الشعرية من هموم المجتمع. فمثلاً قصيدته "أغنية الأحداق" وجهها تحية إلى المدرسة التي جعل من عمره بعض الزيت في قنديلها، لأنه معلم فاضل لمادة اللغة العربية، فتعليمه أكسبه الهدوء والرزانة، وأعطاه آفاق الطفولة والبراءة، من هنا تشعر بشاعريته على ساحة المجتمع، فتراه يشير في قصيدته "الظلال" إلى آلام الفقراء والمحتاجين، ويستشهد برمز العطاء الدائم في عالمنا ألا وهي الأم عندما يذكر ما جاء على لسان الأم تيريزا: "يجب أن يعلم الفقراء أننا نحبهم"، أما هموم الوطن والأمة العربية ونكبة العراق المكلوم، فلم تفارق خياله فكتب عن صمود أم قصر والمقاومة العراقية، ثم عن مساء النخيل وهو في ظل الاحتلال الغاشم وغربان التحالف، ولشدة رقته وعواطفه الإنسانية تراه هذه المرة يكتب عن "سندي شيهان" الأم الأميركية التي فقدت ابنها في حرب بوش العدوانية على العراق، وهي التي قادت حملة لمناهضة الحرب في أميركا، بقصيدة عنوانها "من جمرات بجعةٍ حزينة"، ومن جرح العراق إلى الجرح الأكبر فلسطين العربية حيث كتب عن أحد المناضلين الفلسطينيين قصيدة بعنوان "أقمارٌ سبعة" الذي حكمت عليه محكمة صهيونية بتاريخ 10/3/2005 بالسجن المؤبد لسبع مرات. و"جودي العربيد" لم يترك في ديوانه "على مقام نجمة" مسألة روحية إنسانية إلا وتعرض لها. فمن همومه كمعلم إبدع قصيدته "باقة الروح"، حيث وجدنا لها مكانة في فؤاده و"العربيد" متأثر جداً ببيئته المحلية إلى درجة أن إيقاعه الوطني يستلهمه منها فنقرأ له قصائد "مدينتي، عريضة، حفنة وجد، كرم" ومن شدة اعتزازه بتلك البيئة الريفية ذات النسائم العليلة والهواء الصافي النقي وتاريخها المشرف على رحى الأزل والأبد فقد تغنى ببيارق صمودها التي بها واجه الثوار الاستعمارين التركي والفرنسي حيث يقول فيها: "كنقشٍ على صخرةٍ سيمضي الزمان بنا بعيداً، ونرحل عن شرفاتٍ تعومُ بتوت المساء ونحل العتاب، وتبقين يا زهرة الروح نهلة هذي الربوع... سويداءُ فيكِ شميمُ البيارق دمُّ الجدودِ، فهل يتمنى الزمان نعيماً إذا ما نأى راحلٌ، وهل يتمنى سواك شميما؟"... أما مصداقية "جودي العربيد" فهي واضحة من خلال وفائه للأدباء والفنانين فها هو يكتب لروح الأديب الراحل "ميخائيل عيد" قصيدة "كانون"، وكذلك إلى إبداع النحات والفنان معروف شقير "شموع القرنفل"، ووضع في أشعاره رمزية مطلقة حين كتب عن شهيد رحل إي إنه كتب لكل الشهداء عبر العصور بقصيدته "قراءة في كف النهر"
هذا ما تحدث به الفنان التشكيلي "معروف شقير" لموقع eSuweda بتاريخ 5/1/2009 وأضاف بالقول: «إن اختيار الإيقاع الهادئ والمقام المغنى المنسجم مع الكلمة، هي رائعة الشاعر المتحسس لجمال المعنى المأخوذ بجمالها الساكن في حركتها، والمتلطف بروعتها، والمرتشف من خمرة عشقها سكرة وجوده وانعتاقه، محلقاً في عالم اللامعقول إلى عالم الخلود الأبدي، فيعيش الفرح والسعادة المنشودة، بين سماء الشعر ومقام النجوم، هذا ما أوضحه الشاعر "جودي العربيد"، في مجموعته الشعرية "على مقام نجمة" التي تقع في117 صفحة من القطع الوسط. وهي الصادرة بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب، إذ يفتتح الشاعر العربيد مجموعته بقصيدة أجنحة، والأجنحة لديه كانت لسانه وحروفه والصدق، وما بينها فيعيش حالة من الانسجام الكلي بطريقة جنون العشق المتزن حين يقول: "لم ابتلع هذا اللسان، قد كان منذ امتشق الصدق جنوني للهدى عنوان"، فهذا دليل على أنه قد استخدم صورة لا واقعية في جعل الصدق كالسيف القاطع في الحياة ومع تعامل الذات، وحين ابتدأ بالأجنحة، كأنه يضع مخططاً لمجموعته الشعرية التي سوف نقرؤها له أي إنها تضم الماضي والحاضر وما بينهما من مآسٍ وأفراح، ولكن بسيف الصدق الأوحد الذي امتشقه كأحد أجنحته، وفي قصيدة "ترجيع الصبا"، ينتقل الشاعر إلى أهزوجته البريئة في عالم الطفولة لأنه تربوي متخصص يتقن معرفة سكيولوجيا الإنسان بمراحل الحياة المتعددة. حين كان يلعب ويمرح على بساطها السندسي، ويستمع إلى مزمار الراعي والأغنام السارحة تأكل العشب الأخضر، على صوت المزمار حين ينشد لها أنغاماً على مقامات شرقية، عاكساً اخضرار العشب على جمال نفسه وسعادتها، بعد أن تهب نسائم الشباب وأفراح صبا، حينها يعيش حالة موسيقية على مقام الصبا، وهو مقام شرقي يثير عند الإنسان الإحساس بأكثر من الحزن والكآبة ويدفعه إلى التفكير والتأمل مع نفسه، ويستخدم هذا المقام الجميل في الفرح والحزن "الشجن"، وهذا ما أكده الشاعر حين ربط الماضي بحاضره بقوله: "أعودُ بطيئاً فجدي أوصى، إذا ما أردتَ الوصولَ سريعاً، فلا تتعجل فإن السلاحف تبني ممالكها بأناة الرعاة، ولا تترجل، أعود إليك بترجيع تلك اللحون مقام الصبا.... تجيب على صهوات الرحيل، وتضحكُ حين أراها بالبوم ذاك الشريط الطويل"، وفي قصيدته التي عنون مجموعته الشعرية بها "على مقام نجمة" نلاحظ بعد التمرد على الرتم العام للشعر، أنه حاول جاهداً أن يخرج من نطاق التقليد إلى عالم يعيشه هو بالذات، وفيها سكتات شعرية ستوقفك بشكل ملحوظ في انخفاض طبقات صوته وارتفاعها أحياناً، وهنا الشاعر يمكن له جوازاً أن يرتفع وينخفض حسب حالته الشاعرية، أما قفلاته في قصائده فهي ملحوظة أيضاً، وحين قراءتها شعرت أنني أمام قانون شرقي جميلٌ يعزف على مقام الرصد الذي يستخدمه الموسيقيون لإبراز حالة معينة وذلك عندما يقولون: "إذا جن ليلك فأرصده" وهو على مقام نجمة بين الرصد والصبا، وبالتالي يعيش انعتاقية النغم والمقام في حالتين معاً، ويحلق عالياً على هدوء ذاته الساكن بين عاصفة شعره الغاضبة، وبين زمهرير أحاسيسه الباردة ليعيش كما قال الفيلسوف الهندي غاندي: "في لحظة واحدة عشت ألف ألف ربيع"».
ويوضح الأديب "اسماعيل ركاب": «إن الشاعر"جودي العربيد" يتميز بأنه يقترب من معالجة الواقع بروح شاعريةٌ فيها أنغامه الصاخبة ومقاماته البريئة العذبة، فتراه ينتقي مواضيعه الشعرية من هموم المجتمع. فمثلاً قصيدته "أغنية الأحداق" وجهها تحية إلى المدرسة التي جعل من عمره بعض الزيت في قنديلها، لأنه معلم فاضل لمادة اللغة العربية، فتعليمه أكسبه الهدوء والرزانة، وأعطاه آفاق الطفولة والبراءة، من هنا تشعر بشاعريته على ساحة المجتمع، فتراه يشير في قصيدته "الظلال" إلى آلام الفقراء والمحتاجين، ويستشهد برمز العطاء الدائم في عالمنا ألا وهي الأم عندما يذكر ما جاء على لسان الأم تيريزا: "يجب أن يعلم الفقراء أننا نحبهم"، أما هموم الوطن والأمة العربية ونكبة العراق المكلوم، فلم تفارق خياله فكتب عن صمود أم قصر والمقاومة العراقية، ثم عن مساء النخيل وهو في ظل الاحتلال الغاشم وغربان التحالف، ولشدة رقته وعواطفه الإنسانية تراه هذه المرة يكتب عن "سندي شيهان" الأم الأميركية التي فقدت ابنها في حرب بوش العدوانية على العراق، وهي التي قادت حملة لمناهضة الحرب في أميركا، بقصيدة عنوانها "من جمرات بجعةٍ حزينة"، ومن جرح العراق إلى الجرح الأكبر فلسطين العربية حيث كتب عن أحد المناضلين الفلسطينيين قصيدة بعنوان "أقمارٌ سبعة" الذي حكمت عليه محكمة صهيونية بتاريخ 10/3/2005 بالسجن المؤبد لسبع مرات.
و"جودي العربيد" لم يترك في ديوانه "على مقام نجمة" مسألة روحية إنسانية إلا وتعرض لها. فمن همومه كمعلم إبدع قصيدته "باقة الروح"، حيث وجدنا لها مكانة في فؤاده و"العربيد" متأثر جداً ببيئته المحلية إلى درجة أن إيقاعه الوطني يستلهمه منها فنقرأ له قصائد "مدينتي، عريضة، حفنة وجد، كرم" ومن شدة اعتزازه بتلك البيئة الريفية ذات النسائم العليلة والهواء الصافي النقي وتاريخها المشرف على رحى الأزل والأبد فقد تغنى ببيارق صمودها التي بها واجه الثوار الاستعمارين التركي والفرنسي حيث يقول فيها: "كنقشٍ على صخرةٍ سيمضي الزمان بنا بعيداً، ونرحل عن شرفاتٍ تعومُ بتوت المساء ونحل العتاب، وتبقين يا زهرة الروح نهلة هذي الربوع... سويداءُ فيكِ شميمُ البيارق دمُّ الجدودِ، فهل يتمنى الزمان نعيماً إذا ما نأى راحلٌ، وهل يتمنى سواك شميما؟"... أما مصداقية "جودي العربيد" فهي واضحة من خلال وفائه للأدباء والفنانين فها هو يكتب لروح الأديب الراحل "ميخائيل عيد" قصيدة "كانون"، وكذلك إلى إبداع النحات والفنان معروف شقير "شموع القرنفل"، ووضع في أشعاره رمزية مطلقة حين كتب عن شهيد رحل إي إنه كتب لكل الشهداء عبر العصور بقصيدته "قراءة في كف النهر"».
أخيراً يتميز شعر "جودي العربيد" بالإيقاع الهادئ والمنسجم مع الروح التي تعشق النغم الشرقي، فقد حلق بنا بديوان "على مقام نجمة" إلى نجوم السماء، واستطيع القول إنه أضاف إلى المكتبة العربية عملاً إبداعياً جديداً فيه عبق الزيتون، والسنديان، وألم النخيل والليمون، وكذلك براءة الأطفال وشموخ الأبطال وعنفوان الجبال ونسائم الأرياف وتلالها الشاهدة على عنفوان المكان وأصالة المتعاقبين عليه.