أجمل ما في كتاب "محمد جابر": "من الشعر العامي في جبل العرب"، الصادر في طبعته الثانية عن "دار سمرقند" في "السويداء"، انه يوثق للفنون الشعرية العامية بلا تزلف أو مواربة أو محاباة لأحد، وكأنه في كتابه هذا يبعث الحياة لهذا اللون من الشعر وإخراجه إلى الوجود باعتباره إرثاً فنياً كما يقول.
والشعراء الذين ظهروا في كتابه ليسوا بالضرورة من الأسماء المشهورة ويمكن أن تجد شاعرا لم تسمع به من قبل، فتكتشف نبذه عن حياته وأعماله.
محبوب قلبك بالهوى سميتني/ ومن بعد ما سميتني سميتني عليتني عجوانحك فوق السما/ ومن بعد ما عليتني عليتني عليتني عجوانحك فوق السما/ وصرت تحاكيني بالإشارة والوما جريتني من الظلم من ميل العمى/ ومن بعد ما جريتني جريتني
ويعرج "جابر" في حكايته مع الشعر العامي بتعريفه حين يقول: «هو احد اثنين عند العرب وله محبوه وأصحابه وأربابه، وإذا كان الشعر ديوان العرب، فإن للشعر العامي، على ما يبدو حظاً أوفر بالحضور في هذا الديوان، وخاصة هذه الأيام، ويستشهد بقول "مارون عبود": «احسب أن الشعر العامي قد أصبح محسوباً على تاريخ الأدب، فالشاعر من هؤلاء هو ابن الزمان والمكان، وهذا ما يطلبه النقاد من كل شاعر وكاتب».
وقسم "جابر" كتابه إلى قسمين، الاول "الفنون البدوية" ويتضمن: "الشروقي والجوفية والهجينة والحداء السحجة". والثاني "الفنون الزجلية" ويتضمن: "المطلوع والفن والعتابا والهولية".
أما الأول فهو فنون شعرية عامية غنائية بدوية الطابع متعددة الأنواع والأوزان والأغراض، معظمها له قافيتان داخلية وخارجية، ويعتقد "جابر" أنه لا تاريخ دقيق موثق يحدد مكان وميلاد الفنون الشعرية في هذا اللون وثمة من يعتقد أنها نبطية وآخر يعتقد أنها من اختراع الأنباط العرب.
أما الثاني وهو الفنون الزجلية: فقد نشأت في الأندلس وفي العصر العباسي- كما يقول الكاتب- أنماط فنية مستحدثة من النظم بالعامية وبالفصحى لأسباب وظروف مختلفة، منها ما كان نتيجة الحياة الجديدة والاختلاط بمجتمع غريب وطبقته ساحرة يكتنفها الماء والخضرة، ومنها ما كان نتيجة ظروف معيشة قاسية كالفقر والشعور بالظلم والقهر والحرمان.
وقد ولدت فنون جديدة مثل الموشحات باللغة العربية الفصحة، والزجل بالعامية وهما توءمان ولدا في بيئة واحدة، عندما انتقل الزجل إلى الشرق اكتسى بلون بيئتها ولهجة أصحاب المكان وطقس المنطقة فكان "المطلوع" الذي يشبه الموشح وهو على "البحر السريع"، والفن وأكثره على وزن "الرجز" و"الرمل" و"المضارع" و"المتدارك"، و"العتابا" على "البحر الوافر".
ومن القصائد الممتعة التي يحتوي عليها الكتاب نقتطف هذه الأبيات للشاعر "سلمان نفاع" من قصيدته المشهورة "محبوب قلبك" التي غناها الكثير من المطربين:
«محبوب قلبك بالهوى سميتني/ ومن بعد ما سميتني سميتني
عليتني عجوانحك فوق السما/ ومن بعد ما عليتني عليتني
عليتني عجوانحك فوق السما/ وصرت تحاكيني بالإشارة والوما
جريتني من الظلم من ميل العمى/ ومن بعد ما جريتني جريتني».