«قد يكون هناك من وجهة نظري جوانب قصور من حيث الاهتمام بالتربية الجمالية وتربية الذوق الجمالي والنفاذ إلى داخل الأشياء والتأمل، ولكن نحن نعمل على إيضاح أهمية التربية الجمالية وتربية الذوق الجمالي والتربية الفنية والموسيقية، وتوجيه الناشئة نحو المؤثرات الجمالية الطبيعية والفنية، وأهمية التربية في خلق الشخصية المبدعة المتكاملة والمتوازنة في جوانبها العقلية والوجدانية».
والكلام للباحث السوري "وائل يوسف خطار" الذي تحدث لموقع eSuweda حول كتابه الجديد ومفهومه للجمال ودوره في إنماء المجتمعات المتحضرة… وذلك عبر الحوار التالي:
** كان لأساتذتي الفضل الأول بذلك من حيث تشجيعهم المستمر لي، واستفادتي الكثير منهم ولاسيما في أسلوب البحث العلمي. أما اختياري لهذا المنحى المعرفي، فيعود إلى عام /1997/ بداية عملي في البحث العلمي، حيث كنت أتطلع إلى خوض ميادين معرفية غير مطروقة سابقاً من قبل زملائي الباحثين فوجدت ضالتي في منحى (علم الجمال والتربية الجمالية)، ولاسيما عند الأطفال وأهميتها في تنمية الشخصية المبدعة عندهم.
وكنت سعيداً في عملي وما زلت، فقد أنجزت كتابي الأول (تربية الذوق الجمالي عند الإنسان)، وأنا بصدد إعداد الكتاب الثاني وهو بعنوان (تربية الإبداع عند الأطفال)، هذا إلى جانب عملي البحثي في رسالة الدكتوراه حول التربية الجمالية واتجاهات تلاميذ ومعلمي الحلقة الأولى في مرحلة التعليم الأساسي نحوها، دراسة تقويمية تحليلية ميدانية في بعض مدارس مدينتي "دمشق" و"السويداء" إضافة إلى إعداد مجموعة من الدراسات التربوية حول مشكلات الأطفال والشباب والأنشطة الصفية واللاصفية للأطفال، وخاصة التي تشرف عليها منظمة طلائع البعث في سورية.
** النقد في جميع توجهاته الفنية أو الأدبية… يجب أن يكون بناءً وناتجاً عن تجربة ووعي عميقين، ويكون معدّاً لخدمة التطور في كافة مناحي الحياة… ودائماً أقول: "أي إنسان يريد أن ينقد يجب أن يقدم البدائل، وإلا فمن الأفضل له أن يصمت"، يجب على الإنسان أن يسأل نفسه دائماً، ماذا قدمت لوطني؟ لا ماذا قدم الوطن لي؟
** إن من يطلع على البحوث التربوية الجمالية… يستنتج أنها ليست مواضيع الترف الفكري لأن لها أهمية كبرى تتعلق بحياتنا اليومية ومشاعرنا الإنسانية وأحكامنا الجمالية بل كل ما يتعلق بكياننا ويمس وجودنا ويتصل بمفاهيمنا، فهي لا غنى عنها للفيلسوف لأنها جزء من الفلسفة، وفيها يرى الفكر ميداناًَ واسعاً من ميادين المعرفة… كذلك لا غنى عنها للفنان لأنها تفتح أمامه أفقاً رحباً وتطلعه على عالم جديد يبحث عنه ويفكر بما فيه ويعبر عما خلص إليه ، وتعطي للناقد الفني مادة فكرية وجمالية غنية يفيد منها في دراساته… فالثقافة الجمالية: منظومة متكاملة من الرموز والأشكال والعلاقات والمضامين والتشكيلات… التي تحمل خبرات ورصيد الشعب الحضاري وتتصف بسماتها، وهي نامية ومتجددة وديناميكية.
** لا أعتقد أن هناك إنسان متعلم يرغب بإبقاء الواقع كما هو، فنحن نعيش في إطار عالمي ونعاصر تطورات مذهلة جعلت هذا العالم أمامنا قرية صغيرة، لذا يجب ألا نبقى متلقين فقط وأن نبادر ونعطي كما نأخذ. قديماً كانت الشجاعة هي قيمة القيم الإيجابية، واليوم أصبح التفكيرهو القيمة الأولى في سلم القيم، فيجب علينا أن نطور ونقدم الجديد. المشاعر الفنية مثلاً يجب أن تحتل أولى مراتب سلم القيم… ففي عصر المعلوماتية وهندسة الوراثة وغزو الفضاء نشأ لدى الشباب قناعة هي الاستهتار بالفن وبالعواطف، فالنزعة العقلية التي لعبت دوراً إيجابياً في القرن الثامن عشر تهدد الآن بتطرفها الإنسان لتجعله فاقداً للعواطف عبر تحويل كل شيء إلى البرمجة.
** الفن والعمل الفني يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالعلاقات الاجتماعية بين الناس، ويساعدان مع أشكال الوعي الأخرى على حل المهمات الاجتماعية التي تعترض المجتمع، فهو لا يعكس الواقع فحسب، وإنما يقوم على تطويره ويعبر عن علاقة الأفراد به.
العامل الجمالي يتعلق بالفن ذاته والمتعة الجمالية مطلوبة في كل عمل فني، وقد تكون بمثابة مبهج للإحساسات لدى الإنسان لتولد لديه السرور، فالفن بهذا حركة في الوجود تنطلق من الإنسان الذي يبذل طاقات غير محدودة حتى يصل عبرها إلى التكامل بين أحاسيسه ومشاعره والمؤثرات الأساسية للعالم المرئي حوله، وبقدر قوة ضغط هذه المؤثرات عليه وصدق تجاوب أحاسيسه ومشاعره معها وانفعاله بها لا بدّ له من أن يشكل تعبيراً إنسانياً مترابطاً عن الأرض وحياة الناس، فيكون نتاجه فن الإنسان بكفاحه وآلامه ونضاله بل واستشهاده… من هذا المنطلق لابدّ أن يكون للفن وظيفة أساسية تجاه أماني الشعب العربي حتى يكون إحدى المرايا التي تعكس حياته المجتمعية بكل ما فيها من طموح ونضال وآمال وأفكار وتقاليد ومعتقدات ومشاعر… وبذلك يكون الفن مقياساً للتطور الحضاري كما ذكرت في مقدمة كتابي (تربية الذوق الجمالي عند الإنسان).
** كانت إيجابية، وشكلت أمامي حافزاً للمتابعة في ميدان البحث حول (التربية الجمالية) ودورها في تربية الحواس والمخيلة المبدعة والتفكير الإبداعي، وتنمية القدرات التعبيرية عند الأطفال.
** أصبح لدي مخزوني المعرفي حول القضايا الجمالية والفنية… التي أعمل على تطويرها من خلال بحثي في الإطار المحلي والعربي والعالمي، وأقوم الآن بإعداد دراسات معمقة تتناول الجمال والفن والتربية الجمالية بعد المحاضرات التي قمت بها، وأقمت بتاريخ 14/4/2009 في معهد (التربية الفنية) في مدينة "السويداء"، محاضرة تناولت فيها بحث (الجمال والفن والحرية والعلاقة بينهما، ودورهما في التربية التكاملية لدى الأطفال).