«الوطن والإنسان والحرية، محاور أشبعت نفسي بالتأمل والجمال وحثتني إلى استنطاق البعيد ورؤية الآتي، إنني أساوم على كل شيء ما عداها»، والكلام للأديب الشاعر "محمد حامد" الذي تحدث لموقع eSyria عن مكنونه الخاص في كتابة الشعر وعن انعكاس المفردة الشعرية على المجتمع ووقعها في التأثير والتغيير.
موقعنا التقى الشاعر "محمد حامد" بتاريخ 18/8/2009 في المركز الثقافي العربي في بلدة "ملح" (حوالي 45 كم جنوب شرق "السويداء") وكان الحوار التالي:
** على الشاعر أن يكون نبي عصره، يرى ما لا يراه الآخرون أن يكون أقدر الناس على رؤية الأمل في حالة اليأس العام. أنا ضد الشاعر المغلق والشاعر المتسطح، فعلى المغلق أن يترك لي ولو متسعاً صغيراً في أشعاره من الوضوح حتى أدخل إليه وأتعرف إلى ما غمض علي في أبعاد كلماته... وعلى المتسطح أن يرتفع بمستوييه الثقافي والفكري احتراماً للآخر القارئ والمخاطب. لقد تأثرت بالشاعر الفلسطيني الراحل "محمود درويش" إنه مثلي الأعلى للشاعر والمفكر والفيلسوف والمقاوم والواضح والسامي.
** أشجع الالتزام الاجتماعي للشاعر ولا أشجع الالتزام السياسي حتى لا يصبح الذهن أحادي الفكر ولكنني أقول: الشاعر عصفور حر دعوه يحط على الغصن الذي يريد... ولا تبنوا له قفصاً حتى وإن كان من الذهب.
** "تراث وتراب" عنوان مجموعتي الجديدة التي لا تخرج في مضمونها عن الخط الفكري العام لدي (الوطن والحرية والإنسان)، ولكنها تتمتع بالعمق والبعد أكثر من سابقاتها، فمن إحدى صورها أختار قصيدة بعنوان: "هو الخوف" أقول في أحد مقاطعها:
"متى تترجل ريح الشمال/ متى تستعيد الجبال بهاء الجبال/ وتمضي السواقي إلى اللحظة الباهرة/ هكذا سيسكت هذا الضجيج/ ستنهار كل اللغات/ ويبقى النداء الأخير/ ليخرج من جعبة الصمت بوح التراب الحزين/ وترجع مثل الهديل إلى نبضها الذاكرة".
فلكم أريد من الوطن أن يكون وطناً، وكم أريد من نفسي أن أكون مواطناً بكل المقاييس والمعايير.
** عملي في ترجمة الأدب الفرنسي لغاية التنويع المعرفي لا أكثر، فالشعر ليس كل الأدب، والترجمة نوع من أنواع الأدب ولا أخفي أن ترجمة الرواية قد تستغرق سنة، وحتى الآن ترجمت ثلاث روايات: رواية "نيسان أقسى الشهور" للروائي "كلود كورشي" وهي قيد الطبع حالياً في دار "الحوار" في اللاذقية، ورواية "حساء من أعشاب البر" للروائية "إميلي كارل" وراوية "الباب الضيق" للروائي "أندريه جيد"، والروايتان تنتظران الموافقة من وزارة الإعلام.
** شعر المغترب... إنه الحنين والألم والقلق والحزن والتفكير الذي لا يشاركك به أحد، إنه ذاكرتي الأولى والأكثر طهراً لكنها ليست الأكثر عمقاً، فلابدّ للشاعر من شيء يقوله مع تجدد قصائده... والشعر الذي يفتقر إلى الموضوع يصبح مجرد ثرثرة جوفاء لا طائل تحتها، واللغة التي لا تمر على فمي ليست لغتي والبرق الذي لا يضيئني لا يعنيني وهذا ليس أنانية فأنا أتكلم باسم الشريحة الأكبر في المجتمع.
** عرفت خلال حياتي الاغتراب عن الوطن ولم أعش الاغتراب النفسي، الأمل دائماً يشعلني ويضيئني ويرسم لي طريق الإياب، فلم أفقده يوماً حتى وإن عبّرت بعض قصائدي عن شيء من السوداوية فما ذلك إلا دافعاً إيجابياً وليس سلبياً فأنا بالوضوح، بالخير، بالحق، بمقارعة الشر، بالناهضين القادمين مستقبلاً... الاغتراب نوع من أنواع القلق والمعاناة اللذين يصنعان الشاعر، فإن استراح فكره من ذلك فقد شاعريته وعجز بالتالي عن تحقيق ما يصبو إليه، وعندها فليعتزل الشعر وليبحث لنفسه عن مهنة أخرى، وطالما أن معاناة الإنسان لا نهاية لها فالشعر متجدد لا ينتهي.
** أعترف أنني مقلٌّ في شعر المرأة لأنني لم أستطع استيعاب هذا الكون. والمرأة هي الكون وديمومة الحياة والجمال.
** إنها "زينب" فتاة مُهجّرة من جنوب لبنان كنت أراها يومياً على رصيف "الروشة" تبيع "الشكلس" والكبريت وأشياء أخرى... جلست معها حدثتني وكشفت لي موقع رصاصتين في صدرها جراء الغزو الإسرائيلي الأول، كانت تنام في عبّارة تحت الجسر فسألتها: لماذا ليس لك بيت؟ فأجابت: "الحريري" امتلك ثلثي "بيروت" فلم يترك بيتاً "لزينب"، تأثرت بقصتها فكانت قصيدتي "زينب" التي نالت المركز الأول في فرع اتحاد الكتاب العرب في "السويداء".
** يفتقر الشعر المعاصر برأيي إلى العمق والبعد والقضية... يفتقر إلى الجاذبية والوضوح الراقي، لا أعمم قولي فهناك شعراء وصلوا إلى قمة الإبداع مثل "محمود درويش" و"سميح القاسم" و"نزار قباني" وغيرهم الكثير... وبات لهم بصمة لا تنسى. أما الحداثة في الشعر فعليها أولاً أن تعتمد على الفكر والتاريخ بلا قيد وخوف وتملق حتى تنتج الإبداع،
** عندما يكون الشاعر وصافاً للحدث يلهث وراء الحدث عندها في رأيي يتحول فكره إلى ذاكرة مؤدلجة تكرر مفرداتها فقط، ولا فرق هنا بين النثر والشعر فكلاهما يستطيع التعبير، وعليه ينطبق شعر المديح والرثاء والهجاء.
** أنا لا أختار مفرداتي هي تأتيني، وعندما أكتبها أفقد الإحساس بكل شيء حولي حتى إنني لا أسمع الضجة، ففي أحد الأيام مثلاً وضعت قلمي على الورقة فكانت نقطة، وظلت نقطة لمدة شهر، ثم خلال /3/ ساعات كانت القصيدة، فالقصيدة إذاً هي التي تكتب الشاعر وتفرض عليه لحظتها.
** الناس يتقبلون الكلمة الواضحة المعبرة التي تنطق بغير معناها وتخاطب ما وراء العقل فتؤثر بهم ويتفاعلون معها على أن تبتعد عن المباشرة والخطابية والاستخفاف بعقل المتلقي، أضف إلى ذلك ضرورة الشعر الرمزية غير المبهمة الواضحة.
قراءة ذاكرة
يذكر أن الشاعر "محمد حامد" من مواليد بلدة "ملح" عام /1952/، حاصل على إجازة في الأدب الفرنسي عام /1981/ جامعة "دمشق"، عمل مدرساً للغة الفرنسية في مدينة "الحسكة" ثم "دمشق" ثم "السويداء"، ثم عمل مديراً لثانوية الشهيد "معذى دبيسي" في "ملح" بعد أن درّس فيها فترة من الزمن، وحالياً يعمل رئيساً للمركز الثقافي العربي في البلدة، وخلال هذا الخط سافر إلى لبنان والأردن وليبيا بقصد العمل، وفي ليبيا نشرت له المجموعة الشعرية الأولى "غيوب ليتها لا تأتي" صدرت عن دار النشر "طرابلس" وكان عمره حينها /20/ عاماً والمجموعة تحكي عن الألم والمعاناة الشخصيين له. أما مجموعته الثانية "أحداق للزمن الآخر" فصدرت عن دار "المجد" في سورية، وهناك مخطوط جديد له قيد الطبع بعنوان "تراث وتراب".
شارك الشاعر "حامد" في أكثر من مسابقة شعرية في مهرجان المزرعة للإبداع الأدبي والفني وحصل على المركز الأول مرتين، وحصل على المركز الأول في مهرجان الشعراء القطري في "الرقة" عام /1983/، كتب شعر التفعيلة الذي يشكل معظم أشعاره، وكتب في الشعر العمودي عدة قصائد... منها "أنا دمشق" التي يقول في أحد مقاطعها:
"لك يا دمشق نذرت عهدَ وفائي/ وإليك يمضي خافقي ودعائي
لــي في سمائك نجمةٌ ومحطة/ ولك الهوى وقصيدتي وولائي".