«الشعر الأصيل ضمير حي لا يموت وإن مات شاعره، وهذا ما أتمناه لقصائدي والرسالة الإنسانية الوجدانية التي أرمي إليها عبر فضاءات الحنين التي أكنها بين السطور، فأنا عندما أكتب أترك ليدي حرية الكلمة وأسأل قلبي بلاغة الوصف، وعند إنهاء القصيدة أحتكم إلى ضميري في صدق الغاية وبعد الكلمة حتى أشعر بالرضا والهدوء الداخلي، عندها أترك الحكم لسامعي وقارئي، وفي النهاية جميعنا إنسان على وجه هذا الكوكب، والجوهر الذي نبقى لأجله هو الصدق مع النفس ومع الآخر ومع الحياة».
والكلام للشاعر الشعبي "هايل السلمان" الذي تحدث لموقع eSyria عن فضاءات الشعر الشعبي التراثي في عالمه كشاعر، وعن بعد الكلمة وامتدادها ما بين الماضي والحاضر، وذلك أثناء لقائه بتاريخ 17/8/2009 في قرية "ملح ـ السويداء" وكان الحوار التالي:
"هايل السلمان" من الشعراء المهتمين بالتراث والوطن، وقصائده المتنوعة تشير إلى ذلك، وهو شاعر ناضل من أجل قضيته الإنسانية ولا زال، وبعض قصائده غنيت وحققت شهرة واسعة على صعيد الوطن، إنه شاعر موهوب ويكفي أن كلماته الجميلة تصل إلى الجميع
** ولدت في بلدة "ملح" عام /1954/، من أسرة متواضعة سماتها الدين والخلق، وهذا ينطبق على جميع من عايشتهم في بلدتي... فمعظمهم طيبون يحتكمون في أمورهم وحياتهم إلى الحكمة والمبادئ الجميلة، شأنهم شأن كل البلدات المحيطة والمجاورة... والتاريخ شهد لهم خطواتهم في الثورة والنضال.
أما عائلتنا فقد حملت رسالة إنسانية غايتها إصلاح ذات البين، برز فيها جدي ثم والدي والآن نحن الأبناء... وذلك أقل شيء نقدمه لمجتمعنا الطيب، من هنا بدأت رحلتي مع الشعر، حنيني إلى الماضي والتراب والجبل... حنيني إلى الوطن والذكريات مواطن فتحت أمامي نافذة الإبداع فكانت قصائدي الشعبية التي كبرت معي يوماً إثر يوم ترصد ذلك الحنين والإباء والنضال، ولي الآن ما ينوف عن الألف قصيدة... جزء منها مغنى وجزء أخر محفوظ لدي، وجزء نشر لي في أكثر من ديوان شعبي وأدبي لشعراء مختلفين وكان آخرهم ديوان الطبيب والشاعر الراحل "سالم النمر" في مساحة تتجاوز /30/ صفحة.
** الشعر الشعبي نوع من أنواع الأدب تحكمه بلاغة الرؤية والوصف والمنطق الجميل الغني بالصور والمفردات ذات الجرس الموسيقي، العائدة في طبيعة نطقها ومخارج حروفها إلى الموروث الشعبي واللهجة العامية المحكية، فتجد جوهر القصيدة يرمي في بعده إلى الثورة أو الهجاء أو الرثاء أو التذكير بحدث تاريخي ما أو الغزل، وهناك القصيد المعدٌ لتهدئة النفوس وعقد الصلح عند الخلاف، لذلك تجد الشعر الشعبي حاضراً في جميع المناسبات، راوياً للتاريخ وموثقاً للحدث الجاري ومصاغ بأسلوب الفطرة النقي.
** جميع قصائدي كتبتها باللغة المحكية السهلة البعيدة في تركيبها عن اللفظ المعقد حتى يفهمها سائر الناس، وتأخذ المفردة حقها في التفاعل مع فكرهم وحماسهم.
** أسميت بشاعر المهجر متى أطلقت عليك هذه التسمية؟
أسميت بشاعر المهجر أثناء اغترابي في ليبيا عام /1984/ بعد أن سمعت الناس قصائدي الشعبية الوجدانية وأحست منها بشوقي وحنيني إلى الوطن، وعايشت عبر كلماتها وصفي لعناء الاغتراب فكانت تسميتي، ومن تلك القصائد كانت قصيدتي المغناة:
"يا ديرتي يا ديرتي/ وداعاً يا حبيبتي/ إلى اللقا يا زنبقة/ لولا الشــقا/ ما تطول عنك غيبتي".
** القصيد الشعبي له لون خاص من اللحن والغناء والإلقاء، فهو يتسم بالتأثيرية المباشرة على المتلقي على أن تكون الكلمة دلالية واضحة المعنى، فهي تخاطب الروح قبل أن تخاطب العقل، ولاسيما إن كان صاحب الغناء ذو صوت شاعري شجي يجمع في لفظه للكلمة ما بين الطبقة العالية واللينة، وأذكر هنا مقطعاً من قصيدة لي مغناة توضح ما ذكرت أقول فيها:
"قوم اشعل النيران يا صويحبي وهبه/ وعدّل لنا فنجان ما حدّ قبل صبه/ من بن يماني يزهى بديواني/ يجلي الغثا من الراس".
** كنت سعيداً بلقائي مع هذا الشاعر الذي يحمل خامة صوت نقية تنطق الكلمة بانسجام حسي مؤثر. "عمر الفرا" صاحب القصيد الارتجالي الواعي غير المعد مسبقاً، في لقائي معه في "السويداء" ألقى عدة قصائد وطنية وغزلية... وبعد إلقائي لقصائدي، قال لي: "كنت أحسب أنني الشاعر البدوي الوحيد وعندما جئت إلى السويداء وجدت جميع الشعراء مثلي" وما زالت تلك الأمسية حاضرة بأجوائها وجمهورها أمام عيني.
** نحن أناس شعبيون نحب ما نفهمه ونرفض مالا نفهمه، والبساطة في الكلمة لها ميدانها الواسع من حيث الفهم والتفاعل مع الذائقة العامة على عكس الكلمة المعقدة فهي قليلة الجمهور رغم قوتها، وهذا يفسر تركيزي على بساطة الكلمة في محاور قصيدتي... فالسامع متذوق للشعر وللمعاني الجميلة التي توصله إلى فحوى الكلام وفهم صوره وغرضه، وليس عليه أن يعود لمراجع معينة حتى يفهم ما أقوله، فجمال الكلمة في بساطتها ودلالتها وملامستها لذائقة السامع.
** محبة الآخر والثناء الطيب، يكفيني رضاً أن قصائدي رغم محمولها الوجداني أحاطتني بالمكانة الاجتماعية التي أستحقها، وعلى بساطتها يقرأها الجميع ويذكرونها كلما أتيحت الفرصة لذلك، فالكلمة الشعرية الصادقة تفرض وجودها على كاتبها وتكون له مهدَ خلود فيما بعد.
** قديما وصفت النساء من قبل الشعراء بالضباء ـ الغزلان والخيل ومن أولئك الواصفين "امرؤ القيس"، وعلى هذا كان وصفي لفتاة جميلة رأيتها تتجول في إحدى الحدائق فشدني حسنها وأدبها فسللت قلمي وكتبت فيها هذه الأبيات:
"ضبية من شافها يسبه/ من روضة الجنة مجلوبة/ جمالها خلقة من ربه/ ولا جرت الميل بالنوبة/ كالغضة مسلوبة سلبه/ عديرتي فايح طيوبه/ ياهلي قديسة الرهبة/ من خمرة الديري مسكوبه".
وبعد السؤال عن شخصية شاعرنا وقصائده، قال الشاعر الشعبي "نواف الحلح": «"هايل السلمان" من الشعراء المهتمين بالتراث والوطن، وقصائده المتنوعة تشير إلى ذلك، وهو شاعر ناضل من أجل قضيته الإنسانية ولا زال، وبعض قصائده غنيت وحققت شهرة واسعة على صعيد الوطن، إنه شاعر موهوب ويكفي أن كلماته الجميلة تصل إلى الجميع».
أما الأديب الشاعر "محمد سجاع" فقال: «"هايل" شاعر معروف في جبل العرب، له مكانته وحضوره، يتميز بأسلوب خاص في نظم القصيدة الشعبية يحمل العمق وقوة التعبير والبساطة، وقد كتب عن الأرض والوطن والهم الإنساني والحدث التاريخي... وقصيدته "يا ديرتي يا ديرتي" تمثل ما قلت من معاني التضحية والغربة والمعاناة... إنه شاعر المغترب ولسان حال كل من يعاني مثله حياة الغربة والعناء».