كثر من يكتبون الشعر ولكن قلائل هم شعراء المنابر، لذا عندما تستمع لصوت يحمل بنبراته الطيبة النابعة من خبز التنور، وأصالة السنديان، وشموخ قمةٍ مرتفعة يتلاعب في فضائها الهواء النقي، ويتعالى من مضافاتها دخان ينفح رائحة البن والهيل، تدرك أنك أمام شاعر استحق أن يفوز بالمرتبة الأولى بجائزة "الزباء" الثقافية في مجال الشعر بدورتها السادسة.
ومن خلال صوره التعبيرية بانزياحها الدلالي اللغوي، تتشكل لوحة تكّون شخصية شاعر قادم من بين الصخور البازلتية، تغنى بتاريخ أهله وأجداده وعشق تراب وطنه من أقصاه إلى أقصاه، وهو يقف وراء المنبر بثقة واقتدار، لعل موقع eSwueda كان الرائد في إجراء الحوار مع الشاعر "فرحان الخطيب" الفائز بالجائزة قبل أن يتسلمها:
** الجوائز الأدبية مهمة لكن الجهة التي تطلقها هي عامل محفز للمبدع لأن يشحذ قريحته ويبدع أكثر، فالنص الذي ينزل في سباق المنافسة يصبح نصاً مكشوفاً في ميدان السباق ويحفز لاسم صاحبه بقدر ما يستحق، وجائزة "الزباء" الثقافية هي إحدى هذه الجوائز المحفزة خاصة أنها تحمل اسماً عربياً بامتياز كان على رأس الملك العربي، ويذكرنا هذا الاسم بميراثنا الذي يجب أن نحفل به لنتطلع إلى المستقبل وليس إلى تحنيط ذاتنا في هذا التاريخ الجليل، بل لنؤكد الارتباط الوثيق يبن صخور اللجاة وصحراء "تدمر" في الموقف والفعل.
** زرت "تدمر" منذ عامين لأحيي فيها أمسية شعرية، وكنت لا أعرفها سابقاً ولم يكن بمخيلتي ما وجدت في الحقيقة كنت أظنها صحراء وعدداً من الناس غير المستقرين لظروف الصحراء المعروفة ولكن وصولي إليها وما وجدت من حضارة وتكريم على يد صديقي الأديب "أحمد قشعم" الذي أخذنا بود إلى منزله ومن ثم إلى قضاء يومين في رحابها نقرأ تاريخها ونفتخر بحضارتها وبكرم وثقافة أبنائها، وما رأيت وما لمست بدد فكرة موحشة كانت في رأسي وحين قرأت عن المسابقة في إحدى صحفنا شاركت بقصيدة "بوح ليس إلا" لأحيي تدمر التاريخ والحضارة والجمال الأخاذ وأبوح لها بمكنونات نفس عربية تتوثب نحو الأفضل.
** الفن أياً كان نوعه أو جنسه يحمل على جناحين جناح المبدع من جهة وجناح المتلقي من جهة أخرى حتى يستطيع التحليق في الآونة الأخيرة مال الكثير من شعرائنا إلى حيث الغموض والإبهام أحاول جاهداً أن أوفق بين الصورة الفنية التي تخدم الفكرة التي أطرح، وبين وصولها إلى الآخر لأنني أوجه خطابي إلى متلق بالتأكيد، وهذا ما عبرت عنه اللجنة المحكمة في قصيدة "بوح ليس إلا".
** ذكرت القدس في آخر القصيدة للدلالة على مركزية القضية الأساسية التي يرتكز عليها الوجع العربي وكل ما بعد ذلك يدور في هذا الفلك فالعراق بلد مستقل والمحتل عابر دولة تحتل دولة والمقاومة كفيلة بطرد المستعمر، أما مركز الألم فهو احتلال شعب عنصري يحاول تأسيس دولة واقتلاع جذر الفلسطيني ليحل مكانه، وهذا يشكل رافعة عالية للحزن العربي لا يوازيها إلا رافعة مماثلة للحقد العربي على هذا الكيان حتى يتم النصر وهنا يكمن الربط بين امتلاك الذات هناك في تدمر "الزباء" وهنا عروبة القدس.
** القصيدة العمودية هي الشعر العربي الذي قرأناه وحفظناه وتتلمذنا عليه وحملنا فكرة أنه ديوان العرب، ولما نزل نفخر بهذا الديوان لأننا في المجالات الأخرى نفخر أننا نجد ونجتهد ولكن في دواوين الآخرين وقصيدة التفعيلة هي غصن نضر من دوحة عريقة أي إنها لم تزل وستبقى حاملة للعنصر الأساس في قصيدة العمود أعني التفعيلة لهذا أكتب في هذين الشكلين والشعر يبقى شعراً إذا كان موجوداً في أي الأشكال، ونثر "جبران خليل جبران" أبلغ من مئات القصائد العمودية التي لا تحمل الشعر في سفينة تمخر عباب بحورها..
** لعلّ اقرب قصيدة "ما أجلّ ترابها" وهي من القصائد الغالية على قلبي التي أخاطب فيها "السويداء" قائلاً:
قل للسويدا ما أجل ترابها/ في مقلتيها قد قرأت عتابها
مهما سطا غلّ الزّمان فإننا/ ما زلنا لو هلّ المشيبُ شبابها
قل للسويدا في رحيب مضافةٍ/ الله أعلى في البلاد كعابها
الفجر يصحو من صدى مهباجها/ ويهب يوقظ سهلها ويبابها
تغلي دلالُ الغانمين كأنها/ دنيا تهيئ للشتاء سحابها
وتفور فوق الجمر تفقد روعها/ حتى يرد القهوجي صوابها
وتدار في جو أنيس ٍخاشعٍ/ وتهز رأسك ما ألذ خضابها
وتفيق أيامٌ خلت قم يا فتى/ واعزف لنسمع في الجهاد ربابها
واذكر قصيد المجد عقد جمانها/ سلطان ثوّر للحمى أعرابها
هذي مضافاتُ الألى ما هادنوا/ مذ وتدوا بدمائهم أطنابها
تلك المضافة بالمكارم أزهرت/ لا للمهانة شرعت أبوابها
والجدير بالذكر أن "فرحان الخطيب" هو عضو جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب، له ست إصدارات شعرية آخرها كان "أتيت إلي"، من مواليد قرية "شعف" عام 1960.