قد تختلف آراء الشعراء فيما بينهم حول القصيدة، لأنها وليدة حالات مختلفة من الحب والعشق والحزن والفراق، أما الشاعر "فؤاد كحل" فيقول عن قصيدته: «هي قطرة الماء تنهمر على الروح العطشى.. لا تطفئ عطشها.. لكنها تنعشها، هي ذلك البوح المستتر لهيجان انفعالاتنا.. هي محاولاتنا لتكوين أجنحة والوصول بها إلى حيث لم نستطع الوصول، ولأننا لن نستطيع الوصول مهما فعلنا تبدو القصيدة هي أعظم شيء في الوجود».
بعد خمسين عاماً من التواصل مع الشعر يرى أنه الثروة الكبرى لأنه يحافظ على الطفولة، وللتعرف أكثر على رؤية هذا الشاعر المبدع للشعر والقصيدة موقع eSuweda التقاه وسجل الحوار التالي:
مهما اختلفت الآراء في شعر "فؤاد كحل" إلا أننا تحتفظ له بحق كبير بين شعراء الجبل وخاصة أولئك الذين كتبوا قصيدة التفعيلة، بأنه شاعر رائد لم يترك جانباً أو مجالاً إلا وطرقه بقصائده، إنتاجه غني من الشعر ويفيض الشعر من روحه، قد لا يعجبني أسلوبه في بعض الجوانب ولكني ممتن أنه وأستطيع أن أزعم أني قرأت له نصوصاً جميلة في مجموعات نيفت على الثلاثين، وهذا إن دل على شيء فهو يدل تجربة ركينة غزيرة لا يستطيعها شاعر إلا إذا كان ذو موهبة كبرى، ومهما تشابهت نصوص الأستاذ "فؤاد" يبقى هناك أشياء متفردة يشار إليها تضاف إلى سجله الأدبي والجميل في الشعر
** «القصيدة حراك اللاشعور ووعي اللاوعي، فمساحة الوعي لدى الكائن الحي ضئيلة.. أما ذلك الغامض في أعماق الروح هو الذي تمتد إليه القصيدة، هي ذلك الينبوع الذي لا نعرف من أين ينبع؟ ولكننا نرى الحياة تجري من بين أصابعنا، لدى الشاعر إذا كانت الروح كبيرة والموهبة كبيرة فقصيدته لا تعبر إلا عن الجمال دفاعاً ضد المشاعر، وعن الحرية ضد القمع والتسلط.
القصيدة كصرخة الطفل الوليد... هي صرخة للجمال، وبحث عن أسئلة لا جواب لها، فالكون بأكمله لا يستطيع الإجابة عن أسئلة الشعر الكبيرة، يبدأ الشاعر كتابة الشعر كما يبدأ الطفل بأي لعبة، ثم ومع مرور الزمن يجدها وقد أضحت جزءاً منه.. جزءاً من طفولته، كذلك الأمر بالنسبة للقصيدة فالقلب يصبح هو القصيدة والقصيدة هي القلب، ثم أن الشعر والطفولة متلازمان لا وجود لأحدهما بعيداً عن الآخر، فالشعر يجعل القلب طفلاً وأنا إلى اليوم مع كل قصيدة جديدة أكتبها أتحول طفلاً من جديد وكأني أرى العالم وأكتشفه للمرة الأولى، ثم الطفولة تجعل الإنسان شاعراً أبداً، وحين يغادر موطن الطفولة القلب تغادر القصيدة الشاعر إلى ما لا نهاية، وأنا أؤكد للشعراء الشباب أنهم يجب أن يعيشوا الحياة بكامل تفاصيلها ويشعروا بكل شيء حولهم لكي تكون قصيدتهم جديرة بأن يقال عنها شعر، لأن الشعر ينطلق من الحياة ثم يتجه إلى الحياة وموضوعه الأكبر هو الحياة».
** «لم تصل... ولن تصل أبداً، لأن النقص في الجمال هو الجمال، والنقص في الكمال هو الكمال، أن نشعر بأننا لم نصل القمة هو القمة، هذا الإحساس الدائم بأننا لم نصبح كاملين، ولن نصبح كاملين فلا البشر ولا الملائكة ولا الأنبياء استطاعت الوصول إلى الكمال، فالكمال لله وحده ثم الحياة مستمرة وفي حالة تدفق دائم ولا كلمة أخيرة بعد، فالشاعر لا يستطيع أن يقول كلمته الأخيرة أو يعتقد أن قال قصيدته الأخيرة، لأن تلك اللحظة بلا شك هي لحظة الموت الكامل للقصيدة لديه، فالشعر هو محاولات للبحث عن الروح والذات الغامضة في هذا الكون، ونشعر بأن الكمال أو الجمال في ذلك الذي لم نكتبه بعد.. وأنه سيكون الأجمل».
** «أنا من الذين يكتبون القصيدة الكلاسيكية والقصيدة النثرية أو كما أحب أن أسميها القصيدة الحرة، والنص النثري كل حالة من هذه الحالات هي وليدة حالة أخرى، باستثناء قصيدة الغزل فأنا لم أكتب قصيدة غزل واحدة في حياتي، أحسست به ولكني انتظرت طويلاً حتى تحول "إلى حب.. وكتبت قصائد الحب، ولكني اعتبر قصيدة النثر من أخطر حالات الكتابة لأنها مجاز المجاز في التعبير عن كل شيء في لحظة واحدة، وهي من القصائد القصيرة جداً، أحياناً أربع أسطر أو أقل يمكن أن تشكل قصيدة، وإذا كانت القصيدة هي البحر، فإن النص النثري هو المحيط، هو المياه التي تنزل من السماء ولم تتشكل بأي شيء بعد، روح تتسع لدرجة تضيق فيها الأشكال، ولكل نص أو قصيدة نثرية بنية خاصة، ولكنها بالضبط أرواح ضاقت عليها الأشكال».
الكاتب والشاعر والناقد "موفق نادر" الموجه الاختصاصي لمادة اللغة العربية، تحدث عن شعر "فؤاد كحل" بالقول: «مهما اختلفت الآراء في شعر "فؤاد كحل" إلا أننا تحتفظ له بحق كبير بين شعراء الجبل وخاصة أولئك الذين كتبوا قصيدة التفعيلة، بأنه شاعر رائد لم يترك جانباً أو مجالاً إلا وطرقه بقصائده، إنتاجه غني من الشعر ويفيض الشعر من روحه، قد لا يعجبني أسلوبه في بعض الجوانب ولكني ممتن أنه وأستطيع أن أزعم أني قرأت له نصوصاً جميلة في مجموعات نيفت على الثلاثين، وهذا إن دل على شيء فهو يدل تجربة ركينة غزيرة لا يستطيعها شاعر إلا إذا كان ذو موهبة كبرى، ومهما تشابهت نصوص الأستاذ "فؤاد" يبقى هناك أشياء متفردة يشار إليها تضاف إلى سجله الأدبي والجميل في الشعر».
الدكتور "ثائر زين الدين" مدير الثقافة في "السويداء"، شاعر وأديب ولديه العديد من الدراسات في النقد الأدبي، تحدث لموقعنا عن الشاعر "فؤاد كحل" قائلاً: «عملت عدة دراسات عن الشعر المكتوب باللغة الفصحى في جبل العرب، وقد بدأت منذ بدايات هذا الشعر أي من عام 1937 وحتى الآن، وقد صدرت هذه الدراسات حديثاً في كتاب (المشهد الثقافي في "السويداء")، الشاعر فؤاد كحل ينتمي إلى المرحلة الثالثة من المراحل التي مر بها الشعر الفصيح في جبل العرب، هو من الشعراء الدؤوبين، فقد جعل من الشعر قضية حياة وقضية مصيرية، ومن أعماله الأولى (ديوان الجبل) و(سبعون جمرة) و(سراج الليل) وحتى الوقت الحالي، الشاعر متابع بشكل حثيث حركة الشعر في سورية والوطن العربي والشعر المترجم أيضاً، يطور نصوصه بشكل دائم، يعد من مؤسسي قصيدة النثر في سورية وقد كتب عدة مجموعات شعرية منها (سبعون جمرة) التي أثارت ضجة في النقد عند صدورها وقد تحدث عنها الناقد "حنا عبود" في كتابه (النحل البري والعسل المر) عندما شبه هؤلاء الشعراء القادمون من الريف بالنحل البري، وما أنتجوه من شعر هو عسل ولكن فيه طعم المرارة التي قصد بها مرارة الحياة والتجربة والمعاناة، في شعره هو قادر على تغطية الأحداث العامة التي تعيشها البلاد بالإضافة إلى أعماق الشاعر، هو شاعر وجداني وشاعر مناسبة أيضاً».
بقي أن نذكر أن للشاعر "فؤاد كحل" أربعاً وعشرين كتاباً بين دواوين شعرية ونصوص نثرية، واثنتي عشرة مخطوطة جاهزة للطباعة لم ينشر منها شيئاً بعد، وانتهى حديثاً من كتابة كتاب عبارة عن عشر مؤلفات يتجاوز 1800 صفحة، وهو عضو بلجان القراءة في وزارة الثقافة وعضو في اتحاد الكتاب العرب.