ما زال الشعر قادراً على إظهار مكامن الشجن الذي يعتلج بالعاطفة الشاعرية لدى الشعراء، وهو يملك القدرة على فرض ما يريد بالكلمة الصادقة الموجهة، ولعله اليوم يتميز عن السابق بانتشار أوسع، لكنه يعيش حالة من الانكماش لكثرة التجريب.
الأستاذ "كمال الشوفي" المترجم والباحث أوضح لموقع eSuweda قائلاً: «أن ديوان "ليلة حزن" للشاعر "عادل رزق" يحمل الكثير من الدلالة الاجتماعية والثقافية والسياسية والإنسانية، ومن يقرأ قصائده يشعر بتجربة الشاعر ومعاناته مع الحياة، وشعره يتميز بالدلالة الرمزية التي من شأنها نقل المتلقي إلى الاهتمام بماضي الشعر، ومراحل تطوره، ينفح ديوانه سيرته الذاتية، ويركز على الانزياح الدلالي في الشعر، إضافة لخبرته الثقافية الأدبية والاجتماعية».
أن ديوان "ليلة حزن" للشاعر "عادل رزق" يحمل الكثير من الدلالة الاجتماعية والثقافية والسياسية والإنسانية، ومن يقرأ قصائده يشعر بتجربة الشاعر ومعاناته مع الحياة، وشعره يتميز بالدلالة الرمزية التي من شأنها نقل المتلقي إلى الاهتمام بماضي الشعر، ومراحل تطوره، ينفح ديوانه سيرته الذاتية، ويركز على الانزياح الدلالي في الشعر، إضافة لخبرته الثقافية الأدبية والاجتماعية
موقع eSuweda التقى الشاعر "عادل رزق" بالحوار التالي:
** أتذكر قولاً "لجون ريد" في كتابه "عشرة أيام هزت العالم" حين التقى قائد القتال في الجبال وسأله: "منذ سنوات وأنتم تعانقون الجبال وتلتحفون المغاور، وتحاربون، أأنتم من عشاق القتال"؟
أجاب القائد: "لا، بل نكره القتال، ونتوق إلى بناء المدارس، وإقامة الحدائق، والعزف على الآلات الموسيقية، ولكننا نقاتل اليوم لنجنب أبناءنا القتال غداً"، وأنا في مجموعتي أصور الحزن وأجعله أكثر قبحاً لأجنب أبنائي هذه الليالي، وأحاول أن أوقد لهم فجراً لم يولد بعد، وعنواني هذا اختصار لنص داخل المجموعة مازال يلاحقني منذ عام 1992 وهو زمن كتابته تحت عنوان "إلى ولدي في ليلة حزن عربية" يرسل بوحاً للقادم من الأجيال ممثلاً بولدي، مصوراً فيه حالة التدمير الداخلي والخارجي الذي اجتاح العراق الأبيض اليوم لينتهي بالثور الأسود والأحمر غداً، فهل تريدون مني بعد هذا أن أبشر بفرح كاذب؟؟ ومع هذا فأنا أترك المسألة للرأي الآخر.
** الركام الشعري الذي عبرت عنه في المجموعة تحت عنوان "إلى من يهمه الأمر"، لأقول: إلى جانب هذا الشعر الركامي الذي تلوث بموائد الملوك عبر التاريخ نجد وجهاً آخر للشعر استطاع أن يمتلك الدلالة المجبولة بالألم والحكمة والتجربة، والدلالة الرمزية هذه يمكن أن تكون بالعبارة أو بالمشهد الشعري والأسطوري وربما تكون بالعودة إلى التاريخ والوقوف عند بقع الضوء أو العتمة فيه، أي الدلالة التي تستنطق المسكوت عنه وتطرح حوله الأسئلة التي تبدأ بانتهاء القصيدة فحين يعود الشاعر إلى التاريخ فإنه يلوذ به يستحضره حتى لا يقع في عدمية المستقبل الذي يعمل له فتأتلق الصورة التي يريد توظيفها في بريق صناعة المستقبل.
وهذا ما أريده، مثلاً حين أقف عند "لقيط يسرج القصيدة" أو "طارق" لا يدخل الأندلس على حصان خشبي أو غيرها فأجد التعبير عما أريد بهذه الدلالات التي تطلق لنا الصورة الشعرية التي تربط بين مفاصل التاريخ فتجعلها امتداداً له أو نكوصاً عنه.
أي نستعين بالدلالة التاريخية لإظهار الصورة الشعرية التي تربط بين الماضي والحاضر بخيط يقودنا نحو المستقبل الذي يعمل الشعر على استنهاضه.
وهذا ما قام به "نزار" حين تذكر معاوية وقادنا إلى أسياف العرب الخشبية ليتجاوز الصور البلاغية التقليدية نحو هذه الدلالات الرمزية، بمثل هذا تأتلق الصورة الشعرية.
** بداية نذكر أن الكتابة في الفكر تختلف عن الكتابة في الأدب ليس في الموضوع فحسب بل في الطرائق ومازلنا نتذكر بشكل مدرسي المسافة بين المقالة العلمية والمقالة الأدبية.
وربما تكون الكتابة الفكرية في أزمنة تردي الفكر وسقوط الأيديولوجيا بشرط الحرية المسؤولة فيها أكثر جدوى لمجتمع تشوه فكره وانحطت فلسفته ليعيش على موائد ثقافة الاستهلاك والتبعية أو السلفية ولكن الكتابة هذه لها علاقة بالمتلقي الذي أخذ يبحث خائفاً عن لقمة عيشه أو عن وجبات الفكر السريعة وعن المناخ المواتي للمثاقفة.
أفلا تكون الكتابة الأدبية بشرطها الفكري وبما فيها من متعة وفائدة دعوة لهذا المتلقي لاستعادة عافيته؟ هذا ما دفعني اليوم لهذه المحاولة الشعرية ولغيرها من الأجناس مما سيأتي.
ومع كل هذا فإنني أرى أن الكتابة الأدبية بأجناسها المتعددة إذا لم تكن تستند على قاعدتها الفكرية ذات الهم المجتمعي والإنساني فلن تكون أكثر من سلع الاستهلاك السائدة التي يراد توظيفها للتشويه الثقافي وهذا يعني أن للأدب وظيفة تتحقق بنشر الوعي المطابق لحاجات الواقع والنهوض وبالتالي يصبح الأدب تأسيساً للحالة الثقافية في المجتمع ويصبح الأديب جزءاً من حركته.
وهذا ما يفسر كيف شغل المتنبي الدنيا وملأ الأسماع وكيف انتشرت أعمال الذين اشتغلوا بالفكر والسياسة وهموم المجتمع عبر تاريخ البشرية وكيف مازالت الأم "مكسيم جوركي" وأعمال "عبد الرحمن منيف" وخريف بطريريك "ماركيز" وأشعار "لوركا" وحرية "بول إيلوار" ودواوين الأرض المحتلة، وانتماءات "عيسى عصفور" ونزاريات "نزار" كيف مازالت- دون أن تهمل شرطها الفني- تطرح الأسئلة وتذكرنا بمقولة "وخير جليس في الأنام كتاب" أو "قل ما تقرأ أقل لك من أنت"، هذا... ولابد لنا من أن نؤكد أن الأدب الذي نريد يحتاج إلى فضاء من الحريات المسؤولة يعيش فيه وعندها يصبح الأدب مولداً لثقافة تعيد بناء الفرد وتضعه أمام مسؤولياته التاريخية بعيداً عن الاستعراض الثقافي.
** هذا السؤال يقودنا إلى دور الشكل في تقييم العمل الأدبي.. وأنا لست من هذا الدور الشكلاني في التقييم كما أنني لست مع مفهوم "الإزاحة" لهذا اللون ليحل محله لون آخر وكأن الأدب مصاب بعمى اللون الواحد كما أصيبت الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالنموذج الواحد في مواجهة التعدد والتنوع.
إن الشعر العمودي مازال حياً ومازال بعض شعراء الحداثة وما بعد الحداثة يتعاملون به، كما لايزال إلى جانبه شعر التفعيلة يشق دربه دون أن يجبّه... لينشأ إلى جانبهما هذا الشكل من الشعر الذي لم يتفق بعد على تسميته يشق طريق الوليد على درب الإبداع.
ويمكننا هنا القول: "ليس من العيب تعدد هذه الأشكال فلكل شكل شعراؤه ومبدعوه ولكن العيب كل العيب في التحزب لهذا دون ذاك ليقتل النص على الهوية لانتسابه لهذه الطائفة أو تلك كما يحدث في شوارع الموت على أرض إلغاء الآخر".
فلنبحث عن الحياة في النص وعن الإبداع فيه ولنتذكر ليس كيف كتب الكاتب فقط، بل ماذا كتب لتكون الكتابة حالة ارتقاء وإبداع للأدب وحاضنة المجتمعية.