تأخذ الكلمة المحكية دورها هذه الأيام، وتعيش ثقافة فكرية تساهم برفد الحركة الفنية العربية بكثير من المواد التراثية التي تغنى بها مجموعة من الشعراء الشعبيين الذين جسدوا وقائع وأحداث لها فعاليتها في نظام المجتمع، وكانوا أصحاب رسائل إنسانية، كما فعل الشاعر "عدنان علم الدين" الذي يعتبر من الشعراء الشعبيين.
«ربما لم يلق الشعر الشعبي الاهتمام كما يلقاه اليوم، فقد ساهم هذا اللون من الشعر بنشر ثقافة التراث بمحليته»، على حد قول الأستاذ "حسين خويص" عضو مجلس إدارة في جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث لموقع eSwueda: «الشاعر "عدنان علم الدين" هو واحد من الشعراء الكلمة المحكية، يجيد لغة الشعر الشعبي، بصور ذات دلالة رمزية، ناقلاً تراث وشخصية منطقته، بأشعاره، الأهم أنه يقرض هذا النوع من الشعر برغبة للتعريف بأنه شعر قادر أن يدخل الأوساط الثقافية، ليكون الرافد الحقيقي لنقل معاناة الأهل ويصور صوراً تاريخية من الماضي، بروح الحداثة والمعاصرة، ذلك عندما يبدأ بصوته الأجش يصدح في المحافل العامة، فهو شاعر صاحب رسالة بشعره الشعبي، ولديه القلق الدائم لمعرفة الجديد واكتشاف الصورة الإبداعية في خضم تزاحم عناصر شعرية في الساحة الإبداعية، إضافة إلى جرأته بطرح القضايا الإشكالية في المجتمع كما في قصيدته "الضياع أو الخال عمدة" بتصوير واقع يلامس الحدث بمصداقية».
ربما لم يلق الشعر الشعبي الاهتمام كما يلقاه اليوم، فقد ساهم هذا اللون من الشعر بنشر ثقافة التراث بمحليته
وبين الأسرة والشعر والشرود في معاناة الزمن والإبداع أوضحت السيدة "جهينة الزاقوت" زوجة الشاعر "عدنان علم الدين" قائلة: «يتميز "عدنان" بأنه مرهف الحس، فهو يعيش شروداً بين جمال الكلمة ومعناها وبعدها الاجتماعي والثقافي، وكثيراً ما يتداول بين الناس أنه يساهم في طرح القضايا الاجتماعية، بعيداً عن الاستعراض الشعري، الذي من شأنه الوقوف على المنابر بقصد الظهور والبروز كطموح أي شاعر منبري لكنني أراه في هاجس وبحث عن حالات واقعية، يرسمها بكلماته كفنان يتقن مهنته إبداعاً وإخراجاً، وبألوان زاهية، فأنا أطرب إلى قصائده كثيراً، بما فيها قصائد الغزل التي يحملها صوراً وإيقاعات جميلة ومختلفة».
موقع eSwueda التقى الشاعر الشعبي "عدنان علم الدين" بالحوار التالي:
** لولا الكلمة الشعبية المؤثرة والمحمولة على الإبداعات الحديثة، ما رأينا ما نراه اليوم، من تعدد في تلك الإبداعات، لأن الكلمة سواء أكانت شعبية أم فصحى، فأثرها على مسامع الناس واحد، وربما كانت الكلمة المحكية العامية أقرب إلى أذن المتلقي من الكلمات الفصيحة، لأنك تخاطب عامة الناس بلهجتهم، بينما الكلمة الفصحى لها طبقتها، خاصة بعد ظهور قصائد التفعيلة، والنثر، الومضة، التي من شأنها أن تحمل دلالة رمزية معمقة، وكأنها موجهة إلى نخبة معينة من المجتمع، بينما الكلمة المحكية يستوعبها ويتفاعل معها العام والخاص، وهذه مهمة الشاعر أن يوصل الفكرة بأبسط ما يمكن بلا إيماء ولا رمزية ولا تعقيد أو تلاعب في الألفاظ.
** إن الكلمة العربية على اختلاف تعدد لهجاتها، نابعة من أصول عربية تحمل المعنى ذاته مع اختلاف بسيط في نطقها أو تغيير حرف أو أكثر من هذه الكلمة والمعنى معروف لدى الكل والمثال هناك من يقول: "عن الزغرودة زلغوطة، والمعنى واحد ومتداول في كلا الكلمتين، ولكن باللهجة السائدة العامة وعلى سبيل المثال في لهجة البداوة من يقول: "الرجم، والطعس، والهضبة، والنفيل"، وكلهم في معنى واحد وهي المنطقة المرتفعة، ولهذا بما أن اللغة واللهجات واحدة، فهذا يسمح لنا بخلق حوار مشترك مع الآخرين، من خلال موروثنا الشعبي، وثقافتنا المحلية والتاريخية وما تحمله من مفردات، بايقاعات مختلفة ومعاني منسجمة مع الواقع، هذا ما يجعل قصائدي تلقى رواجاً عند الكثيرين لأنها تلامس هموم الناس، ومشاكلهم بطريقة شعرية.
** ما أراه أن الشعر الشعبي هو رسالة، على حد قول الناقد اللبناني "مارون عبود" "ليس هناك شاعر شعبي وشاعر فصيح هناك شاعر"، المهم أن يكون له هدف يسمو ويرتقي بالمجتمع إلى الصورة المثالية المنشودة، فالشعر الشعبي الذي ولد في أحضان الشعر الفصيح ينبع من أفكار شعبية قارب هموم وهواجس العامة، واستطاع أن يصل إلى كل فئات المجتمع، كل في لهجته ولغته ومحليته، وهذا يعني أنه واكب اللغة وتطورها وأصبح له شخصية اعتبارية ذات مكانة إبداعية في التاريخ العربي المعاصر، وهناك كثر من الشعراء العامية الذين لهم في الأوساط الثقافية وجود وبصمة واضحة أمثال: "سعيد عقل، أحمد فؤاد النجم، الأبنودي، بيرم التونسي"، وغيرهم من شعراء لبنان وسورية والمغرب العربي والخليج، وهناك منتديات وبرامج مرئية كثيرة أصبحت تعنى بشن هذا النوع من الشعر لقربه من ماهية اللغة ونسعى اليوم للحفاظ على هويته في ظل زحف العولمة، فقد حرصت بعض الجامعات العربية والعالمية ضمن مناهجها تدريس الشعر الشعبي للمحافظة على مورثها وتراثها.
** اكتب الشعر الشعبي بكافة مواضيعه الوطنية والإنسانية والاجتماعية والوجدانية والغزلية. وقد نشر لي كثير من القصائد متنوعة الألوان في عدة وسائل إعلامية المرئية والفضائية والمقروءة وبرامج إذاعية محلية إلا أنني في الآونة الأخيرة اعتمدت على طرح المواضيع الاجتماعية رغبة بي ورؤية أن الشاعر هو صاحب رسالة ويساهم في تنمية المجتمع والوقوف في وجه العادات السيئة الزاحفة من الخارج إليه بوسائلها وأشكالها المختلفة وأرى أن المواضيع الاجتماعية جديرة بالاهتمام كما الوطنية والغزلية، لأن المجتمع بات يعاني من مشاكل اجتماعية كثيرة، ولا يجوز أن أن ننظر بعين واحدة، فالشاعر يجب أن يكون مرآة المجتمع ومترجم لمعاناة الوطن والناس على اختلاف حالاتها.
** أرى أن الشاعر هو مؤرخ اللحظة كأي إعلامي أو كاتب أو أديب، لذلك أعيش قلق اللحظة والديمومة التي من شأنها مواكبة المعاناة الإنسانية، والاجتماعية والوطنية وبتقديري أن الشاعر يعيش قلقاً دائماً لأنه يتحسس الأشياء في جميع حواسه ويعكس تلك الأحاسيس المرهفة بطريقة شعرية تحمل القافية والصورة والدلالة، ولكن القلق الإبداعي الذي يكتنفني البناء الفني الذي يجيز للقصيدة العمر المديد، خاصة وأننا نلاحظ العديد من الشعر الذي يحمل صفات ودلالة يخلو من البناء الفني كالإيقاع مثلاً.
** الجائزة برأيي هي عبارة عن سيف ذو حدين تحمل الشاعر عبئاً إبداعياً للاستمرار بهذه السوية، والبحث الدؤوب عن الأفضل الذي يستمر بنجاح الشاعر، لأنه من المهم أن يصل الإنسان إلى القمة ولكن الأهم أن يحافظ على بقائه في القمة، من هنا تمنح الجائزة الشاعر اطمئناناً على أنه قطع مرحلة من الشعر لا بأس بها، أدت به إلى تبوؤ مثل هذه مكانة، خاصة أن عمله تم بعد عرضه على لجان تحكيم لينال درجة، وبنفس الوقت تصبح هاجساً على ألا يرضى بما وصل إليه، ويقتنع بما يقدم فإن ذلك يحبط عمل الشاعر وتقدمه، والجائزة جواز سفر لاستقرار على شاطئ الأبداع أي أنها ليست المانحة لموهبة الشعر بل هو تكريم وحافز فقط، وارى أن الجوائز تخضع إلى افكار وآراء وأهواء لجان التحكيم وبالتالي ليس بالضرورة ان تكون حكم قيمة.