«لم أكن أعلم وأنا في طريقي إلى مدينة "شهبا" أنني سأسمع شعراً بهذا العمق.. فمنذ ثلاثين عاماً وإلى اليوم وأنا أريد للشعر ألا يكون مطرباً، بل أريده مفكراً ومغنياً ويحمل هماً فكرياً في نصه.
وأقول للشعراء الذين سمعتهم اليوم أنتم مطالبون طالما دخلتم بهذا العمق، أن يبقى في قصائدكم من سحر الصورة.. وسحر الموسيقا الكثير».
خطوة الإصدار كانت مهمة بالنسبة لي لكون مجموعتي الأولى قد اكتملت ولم يعد بالإمكان إضافة شيء، ولا بد من الانطلاق نحو شيء مختلف وجديد. لم يكن عندي هاجس الظهور أمام الجمهور.. ولكني سعيدة جداً بوجودي اليوم في هذه الأمسية مع الشاعر الكبير "عبد القادر الحصني" والشاعر "سالم ناصيف" الذي سمعت منه شعراً جميلاً وعميقاً
بهذه الكلمات بدأ الشاعر "عبد القادر الحصني" لقاءه مع جمهور المركز الثقافي في مدينة "شهبا"، خلال الأمسية الشعرية التي جمعته وشاعرين ينتميان لجيل الشباب الباحث عن فرصة لإثبات الذات وهما الشاعر "سالم ناصيف" والشاعرة "أدونيس غزالة".
هذه ليست الأمسية الأولى للشاعر "الحصني" في "السويداء" ولكنها الأولى مع تجربتين جديدتين وفي أول ظهور لهما.
وقد تحدث لموقع eSuweda عن انطباعه قائلاً: «أحب المشاركة في أمسيات شعرية أستمع فيها لأصوات جديدة، ذلك لأن الحساسيات الجديدة في الشعر لابد وأن تكون موجودة في هذه الأصوات. قد تكون هناك بوادر لهذه الحساسيات.. أو ربما براعم وبدايات. ولكنها هي المطلوبة، فأنا أشعر أن حياتي تطول مع كل شعر جديد أسمعه، فالشعر له حياته ونحن عابرون في حياة هذا الشعر، فلننظر إلى استمرارنا في الشعراء الشباب».
وعن الجديد الذي لمسه في تجربة الشاعرين الشابين؟ أضاف: «لاحظت أن الشاعرين مهمومان بهموم إنسانية، وهذه الهموم قد سببت معاناة ولدت تفكيراً.. وتحول هذا التفكير إلى هاجس ثم تجلى فيما قالوه من شعر.
طبعاً قد أختلف معهما قليلاً أو كثيراً حول بناء النص، ولكني جد مقدر لهذه التجربة الجميلة، وهذان الصوتان برأيي لو أتيحت لهما الظروف المناسبة والمساعدة سيكون لهما حضور شعري مهم جداً».
وفي سؤال عن تجربته الشخصية وعن شعره الذي يتسم بالصوفية، أجاب: «أنا عندي مفهوم خاص للصوفية. أعتقد أن التعبير عن كل تجربة وجودية وعميقة وعلى درجة من الخصوصية.. هو تعبير عن حالة صوفية، فالحالة الصوفية ليست أسيرة دين أو لغة أو مذهب أو شعر على الإطلاق، بل هي حالة مفتوحة.. حالة إنسانية عالية، حتى أكاد أقول أن كل إبداع هو حالة من الصوفية.
فأنت لا تستطيع التواصل مع الأشياء ما لم يكن لك معها تلك العلاقة الخاصة، وهذه العلاقة متى وجدت.. فأنت أصبحت صوفياً عرفت أم لم تعرف..».
ومن القصائد التي ألقاها أمام الجمهور هناك قصيدة حملت عنوان "الرجل" ومنها هذه المقاطع:
"ما أوحدني في هذا الصمت المصمت/ وأنا أبتكر حروفاً هاوية/ وأفسر ما بين أصابع كفي
لكي أتقرى من أين يجيء الحزن إلى الأشياء/ ماذا كان بوسعي أن أفعل؟
كان حزيناً حزناً لم أتصور أن يفسخ ضلعاً من أضلاعي/ ليريني صورته في/ ويدنو مني
حتى لا يتبقى غير امرأة في المرآة/ كل بنات الناس رضين أن يتزوجن بأبناء الناس
ولكن أبناء الناس تشهو جنيات في الأرض/ وناموا معهن/ وندموا حتى تاب الله عليهم
ووعدهم أن يشتق الجنة من أسماء الجنيات/ وأن يغسلهن بماء الكوثر/ حتى يصبحن حوريات/
طوبى للحزن يربي تحت طحالب عينيه الدكناء/ صيفاً وربيعاً وخريفاً وشتاء/ وجزائر من مرجان يطلق منها سمكاً أحمر حين يشاء/ طوبى للآلهة تعنت حتى وجدت أسماء للأشياء
طوبى للرجل ارتبك وأربك حتى طرد وحيداً إلا من جنته فاخترع لها اسماً آخر
ودعاها حواء».
الشاعرة الشابة "أدونيس غزالة" من مواليد محافظة "السويداء" عام 1979م، تحدثت عن أمسيتها الأولى والتي تزامنت مع أول إصدار شعري يحمل اسمها بعنوان "رقص" قائلة: «خطوة الإصدار كانت مهمة بالنسبة لي لكون مجموعتي الأولى قد اكتملت ولم يعد بالإمكان إضافة شيء، ولا بد من الانطلاق نحو شيء مختلف وجديد.
لم يكن عندي هاجس الظهور أمام الجمهور.. ولكني سعيدة جداً بوجودي اليوم في هذه الأمسية مع الشاعر الكبير "عبد القادر الحصني" والشاعر "سالم ناصيف" الذي سمعت منه شعراً جميلاً وعميقاً».
ومن مجموعتها "رقص" هذه المقاطع من قصيدة "نلتقي ولا نتشابه":
"أين تذهب...؟/ والليل بكامل شهواته/ ينام على صدري/ يبكي صباحاً
فيكتمل حلمي بوردة/ أين تذهب...؟/ وأرضي حكايا/ لم تمشط قدمك سهولها
أين تذهب...؟/ والدروب جميعها/ تؤدي... إلى قلبي/ مازلنا لا نجيد الحزن بعد
حين نتعلم العتمة/ سنبكي نجوماً/ مازلنا لا نجيد الفرح بعد.../ حين نتعلم العتمة
سنضحك قمراً/ مازلت لا أجيد وجهك بعد../ حين أتعلم العتمة سأضيئك».
ومن قصيدة "كل امتداد لك.. كل امتداد أنت":
"ماذا سنقرأ الآن؟/ وقد كتبنا بيد القبح/ ماذا سنقرأ؟
سر الرمل؟/ السر الذي أنجز/ خلوده فينا/ وفناءنا فيه".
الشاعر والصحفي "سالم ناصيف" من مواليد مدينة "شهبا" عام 1974م تحدث عن خصوصية التجربة الأولى قائلاً: «الشعر بالنسبة لي حالة لا أملك قرار التخلي عنها هو القلق الذي يغزو دمي وفكري لتغدو من سلوكياتي.. الشعر هو خطوة نحو إيجاد مكان في هذا الوجود الضيق جداً.
أمسية اليوم كانت وفاء مني لمدينتي "شهبا" التي قطعت لها عهداً ألا تكون إطلالتي الأولى إلا فيها، ولقائي مع الشاعرة الصديقة "أدونيس غزالة" التي يمتاز شعرها بالنفحة الفلسفية والتكثيف الحسي العميق يجعل الأمل أمامنا كشباب أكثر اتساعاً.
أما "عبد القادر الحصني" هذا الشاعر الذي استطاع أن يصنع خطه الخاص ليصبح من أهم الأسماء الشعرية السورية فلقائي به يمنحني دفعة كبيرة، فلقد التقيت معه شعرياً وإنسانياً».
وفي قصيدته التي حملت عنوان "تكوين لا نهائي" قال:
"ولدت/ لا أشبه أمي/ لم تحملني جينات البلاد/ لم تغرني حرفة الصبيان في العد.
من بنات الشمس أبدؤها/ وأصابعي خبأتها/ في وجه طفل قال لي: خذني معك...
ولدت/ لا أحضن بيتاً!/ مال للشرق/ ومن وحي الحماد/ ماد...
وما نذرت بماء الورد/ إن وطئت الأرض صبياً..
كنت البعيد/ عن احتمالاتي، كفكرة في غفلة ولدت هناك/ عند أول الأبواب!/ ».
من الحضور تحدث الأستاذ "عمر الطويل" عن هذه الأمسية قائلاً: «جميلة هي الفعاليات الفكرية والثقافية لأنها تولد حالة من احتكاك العقول وتآلفها، في أمسية اليوم استمعنا لتجارب ثلاث شعراء استطاعوا خلق حالة تفاعلية فيما بينهم من خلال تجارب متباينة يجمعها شيء واحد هو الهم الإنساني.
أنا من متابعي الشاعر "عبد القادر الحصني" ولكنها المرة الأولى التي أستمع فيها لكل من "سالم" و"أدونيس" وقد دهشت لما قدماه من مستوى جيد على صعيد الشعر الذي نسمعه في أيامنا هذه».