"مذكرات فاتنة" قصة تطرح إشكالية الحروب القاسية التي أفرزت تجارة الأعضاء البشرية في الأماكن المنكوبة بهدف الربح، إذ يعالج فيها القاص "باسم عبدو" نواحي ثقافية واجتماعية وإنسانية، وقصة "الكومجي الفهيم" للقاص "حسني هلال" يقدم نموذجاً ساخراً عن الطبيعية الاجتماعية والفكرية، ليقف الناقد "د.عاطف البطرس" موقفاً حيادياً بينهما ويطلق حكم قيمته على العملين.
حول أحداث قصة "مذكرات فاتنة" أوضح القاص "باسم عبدو" لموقع eSwueda بقوله: «تعتبر"مذكرات فاتنة" قصة جديدة ومعاصرة في حدثها وسماتها حيث إن قلائل تعرضوا لهذا العمل الإنساني. و"فاتنة" هي الشابة التي تنبأت بوفاتها وهي في الخامسة والعشرين من عمرها لذلك رفضت كل الإغراءات لأصحاب المجلات، وأن تتصدر أغلفة الكتب والإعلانات كي تتبرع بأعضائها التي شوهتها الحروب، وعشرات العيون التي كانت ترمقها وتطاردها وكانت تقول: "لو تتسع عيونهم لجسدي لأبتلعني الرجال بثيابي بسهولة ولن أتوقف في حلقي احد منهم"، لذلك كان قرار فاتنة قراراً صعبا وتصدت لأهلها وأقاربها الذين كانوا يقولون: "كيف نغير ألواننا ودماءنا وأحلامنا بهذه السهولة، وننصهر مع خمسة أو عشرة وتتحول عشيرتنا إلى عشيرة متعددة الزمر الدموية"».
القصة تحتوي على تناصً بالشخصيات والنص معاً، وتحكى القصة بأسلوب ساخر، وكثير من الناس نجدهم بيننا في الشارع في العمل وفي الندوات الثقافية، وأناس ظاهرهم متجهماً وأكثر الأحيان باطنهم وأفكارهم خاوية، كما وتنقد القصة بشكل خفي، وقصتي "الكومجي الفهيم" تحكي وبشكل أقرب إلى أسلوب الصحافة عن طبيعة الشارع والمؤسسات الثقافية وعن المحسوبيات والوصايات على وسائل الثقافة والإبداع، والقصتين بأسلوب ساخر الذي يستبطن لمحات وإشارات
وتابع "عبدو" بالقول:
«إن القصة المتخيلة هي نسيج مع الواقع المعيش، وتعبر عن تفان وتضحية في الحياة لهؤلاء الذين بترت أقدامهم بشظايا الإرهاب والعدوان الإسرائيلي، وهي تعبر عن مفهوم إنساني لإنقاذ المصابين، وحتى أن الأطباء الذين جمعوا ما بقي من أعضائها وعظامها في كيس كتبوا عليه "الاحتياطي من جسد فاتنة لمشوهي الحرب القادمة"، إن "فاتنة" هي رمز انتقل من التخييل إلى الواقع حيث عبرت القصة في خواتمها أن هؤلاء المضحون بحياتهم لن يموتوا لذلك حين اجتمع هؤلاء الجرحى في حديقة المشفى يأكلون السمك الشهي ويتلون الحكايات عن أمراضهم وحياتهم الجديدة، وكيف أن "فاتنة" أنقذتهم من شرور العجز ونظرات الناس الشفوقة..والمفاجئة أن "فاتنة" انضمت إليهم وغطت وجهها بقناع، بدت كمستخدمة سمراء توزع عليهم شرائح السمك وتملأ صحونهم بأنواع السلطات والأطعمة، وعندما كشفت وجهها، وجلست بينهم هبوا دفعة واحدة ولم يصدقوا ما يجري أمامهم، لأن الحياة لن تتوقف وهؤلاء البشر أصبحوا عائلة متعددة الزمر الدموية».
أما قصة "الكومجي الفهيم" أوضح القاص "حسني هلال" بالقول:
«القصة تحتوي على تناصً بالشخصيات والنص معاً، وتحكى القصة بأسلوب ساخر، وكثير من الناس نجدهم بيننا في الشارع في العمل وفي الندوات الثقافية، وأناس ظاهرهم متجهماً وأكثر الأحيان باطنهم وأفكارهم خاوية، كما وتنقد القصة بشكل خفي، وقصتي "الكومجي الفهيم" تحكي وبشكل أقرب إلى أسلوب الصحافة عن طبيعة الشارع والمؤسسات الثقافية وعن المحسوبيات والوصايات على وسائل الثقافة والإبداع، والقصتين بأسلوب ساخر الذي يستبطن لمحات وإشارات».
وحول القصتين قدم الناقد الدكتور "عاطف البطرس" الجالس بين قاصين رأيه النقدي بقوله: «أصبحت تجارة الأعضاء البشرية رائجة في العالم وثمة جرائم كثيرة تقترف لقتل الأشخاص وتوزيع أعضائهم لإدرار أرباح خيالية إذا تجاوزنا الفعل الجنائي، أو الجريمة الجنائية ونظرنا إلى الوقائع من منظور إنساني اجتماعي نجد كيف أن الإنسان أصبح سلعة تباع وتشترى بفعل حالة الاستلاب العامة خضع أيضاً لتفتيت فأصبح يباع أجزاء، ذلك ما ورد في قصة "مذكرات فاتنة" للقاص "باسم عبدو" من حيث المحتوى تقدم موضوعاً فريداً على حد ما يتناول رداً فنياً على مصادرة الإنسان وتفتيته، مؤكداً على وحدة أعضاء الجسد الإنسان واندماج الإنسان في الكلية الاجتماعية "ففاتن" ابنة الخامسة والعشرين قررت بكامل قواها العقلية وهي الفتاة الرشيقة الجميلة التي بوسعها أن تمتلك الملايين برمشة من هدبها، رفضت أن تكون سلعة وقررت أن توزع أبعاضها على المحتاجين المصابين بفعل الكوارث ونتاج الحروب غير العادلة، فوقعت عقداً مع أحد المشافي وتبرعت بمكوناتها "كقطع تبديل" لمن هم بحاجة ماسة إليها عينيها أطرافها قلبها، متحديةً رغبات أهلها وأقاربها إذ كيف يمكن لأعضائها أن تتوزع بين الناس وبالتالي تتلوث دماء العشيرة».
وتابع "د. البطرس" بالقول: «الشكل الفني للقصة إذا أضفنا جمالية اللقطة وإنسانية الموقف وحبكة الحكاية المتقنة والتي بمجموعها لا تشكل إلا هيكلاً عظميا في بنية القصة، فقد لجأ الكاتب إلى التنوع السردي باستخدام الحوار، إضافة إلى وجود السارد المحايد على حد ما رغم أن الموضوع يستدعي أو يحتمل فيضاً من المشاعر والأحاسيس إلا أنه اكتفى بعرض الوقائع، ثم استخدم طريقة تبادل المواقع فالشخصية المسرود عنها تصبح ساردة عن نفسها، هذا التنوع السردي تفاعل مع جمالية اللقطة واللغة الانسيابية البسيطة البعيدة عن المتعاليات اللفظية مع أن الموضوع فيه من الغرائبية ما يستدعي لغة بعيدة عن مألوف المفردات، لكن الكاتب آثر أن يبقى لصيقا بالواقع في لغته بهدف إيصال خطابه الإنساني الذي يؤكد على وحدة الإنسان في كليته الاجتماعية، أما القاص "حسني هلال" فقد قدم قصتين" المتجهم، والكومجي الفهيم" وهما ليستا في القصة القصيرة بالموجز، قريبة إلى روحه الفكاهية واهتمامه بالسخرية فهو يملك قدرة فيها وتحويل إلى القضايا إليها، استخدم في قصتيه لغة بسيطة يومية جميلة لأنه يتناول موضوعاً ليس بسيطاً وهو يتحدث عن موضوع سياسي، وهناك تتجلى مهارات القاص في تقديم موضوعات شديدة الأهمية بلغة بسيطة».
وأوضح الأستاذ "جمال النداف" رئيس المركز الثقافي في "خلخلة" بقوله: «ما بين النقد والأدب واقعية، إذ يقدم الناقد لغة يمزج فيها بين الفلسفة الوجودية والتقويم الإبداعي، ويعمل على تفتيت النص بمفردات تجعل المتلقي ينساق مع عبارات نقدية تحمل إيقاعاً خاصة وتحاليل في الدخول إلى النص، كما يفعل في القراءة النقدية التي يقدمها الناقد "عاطف البطرس"، ذلك حين استشهد بنص قصصي للأستاذ "باسم عبدو" بقصته المشوقة "مذكرات فاتنة" التي حملت العديد من المعاني والدلالات والتي عالج فيها قضايا إنسانية واجتماعية، منها ثقافة التطوع والتبرع، بطريقة جعلت المتلقي يلهث وراء السرد الحكائي الجميل لها ويتابع أحداثها حتى الخاتمة، كذلك بنص للقاص "حسني هلال" الذي يطرح بقصته وبطريقة الساخرة يطغى عليها أسلوب الصحافة أكثر من القص السردي، بأن يعالج فيها قضايا سياسية واجتماعية وثقافية، لهذا أرى أن الناقد يضيف إلى النص نصاً جديداً يضع فيه رؤيته الثقافية والتراكم المعرفي المخزون، وبهذا يصبح النقد الطائر الذي يحلق في فضاء الأجناس الأدبية من رواية وقصة وشعر وغيرها، يقدم شيئاً جديداً ومختلفاً بعد الولوج في ماهية النص والتوصل إلى مكامنه الإبداعية، خاصة عندما يجلس ناقد وقاصان على خشبة واحدة، يعرضان هموماً اجتماعية، ثقافية، بيئية»