حالة غرائبية تعيشها مع هذا القاص الذي ينسج خيوط قصته بعناية تجعلك منساقاً لأحداث تجذبك بسحر السرد وطرائقه المتناغمة، هذا السرد الذي تحدث عنه "فرحان ريدان" بأنه يقتضي صفات لا يمكن للقاص إلا اقتناصها لتكون القصة صورة مشهدية تجعل القارئ ممسكاً بخيوط هذا النسيج من البداية لغاية نقطة على آخر السطر.
تفاصيل دقيقة يظهرها "فرحان" في حوار مع موقع eSuweda:
بقصصه خيط دافئ يجعلك تتنازل عن الأساليب الفنية التي يتبعها بعض كتاب القصة مقابل لحظة الدفء التي يمنحها للقارئ، ونعلم أن نسبة بسيطة من كتاب القصة يمتلكون هذا الخيط، ومن وجهة نظري هذا الكاتب يلتقي مع حالة الكاتب سليم بركات في الرواية وحالة التجديد التي مثلها، ليكون "لريدان" خطه المجدد الذي لم يسبقه إليه أحد، وبالعموم هو صوت منفرد لا يشبه أحدا غيره، لأنه مدفوع بهاجس القصة والسرد البديع المتفوق لدرجة الإبداع الذي يلتقي من خلاله مع أصوات عالمية، وليس فقط متأثراً بالمسرح بل هو صوت مختلف عن كل ما تقدم بالقصة القصيرة هو يحاول الجمع بين لحظة الشعر ولحظة القصة بين النسق البصري الذي يمثله الشعر إلى حد ما والنسق الكلامي الذي يمثله السرد وهذا صوت يختلف عن تجارب كثيرة وبالنسبة لي لم أجد لها مثيلا وبهذه القوة
** تلتصق بنا الحياة الاجتماعية وتساهم في تكوين ملامح شخصيتنا فأنا من جيل عايش حالة "المضافة" والتي تسمى بالفصحى "المقامة" أي الحكاية التي تحكى في مجلس الرجال، هنا مجموعة رجال يمكننا إلى حد ما أن نقول عنهم حكائيين، فقد كانت تأسرني حالة المتحدث من ناحيتين الأولى تلك التي ترتبط بمضامين الحكاية أو باستخدام الإيماءات وتعابير الوجه أثناء الحكاية بما يعزز توصيل القصة للناس وهذا مؤثر هام، ليكون تغيير نغمة الصوت وتلوينه مرة هادئاً وأخرى عالياً ما يساهم بإيصال الفكرة بطريقة اقتبست بالفطرة، أما للافت الثاني فهو المزج بين طرائق "الحكي" حيث يمكن أن يكون خلال تأدية الحكاية وعلى لسان شخوصها إلقاء الشعر وقد يلقي الراوي القصيدة كاملة ثم يعود لسرد الحكاية، كما يمكن أن تتضمن الحكاية خطاب ما أو كلمة يلقيها زعيمهم ثم يعود للسرد، لتتصور معي كيفية الانتقال بين أنواع السرد بين الحكاية والقصة والشعر، كل ذاك جعلني أمسك خيوط الحكاية لتعيش في داخلي منتظرة العبور لعالم الورق الشفيف.
** كان المسرح التجربة التي كرست قيم الحكاية التي اكتسبتها في مراحل سابقة فقد شاركت بثمانية عروض مسرحية أولها مسرحية "العنب الحامض" عام 1989مع المخرج "طلال الحجلي" ومسرحية "البورجوازي النبيل"، وأخرجت ثلاثة عروض مسرحية وكانت لي مشاركات شعرت بأثرها الواضح في فهمي للنص القصصي، لأنه حلم تكون في ضيعتي البعيدة التي تسمى "الخالدية" التي تتبع لمدينة "شهبا" هذا الحلم الذي كنت أجسده بتصميم مشاهد مسرحية بالأعراس التي تضم الأهل والرفاق، ولم أكن في ذلك الزمان أعرف المعهد العالي للفنون المسرحية وكيف هو المسرح، وأذكر أول مرة زارنا المسرح الجوال في هذه الضيعة النائية بقيت لأسبوع بحالة انبهار، وظلت مطبوعة بذاكرتي لأستثمر ذلك أيام الدراسة وأحقق الحلم.
وبشكل عام فالمسرح فتح أمامي بابا كبيرا وواسعا باتجاه مناقشة الشخصية بالقصة، عندما بدأت ببروفات الطاولة تعزز لدي مفهوم القصة وفهمي لها وللشخصية الفنية وفيما بعد استخدمت تقنيات الإلقاء المسرحي للممثل بإلقاء القصة القصيرة على منبر.
** ينبغي للقصة أو الحكاية بصورة أكثر تعميماً أن تقدم طاقة إمتاع بشكل أو بآخر، إلى جانب تعاطيها مع شيء جوهري وليست على سطوح الأشياء، ففي إحدى قصصي التي حملت عنوان "شذا استبد" كانت تلك الداية التي لم تكن لتجزع لأي حالة ولادة في قريتها لكن عندما كانت تنتظر حفيدها خانتها القدرة لتفقد ابنتها مولودها الأول، أو في القصص العالمية ذاك البطل الذي يخترق بحار العالم ليتعرض للخطر في ساقية صغيرة، هنا كانت القصة فسحة للتأمل في مصائر البشر ومن وجهة نظري فإن الأدب الذي يقدم هذه الفرصة هو أدب رفيع يخلق حالة الإمتاع المطلوبة التي أقتنع أن للمشهدية المسرحية دورا كبيرا في خلقها وتضمين القصة المشهد المسرحي خط حاولت تطويره كي لا أبقى أسير أسلوبي وفي ذات الوقت لأختبر طرق الإمتاع بالقصة ليكون القارئ متواصلا مع الأحداث بشكل سلسل وعفوي، ومن وجهة نظري فالقصة فضاء واسع للتجديد والتطوير.
** سألت نفسي السؤال التالي: القارئ عندما يلتقي بالقصة في بيته يطالعها بطريقة تختلف عن حالة الحضور الشخصي للقاص أمام الجمهور فكيف نردم حالة الانزياح بالعلاقة؟ وشعرت بأنه عندما يصبح القاص أشبه بممثل والحضور جمهور يستفيد القاص من الإلقاء الدرامي للممثل لرفع مستوى التواصل لأفضل حد ممكن، وعلى الساحة الأدبية هناك من يتقبل هذه الطريقة وهناك ملاحظات من البعض لكن مشكلتي أنهم لم يقتنعوا بالسؤال الجوهري ذلك الذي يعدل واقع الانزياح بالعلاقة وليست هذه المشكلة بل المشكلة عدم الانتباه للسؤال الذي أحاول الإجابة عنه، ولم تقدم لي الإجابة التي اقتنع بها.
رسم "فرحان ريدان" خطه المجدد في كتابة القصة فكرة أفادنا بها القاص "جهاد فضل الله عقيل" بقوله: «بقصصه خيط دافئ يجعلك تتنازل عن الأساليب الفنية التي يتبعها بعض كتاب القصة مقابل لحظة الدفء التي يمنحها للقارئ، ونعلم أن نسبة بسيطة من كتاب القصة يمتلكون هذا الخيط، ومن وجهة نظري هذا الكاتب يلتقي مع حالة الكاتب سليم بركات في الرواية وحالة التجديد التي مثلها، ليكون "لريدان" خطه المجدد الذي لم يسبقه إليه أحد، وبالعموم هو صوت منفرد لا يشبه أحدا غيره، لأنه مدفوع بهاجس القصة والسرد البديع المتفوق لدرجة الإبداع الذي يلتقي من خلاله مع أصوات عالمية، وليس فقط متأثراً بالمسرح بل هو صوت مختلف عن كل ما تقدم بالقصة القصيرة هو يحاول الجمع بين لحظة الشعر ولحظة القصة بين النسق البصري الذي يمثله الشعر إلى حد ما والنسق الكلامي الذي يمثله السرد وهذا صوت يختلف عن تجارب كثيرة وبالنسبة لي لم أجد لها مثيلا وبهذه القوة».
الجدير بالذكر أن الأديب "فرحان ريدان" نال جائزة الشارقة للإبداع العربي المركز الأول عام 1998عن قصة "الملصق" ومما كتب: "وسواس الطحين" و"كرمى لخصرك" و"شذىً استبد" و"الضواري" و"خفة أنجم" و"يوم توحمت نهيلا".