هي عبارة أطلقها رحالة فرنسي أثناء زيارته لمنطقة "اللجاة"، بعد أن أدهشه سحرها، فمن يمشي على حجارتها وصخورها المرصوفة على مد النظر سيتذكر الليل والسواد الممتد إلى ما لانهاية، وقليل من الريح كافية حتى يخيل للمرء أنه أمام أمواج البحر الذي تتمايل... إنه سحر "اللجاة" الغامض.
إلى الجنوب من مدينة "دمشق" وعلى بعد 50 كم، تتربع هضبة صخرية شبه جافة، ضمن منطقة من السهول الزراعية في "حوران" جنوب سورية، ترتفع عن سطح البحر 800 متر، لم يعرف حتى الآن زمن الاستيطان البشري الأول فيها لوعورتها، ولم يصل الرحالة والمستكشفون إلى المناطق الصعبة فيها ويعتقد أنها سكنت في العصور الحجرية.
تقدر كميات الأمطار السنوية بمعدل 250 م حيث تمتد هذه النسبة على طول الحدود الغربية للمنطقة، لذلك تتوضع منطقة "اللجاة" تحت عتبة الجفاف وعلى حدود الزراعة الجافة، أما المصادر المائية فلا يجتاز منطقة اللجاة أي مصدر مائي طبيعي، ومع ذلك يحاذي حدود هذه المنطقة الشرقية والجنوبية وديان تغذيها مصادر مائية تنحدر من الجنوب الشرقي، من "جبل العرب"، "كوادي أبو الذهب" إلى الجنوب ووادي "اللوا" إلى الشرق، والى الغرب هناك "وادي الخير" المنحدر من هضبة "الجولان" الذي يمس الحافة الغربية للجاة، لينحرف فجأة نحو الجنوب الغربي ليصب في نهر "اليرموك"
المهندسة "أميمة الشعار" رئيس دائرة الإصحاح البيئي في مديرية البيئة "بالسويداء" تحدثت لموقع eSuweda عن منطقة "اللجاة" حيث بدأت بالحديث عن تاريخها الأثري، قائلة: «سكنت منطقة "اللجاة" في الألف السابع قبل الميلاد، وازدهرت في العصرين اليوناني والروماني وشقت فيها الطرق وبنيت المعابد والقصور والأديرة واستراحات الفرسان وأبراج المراقبة، أما في العصر الحديث فكانت معقلاً للثوار الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي وغيره، سميت "تراكون" وأطلق عليها الرومان اسم "تراخيتس" بمعنى وعرة، وقد اكتشفت بعثة فرنسية خاصة بالمسح الأثري في صيف 2003 في منطقة "اللجاة" موقع العصر الحجري النحاسي (الكالوكيت) الذي يعود للألف الخامس قبل الميلاد، ولدينا أدلة كثيرة ومعطيات كثيرة من العصور التي سبقت الميلاد وتتمثل في معابد وبيوت سكنية وقد حملت اللوحات أسماء عربية مما يؤكد الاستيطان العربي لها.
دخلت "اللجاة" في حكم أغسطس قيصر سنة 20 قبل الميلاد، الذي ولى عليها أحد قادته لكنه لم يستطع السيطرة عليها ولم يتحقق الأمن فيها إلا بعد أن قام "تراجان" بإنشاء فيلق في "بصرى"».
أما عن كيفية تشكل صخورها والسبب في خصوبة تربتها وغناها؟ فأضافت: «تعتبر "اللجاة" منطقة صخرية وعرة، طبيعة صخورها بازلتية ناتجة عن مقذوفات "جبل العرب" وخاصة من بركان "تل شيحان" القائم في طرفها الشرقي بارتفاع 1140 متراً، وهي تمتد من "جبل العرب" حتى شرقي الأردن على شكل مثلث متساوي الأضلاع طول ضلعه 30 كم، تنحدر حمم "اللجاة" وصباتها البركانية نحو الغرب والشمال الغربي حسب الاتجاه الذي سلكته السيول البركانية، ويخيل للمرء أنها تدير ظهرها "لوادي اللوا" والبادية في الشرق، وتنفتح نحو الجنوب والغرب والشمال، وتشير الدراسات إلى أن النشاط البركاني لم يتوقف إلا في الألف الثالث والرابع قبل الميلاد.
والصبات البازلتية والصدوع والانكسارات والجروف الصخرية التي تشكلت من اندفاعات البراكين جعلت من تربة "اللجاة" غنية بالمياه المعدنية والجوفية، وهي ذات تربة بركانية غنية بالمواد المعدنية، لونها يعكس لون الصخر الأم الذي تشكلت منه، وبالتالي تربة "اللجاة" تربة أصلية وهي غنية بسبب تقعرها بالنسبة لجبل العرب.
وتكمن أهمية "اللجاة" بأن المخلفات القديمة فيها مازالت على حالها رغم تعرضها للتخريب ورغم بعد الفترات الزمنية، وهناك أبواب حجرية موجودة في كثير من القرى مثل منطقة "العانات" و"عريقة"».
المهندس "وسيم الشعراني" مدير دائرة الآثار في "السويداء" تحدث لموقعنا عن الصفات الجيولوجية والمناخية لمنطقة "اللجاة" بالقول: «منطقة "اللجاة" هي عبارة عن هضبة بازلتية لها شكل مثلث طول ضلعه 30 كم، بحيث تميزت السهول المحيطة بها بخصوبتها فضلاً عن صفاتها الجيولوجية الخاصة، فهي ناتجة عن انصباب الحمم البركانية حديثة (الهولسن) متفسخة، لكل نتوء طبوغرافي من 5 حتى 15م بالمقارنة مع السهل، لتشكل طبوغرافيا كثيرة الحركة أو متعاقبة، هذه البروزات الظاهرة تعيق التحركات التي ارتبطت دائماً بالدروب الحصوية والتعرجات بين الهضاب، لذلك فإن إمكانية معاينة المواقع تصبح صعبة، لم تنسكب الحمم البركانية بطريقة متجانسة لتصبح إمكانية الكشف عن الطبقات الجيولوجية القديمة (البليوسن) بعدة مناطق ممكنة، تشكل مجموعة من هذه المناطق سلسة أحواض حيث إن أرضيتها مخربة تتخللها رسوبيات بشكل واسع».
أما بالنسبة للصفات المناخية والهيدرولوجية يقول: «تقدر كميات الأمطار السنوية بمعدل 250 م حيث تمتد هذه النسبة على طول الحدود الغربية للمنطقة، لذلك تتوضع منطقة "اللجاة" تحت عتبة الجفاف وعلى حدود الزراعة الجافة، أما المصادر المائية فلا يجتاز منطقة اللجاة أي مصدر مائي طبيعي، ومع ذلك يحاذي حدود هذه المنطقة الشرقية والجنوبية وديان تغذيها مصادر مائية تنحدر من الجنوب الشرقي، من "جبل العرب"، "كوادي أبو الذهب" إلى الجنوب ووادي "اللوا" إلى الشرق، والى الغرب هناك "وادي الخير" المنحدر من هضبة "الجولان" الذي يمس الحافة الغربية للجاة، لينحرف فجأة نحو الجنوب الغربي ليصب في نهر "اليرموك"».
وعن الغطاء النباتي المتميز والمتنوع للمنطقة، أضاف: «إن تنظيم هذه الشروط الجيولوجية والمناخية قادت إلى غطاء نباتي نادر في الوقت الحالي على الأقل، إذ عرفت عدة مناطق فيها غطاء نباتي مبعثر بين البلوط القرمزي واللوز والفستق بالإضافة إلى الخوخ، مع أن الغطاء النباتي الأكثر انتشاراً كان عبارة عن شجيرات منتشرة، في حين أن دلالات مختلفة تسمح لنا أحياناً بتخيل غطاء نباتي كثيف في العصور القديمة، إلا أنها عانت من عمليات القطع خلال الفترات الرومانية والفترات العثمانية، ومن جهة أخرى استغلت كعلف للحيوانات، أو أنها تعرضت لعمليات التعرية بسبب الرياح.
النباتات المنقولة من قبل الإنسان كانت نادرة، حيث زرع السكان الحاليون ضمن العديد من التشققات الصغيرة في السهول المجاورة، عبارة عن أشجار مثمرة كالتين والرومان والزيتون، بإلاضافة إلى تربية الحيوانات باستخدام زرائب مبنية من جدران صغيرة من الحجارة وكانت زراعة الحبوب والخضراوات هي السائدة آنذاك.
من جهة أخرى أظهرت مجموعة المسوح الأثرية أن هذه المنطقة عرفت عدة ينابيع، وآبار، ومستنقعات تفيض خلال فترة الشتاء، ويمكن أن ننسبها إلى طبيعة النظام المائي الخاص للمناطق ذات الحجارة البازلتية».
الآنسة "ريمة شلغين" من قرية "صميد" التي تسمى "قلب اللجاة"، مهتمة بدراسة نباتات المنطقة وما تحويه من كنوز، حيث قالت لموقعنا: «نحن كبرنا بين أحضان "اللجاة" التي هي المكان الوحيد لنزهاتنا في فصل الربيع، يتحدث آباؤنا دائماً عن كنوزها الطبية النادرة وعن أعشابها التي تعتبر الأنقى والأكثر نفعاً على مستوى العالم وهذا ما أثبتته دراسات عديدة أجريت عليها، وهي غنية وأنواعها متعددة وهي تستخدم في علاجات الطب البديل وفي صناعة الكثير من الأدوية، دائماً نرافق أمهاتنا إلى "اللجاة" لجمع الأعشاب والنباتات وتجفيفها واستخدامها كبهارات تضاف إلى الطبخ، ومنها ما يستخدم كنوع من الزهورات لمعالجة الزكام والرشح وآلام السعال وغيرها من الأمراض، ومن الأنواع المعروفة "البابونج" و"الزعتر البري" و"قرص العنة" و"الهندباء" و"شقائق النعمان" و"العوينة" ومنها أيضاً "الخلة" والتي تحوي مادة "الخلين"، و"اللوف" و"الزيط"، ومن الأعشاب الحولية: "القطرب" و"الجيلة" و"الدردار" و"المدادة" وغيرها الكثير .. الكثير من النباتات غير المعروفة أسماؤها أو فوائدها، ومن الحوليات المفيدة للإنسان: "الرشاد" و"الخبيزة" و"الكمأة" و"العكوب".
بالإضافة إلى الأشجار والشجيرات الحراجية والحيوانات التي تجد بين صخورها الملجأ الآمن لإقامتها».
الجدير ذكره أن هناك جهوداً حثيثة وكثيرة بذلت للحفاظ على منطقة "اللجاة" حيث تم إعلانها محمية حراجية طبيعية بقرار صادر عن وزير الزراعة والإصلاح الزراعي حيث حددت المساحة 2000 هكتار، وحددت حدودها الأربعة وقسمت إلى ثلاث مناطق: منطقة النواة ومنطقة وقاية والمنطقة التشاركية، وبقي الأمر حتى عام 2008 حيث شكلت وزارة البيئة لجنة لجمع كافة المعلومات المتعلقة بموقع المحمية ومحيطها والمطلوبة من قبل الخبراء الدوليين، وبعد عمل استمر ستة أشهر، أثمرت الجهود أخيراً بإعلانها من قبل اليونسكو المحمية الأولى في سورية كمحمية إنسان وتنوع حيوي بتاريخ 10/2/2009 .