الدراسات الهامة التي قامت بها البعثة السورية- الفرنسية بين عامي 2000-2005 لآثار الهبارية والأمباشي لم تقدم إجابات لجميع الأسئلة...
التي طالما أثارها موقعان، اشتهرا قبل حوالي150سنة، بطبقة البازلت المنصهر والعظام المختلطة بها والمشوية لدرجة التبلور، وبوجود كتلة عظمية هائلة (700 – 800 متر مكعب) متكلسة ومحروقة، عائدة لعشرات الآلاف من الحيوانات، وبطراز غير مألوف للأبنية.. ومنذ الدراسة التي قام بها الأستاذان الفرنسيان دوبرترية ودونان بمشاركة الدكتور عدنان بني في عام 1957 ونشرت قبل حوالي 20 عاماً، وحتى اليوم، يبدو أن كثيراً من الأسئلة الغامضة لا تزال تشغل اهتمام الباحثين والعلماء؟!
السيل البركاني
اكتشف الموقع لأول مرة عام 1857 على يد سيريل- س غراهام ونوه إليه القنصل البروسي في دمشق ج. س وتزستين ومر به الكونت دوفوغييه ورينيه دوسو وماكلير، واعتقد السيد هربيت (أول من أورد ملاحظات واضحة عن الموضوع) بأن سيلان الكراع فاجأ الحيونات على حين غرة وأن الثلمة البازلتية العظمية هي طبيعية، واستنتج من عظام الحيونات المغيبة في المهل البركاني أن السيلان جرى في دور الهولوسين، بينما اعتقد السيد ل دوبرتريه إثر زيارته المكان عام 1928 أن الثلمة البازلتية العظمية هي من صنع الإنسان، وأظهرت دراسة أكاديمية العلوم في باريس عام 1933، أن الموقع الذي تغطيه رجوم من المهل البركاني تتركز في آخر الفرع الشمالي للسيلان، على ضفة واد يتجه من الشرق إلى الغرب، يقع في منطقة شهدت نشاطات بركانية في الدور الرابع الطبقي واستمرت حتى دور الميوسين، وأن الخرائب تقع فوق واحد من أحدث هذه السيلانات، ويمكن تمييز: قناة وسداً وسوراً ومساكن وقبوراً تتوسطها كتلة العظام، ويقطع الوادي سد في الطرف الشرقي من القسم الرئيسي من الخرائب، كان يستخدم لحبس مياه الأمطار، وهناك قناة تجلب الماء من القاع الشمالي الغربي، وتدل أكوام الحجارة على مواقع أبراج السور وفي الشمال والشمال الغربي كان الوادي يشكل عقبة طبيعية، ومع ذلك هناك الأبراج والقبور في الجهة الجنوبية خارج السور وهي كتل مربعة من الحجارة ترتفع من متر إلى مترين، ومؤلفة من بلاطات كبيرة ومتوازنة وتسدها بلاطتان كبيرتان وكلها فارغة، لعلها نهبت منذ القدم، والمساكن كلها قائمة الزوايا، جدرانها من كتل المهل البركاني، التي لا يربطها شيء، لها باب واحد مغطاة ببلاطات ضخمة تستند إلى الجدران وإلى عضادة مركزية أو اثنتين متعاقبتين طولانياً، وهناك في بعض الأماكن عقوداً تحمل بلاطات السقف، وارتفاع هذه الأبنية الغريبة لا يتجاوز 130سم.
وبحسب فرانك بريمر في دراسته المنشورة في مجلة الحوليات يضم الموقع قرابة 100 وحدة معمارية تختلف من حيث الأسلوب وترجع إلى عدة عصور من العصر الحجري النحاسي حتى عصر البرونز الوسيط، أن تاريخ بناء المساكن نهاية البرونز القديم الرابع وما يميزها عن مباني اللجاة أسلوب البناء ذي الطابقين المتراكبين.
نفايات الصناعة
وكانت البعثة الفرنسية عام 1933 توصلت إلى أن طبقة الرماد المختلط ببقايا النباتية لا يمكن أن تكون نفاية احتراق موقد، كلس العظام وميع البازلت، لأن ذلك يتطلب درجة حرارة بين 1200 –1400 درجة، كما ليس هناك أثر لكير، وجدران النخاريب ليس فيها أثر يدل على تعرضها للحرارة العالية، ووصفت كتلة العظام المتكلسة والمحروقة، بأنها ترتفع إلى مترين وأنه يخيل للناظر أنها نفايات الصناعة، وأن هذا القطيع الهائل من الحيوانات كومت وهي مجردة من لحومها، داحظة نظرية القطعان التي فاجأها السيل البركاني، وقد تبين من الدراسات المخبرية للعظام في مدينة ليون أنها عظام أربعة أنواع هي: الثور البدائي البري أو الأهلي وقد أهل عند قيام الإمبراطورية البابلية، وهو من حيوانات الدور الرابع، وأكد الباحثون الفرنسيون أن حيوانات الأمباشي هي من الحيوانات المؤهلة، وأن بعضها لا يزال موجوداً في المنطقة، كالماعز والخراف والأبقار.
فحص العظام
ورأى مدير مخابر الكيمياء التطبيقية في السوربون عند فحص العظام بأشعة إكس عام 1951 أن النماذج الموجودة عانت حرارة معادلة لدرجة تمييع البازلت وقدر عمرها بنتيجة فحصها بالفحم بـ 4075عاماً.
وأثارت نظرية استخدام العظام للصناعة، الاستغراب إذ كيف يمكن الحصول على درجة 1200 ولمدة طويلة، في منطقة تخلو من الوقود، علماً أنه ليس هناك ما يدل على ذلك، فلا وجود للكير، فهذه العظام وجدت مكتنفة بطبقة من الجص البازلتي على عمق 32سم!
الجديد في الموقع
لاحظت البعثة السورية- الفرنسية مؤخراً، وجود 6 أشكال مختلفة للتجمعات السكنية، تعكس تصورات متنوعة لأسلوب الحياة اليومية للسكان، وخلصت إلى أن خربة الأمباشي عائدة لفترة الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد، وفيها يمكن ملاحظة مدينة ذات سور في البرونز القديم الثاني والثالث، وأن المنشآت ذات العظام هي أفران مبنية بواسطة جدران عمودية، أما انصهار البازلت فهو أمر استثنائي وتفسره بأن الانصهار، تم لحجارة الجدار الذي يفصل بين الأفران المتراصة، في نقطة معينة، لوجود المادة المنصهرة بارتفاع متر، واستنتجت أن الموقع كان مركزاً لاستقرار للمجموعات البشرية المختلفة خلال ألفي سنة، وشهد مراحل متعددة من الاستقرار في ذات الموقع لا يعرف سببه وصل ذروته في البرونز القديم وعلى مدى 500 سنة حيث يمكن التعرف على تنوع في أنماط الحياة والبقاء المعاصرة والمدهشة تماماً، ويغطي الموقع مساحة 4كم مربع، وهي عبارة عن عشر منشآت مبنية بشكل متلاحق تميز الفترات الثماني من الإعمار الثابت للموقع.
قبور جماعية
وآثار وجود 1500 قبر جماعي يضم الواحد منها بين 2-7 أشخاص ألغازاً جديدة إذ لا يعرف ما إذا كانت قبوراً عائلية، تعود للسكان الدائمين أم للجماعات المتنقلة، ويرجح أن المجموعة الأولى من العمارة الضخمة، المؤلفة في الأمباشي، تطلبت جهود عدد كبير من السكان ولفترات طويلة تلبية لحاجة كان يعتقد أنها أساسية، ويمكن أن يمثل وظيفة سياسية بحتة، تتمثل بالجاه والمكانة، بحيث يظهر بضخامته عظمة ما ينغلق عليه أكان مدينة أو قصراً، وربما يكون له وظيفة اجتماعية دينية، بحيث لا تجتمع هذه الجماعة في المكان إلا في فترة معينة من السنة، وقد كان الماء يؤمن لسقاية الناس والماشية، فتم تشييد الخزان الكبير في الوادي خلال نفس الفترة التي شيد فيها السور، وأن البناء الميغاليثي (المبني بحجارة ضخمة) داخل السور فريد من نوعه، واقترن لاحقاً بمنجم العظام، مركز لطقوس دينية في النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، وأنه كان يتم استهلاك اللحوم وحرق العظام وترميدها بدرجة حرارة عالية وهذا المنجم مشابه لمنجم العظام في الهيبارية على بعد 7 كم من الموقع ووفقاً لهذه النظرية فإنها سمة دينية واجتماعية متشابهة في الموقعين.
حماية الموقع وتأهيله
نؤكد أهمية حماية الموقع والحفاظ عليه ضمن محيطه البيئي المميز على تخوم البادية.. وتأهيله للسياحة البيئية والتاريخية نظراً لفرادته وغناه بالمعطيات العلمية والتاريخية، ما يتطلب وضعه في حماية الجهات المختصة، كمديريتي الآثار والسياحة، والعمل على استعادة ما نهب من حجارته الفريدة وقد امتزجت بعظام كائنات كانت تعيش في الموقع قبل قرابة 4000 عام.