افتتح في 22 من كانون الثاني /2009/ بغاليري "مصطفى علي" للفنون الجميلة "بدمشق"، معرضاً شخصياً للفنان التشكيلي السوري المغترب "مصطفى ناصر"، عرض خلاله ما يزيد عن /15/ عملاً فنياً معاصراً من القياسات المتوسطة والكبيرة.
أما المعرض المقرر انتهاءه في /7/ "شباط" القادم، فقد تقاطعت موضوعاته مع حداثة النهج المعروف في أسس ومذاهب الفن "الواقعية والتعبيرية والرمزية والانطباعية والتجريدية".. فالفنان لم يلجأ في لوحته إلى التقليد أو المسار التشكيلي الجاهز كما يفعل البعض، وإنما حول مخزونه البصري وأبعاده الفكرية المكتسبة من رحلاته إلى العالم وتجواله بين الشعوب.. إلى عمل تشكيلي فطري بحت، تحكمه صدقية المشهد وعفوية الشكل، والرغبة الجامحة في نقل المجهول عن الفكر المحلي إلى حيز التفكير والاهتمام، فيرينا عبره بعضاً من مواقف وأحداث وصور وشخصيات مرّ بها أثناء تجواله بين "أميركا وأفريقيا وإيطاليا".
تميزت أعمال الفنان "مصطفى ناصر" بسمتي التشويق والمتعة.. إنه يبحث وسط الرموز والإشارات عن شيء مجهول، ربما يكون ماض عاشه في طفولته أو موهبة تحثه على الاكتشاف والتصوير، كلٌّ منا يرى لوحاته حسب ميوله الفني
أثار البحر جانباً كبيراً من اهتمام الفنان "ناصر" لكونه عمل قبطاناً بحرياً لما يزيد عن /25/ عاماً، فوظف حسّه المشبع بالنضوج وتوقه البصري إلى الجديد في تحديد مساراته الفكرية وقولبتها في عمل تشكيلي مبسط، يحمل الرموز ولمسات التجريد وبعض الألوان المركبة والمتناقضة، فيشدك عند تأمله إلى عوالم الطفولة أكثر من عقلانية الشكل المستند إلى دراسة وبعد ومذهب معين.
كان لموقع eSyria حواراً مقتضباً مع الفنان "مصطفى ناصر"، حول معرضه وأسلوبه الذي يجرد به شخوصه وموضوعاته.. في البداية يقول: «عملت لزمن طويل قبطاناً بحرياً، فزرت أماكن مختلفة من العالم، وشهدت حضارات متنوعة وثقافات غريبة، احتككت معهم، تعلمت منهم وقدمت من علمي ما أستطيع، عايشت أجواءهم وتعرفت إلى مناخاتهم.. وأعجبت بفنونهم وطرائقهم في العيش.. هذه الملامسة والمشاهدات بعيدة عن واقعنا الحياتي لذلك نحن نجهل منها الكثير».
ويضيف: «تأثرت خلال تجوالي بالفن التجريدي والرمزي، زرت "إيطاليا" فأعجبني الفنان "روزان موزيك" في تجريده وتبسيطه للإنسان، وفي "أميركا" دهشت بالفنان "ميشيل بيسكي" وخاصة عند رؤية أعماله.. إنه يرسم بفطريته وعفويته، ولوحته قريبة جداً من أسلوبي في التشكيل»
وحول الردود النقدية التي واجهت معرضه يقول: «أنا أرسم الفن لأجل الفن، والعملية الإبداعية تحتاج إلى قناعة ومبادرة وتجريب، وإلا فتتها النقد ورماها جانباً، ومعرضي ألحق به الكثير من الآراء النقدية الإيجابية والحادة، لكني قانع بما أفعل وراض عن تجربتي وأسلوبي، وسعيي إلى تحسينه وتطويره».
ويضيف: «جمعت هذه التجربة مشاهدات من أماكن مختلفة، عملت على تحويرها وتبسيطها، مستخدماً إيكريليك وألواناً زيتية ومواد أخرى.. وكل لوحة تهدف إلى قصة ومضمون مخبأ بين رموزها، سوف نرى ملامسة من الحياة في "أفريقيا" مثل سوق السمك في "لومي"، أو نتعمق بشخصية الإنسان الغربي الحديث ومجريات واقعه، وفي جانب آخر نجد البحر والباخرة بين أمواج تتداخل بهدوء، كما لو أنها تشكيل كلاسيكي، وغيرها الكثير من موضوعات استأهلت اهتمامي وبحثي».
جسر ثقافي من المودة والوئام
وخلال الافتتاح أجرى موقع eSyria محاورات قصيرة مع الشخصيات التي زارت المعرض، حول انطباعهم ورأيهم بما شاهدوه، والبداية كانت مع عقيلته السيدة "هدى شعار" التي تقول: «تميزت أعمال الفنان "مصطفى ناصر" بسمتي التشويق والمتعة.. إنه يبحث وسط الرموز والإشارات عن شيء مجهول، ربما يكون ماض عاشه في طفولته أو موهبة تحثه على الاكتشاف والتصوير، كلٌّ منا يرى لوحاته حسب ميوله الفني».
وتضيف: «تأثر الفنان "ناصر" بالبحر لكونه عمل قبطاناً لأكثر من 25 عاماً، ونهل من ثقافات الشعوب التي زارها، وعرف بمتابعته الجيدة للمعارض والأنشطة التي يقيمها الفنانين في العالم، وكان مشتركاً بمجالات أوروبية فنية وثقافية.. لم يكن لديه وقتاً يهدره إما يقرأ أو يتحاور أو يرسم».
أما النحات السوري "مهيار علي" فيقول: «المعرض عبارة عن لوحة بانورامية متكاملة، يقدم فيها الفنان "مصطفى ناصر" التجارب الحياتية التي مرّ بها في مغتربه، ويرينا مدى تأثره بالبحر والإنسان، الرموز التي يشكل بها لوحته وتفاصيل العناصر الفطرية التي يجمعها كإشارات لإيضاح المحتوى، جميعها أفصحت عما في داخله، وأظهرت مبدعاً جريئاً أثبت قناعته ومكانته باستمرار التجربة والعرض، حتى أننا نجد توقيعه على اللوحة بل نراه عنصراً مكملاً فيها، له تكوين ولون وليس كتفصيل جزئي للتعريف فقط».
وتقول العازفة الإيطالية "ماريا كيارى": «يلجأ الفنان عبر تشكيلاته الحداثية إلى صنع جسر مديد من الوئام والمودة بين الدول التي زارها وبلده، إنه يعبر عن فكر معاصر يجمع ثقافات الشعوب والحضارات المتنوعة في صيغ تشاركية لها تحفزنا إلى الأخذ والفائدة».
في سطور
ولد "مصطفى ناصر" "بطرطوس" عام 1952، درس الفن دراسة خاصة، أقام معرضه الأول في كلية الفلسفة في "أثينا ـ اليونان"، وفي العام 1967 أقام معرضاً في المركز الثقافي الإسباني "بدمشق"، ومعرض ثالث في المركز الثقافي الفرنسي، ومعرض في فندق "الشام ـ حلب"، والمعرض الأخير كان في العام 2005 بصالة "مصطفى علي" للفنون الجميلة.