«يحاول كل منا الإجابة عن أسئلة الوجود بطريقته الخاصة، والفن دائماً وبكل طرقه التعبيرية أحد أهم الطرق التي يجيب بها الإنسان عن أسئلة وجوده، ولأنه كذلك يستدعي الفن تلك الأسئلة مزوداً بتاريخ طويل من التجربة العيانية والمشهدية، والفنان "غيفارا ابراهيم" يحاول الإجابة بطريقته الخاصة عن تلك الأسئلة»، هذه هي الفكرة التي استخلصها الناقد والفنان التشكيلي اللبناني "أحمد أبو أسعد" في معرض تعليقه على اشتغالات الفنان "غيفارا ابراهيم".
من جهته الفنان التشكيلي والنحات "محمد بعجانو" أضاف تعليقاً على لوحات الفنان أن لعبة الظل التي يمارسها توضح الجهد المبذول في إنجاز اللوحات وتوضح عمق الفكرة التي يشتغل عليها.
على هامش استعداداته لمعرض جديد سيقام في خريف دمشق القادم كان لنا هذا الحوار معه:
** أرسم لأني أجد الحياة أجمل عندما أرسم وأشعر بأن لها معنى مختلفا، وربما هي تجربة الخلق التي شغلت العقل البشري مذ كان طفلاً يبحث عن أجوبة لأسئلةٍ مازالت تحضر كل شخص على هذه الأرض، هذه التجربة تدفع بي نحو الأبيض لأرسم عليه مكرراً بذلك فعل إنسان العصر الحجري عندما كان يرسم حيواناته الطوطمية على جدران الكهف، عندها يلامس روحي همس خفي يأتي من أعماق التاريخ... عليك بالاستمرار كي تبقى روحك محلَّقةً في فضاءات متعددة. وفي نفس اللحظة لا أريد أن أترك هذه الأرض تاركاً ورائي مجرد شاهدة قبر.
** في إجابتي عن هذا السؤال... أنا أشبه بصانع خمر ذهب إلى الكروم ليقطف من كل دالية عنقودأ واحداً ليصنع خمرته الخاصة. ومن خلال دراسة تاريخ الفن تجد أن المدارس الفنية أتت كانعكاس لثقافة معينة كانت سائدة في زمنها أو قبله وبعضها الآخر جاء كرد فعل على سابقه لذلك أجد أن لكل زمن مراياه الخاصة. وقد يمضي الفنان عمره في البحث دون أن يجد ما يعبر عنه في ضوء المدارس المتلاحقة على التاريخ وخاصة إذا كانت روحه محلقة حرة في فضاء الزمن فيكون هو.... غيره في كل لوحة جديدة.
** إذا لم يكن هناك فكرة بعينها أريد أن أقدمها للمتلقي، أترك لروحي حرية أن تستمع إلى موسيقا الكون لتعكس هذه النغمات على بياض اللوحة معتمداً في ذلك على مخزوني الزماني والمكاني والفكري والبصري والحياتي.
** في هذه الحالة الموضوع هو من يفرض حضوره على اللًون، أما فيما يتعلق بتوزيع اللون فيجب أن يكون هناك انسجام في موسيقا اللوحة بحيث لا يتم إقحام أي لون في اللوحة بحيث يؤدي ذلك إلى نفور العين وابتعادها عن اللوحة، ثم يأتي موضوع النور الساقط على الموضوع ودرجاته وانعكاساته مع الظل ودرجاته وهذا بحد ذاته يحتاج إلى الكثير من التجربة التي لا يمكن تلخيصها في بضعة أسطر.
أما هل من الضروري أن يكون هناك موضوع في اللوحة؟ فهناك الكثير من الآراء حول هذه النقطة، فمنهم من يرى أن الموضوع لا يشكل أهمية في العمل الإبداعي ومنهم من يراه أساسياً. ولكن مهما قيل يبقى الموضوع والفكرة هما السبب في استمرار أعمال دون سواها، وأنت عندما تنظر إلى لوحة الحرية تقود الشعوب لـ (دولوكروا) أو العشاء الأخير لـ (ليوناردو دافنشي) أو لوحات (سلفادور دالي) أو غيره تشعر بأن الزمن لا يمر على هذه الأعمال كما أن هناك أعمالا وصلت إلينا من العصر السومري والفينيقي والمصري ومازالت رغم كل الزمن تسلب ألباب كل من يقفون أمامها وبالمقابل هناك أعمال تموت لحظة ولادتها.
** المتلقي هو الجزء المكمل للعمل الإبداعي من جانب ومن جانب آخر يميل الإنسان وبفطرته للتعبير عن طريق الرسم وهو أول طرق الاتصال بالواقع والحياة وحتى الحروف التي نكتب بها كانت في بداياتها صوراً لذلك ومن هذا المنطلق أرى أن كل إنسان يحمل في داخله فناناً لم تشأ الأقدار له أن ينتج أعمالاً فردية فنحن عندما ننظر إلى الفلاح في الجبال نعجب كيف استطاع مع غيره ودون دراية أن ينتج هذه الجماليات على مدى آلاف السنين وقس على ذلك. إنهم فنانون ولكن من طراز مختلف ولكن أمام العمل الفني سواء كان رسماً نحتاً موسيقا قد يجد المتلقي نفسه غريباً عن هذه العوالم وهو فيها فما عليك عندها إلاّ أن توقظ ذاك الفنان الكامن في أعماقه ليعود من غربته مبتسماً لك...
** مر على الساحل السوري ما لم يمر على غيره من بقاع الأرض من حضارات وكل ترك بصمته وغادر بحكم الزمن.. وأنا ابن هذا الساحل تنفست هواء البحر الأبيض المتوسط الذي نقل سفن فينيقيا إلى آخر المعمورة وعانقت حجارة أوغاريت وقلاع الجبال محاوراً اليد والعقل الذي أنتج كل هذا الإبداع على مر الزمن... ونحن عندما ننطلق من المحلية في سورية فذاك يعني أننا ننطلق من ذاكرة تختزن آلاف السنين لذلك لابد أن يجد كل إنسان على امتداد العالم شيئاً من الروحانية التي تلامس قلبه في إنتاج هذه الذاكرة.
وفي الشق الثاني من السؤال... فأنا عندما أنطلق من وحدة الفكر الإنساني فذاك لأني لا أجد فرقا بين العقل الجمعي الذي بنى أهرامات مصر أو ذاك الذي بنى معابد الهند أو الأهرامات ومعابد الآنكا والمايا والآزتك.
** قال أندريه بارو مدير متحف اللوفر في فرنسا سابقا: (على كل إنسان متمدن في العالم أن يقول لي وطنان: وطني الذي أعيش فيه وسورية)، نحن عندما نقول فن تشكيلي سوري وبما فيه الفن في العراق ومصر فإننا نتحدث عن ذاكرة زمنية امتدت آلاف السنين منذ أن صنع أول إنسان في سومر أول آنية فخارية إلى الصباغ القرمزي الذي اشتهر فيه كنعانيو الساحل وحتى الآن.
ولذلك فالفنان في سورية يحمل بحكم جغرافية المكان والزمان هذا الموروث الجميل ويعطيه للآخر بكل ما يحمله من قيم، ومن النادر أن نزور متحفاً عالمياً ولا نجد فيه شيئاً من سورية، فالفن في سورية خلق عالمياً.
من الجدير بالذكر أن الفنان "غيفارا ابراهيم" من مواليد مدينة بانياس- "بستان الحمام" 1979 تعلم الفن بشكل فردي وأقام خمسة معارض فردية في جامعة تشرين (بين عامي 2001 -2008) وشارك بعدة معارض جماعية في جامعة تشرين وثقافي بانياس وطرطوس واللاذقية ويعمل ويقيم حالياً في القرداحة- اللاذقية.