إن الرؤى الفنية والحرفية الإبداعية لقراءة ما تمتلكه الطبيعة من كنوز وجمال وإبداع تكشفت عند المصور الضوئي "محمد ستيته" بما يمتلكه من قدرة على محاكاة الأفكار والجمال في مكامنه الخفية وعدسه متطورة مكنته من الغوص في انعكاسات لونية وشخوص طبيعية استطاع قراءتها والتقاطها بشكل مغاير لواقعها، فأضفى عليها رونقاً وسحراً أذهل متلقيها بهذه العدسة.
موقع eSyria التقى المصور الضوئي "محمد ستيته" بتاريخ "4/6/2011" وأجرى معه الحوار التالي:
إن الإيقاع في الصورة قضية مهمة في التصوير، فهو يقوي محتوى التكوين فيها، ويخلق حالة من الانسجام تعبث بروتين الصورة الطبيعي، فتتكشف عنها الأسرار التي لا يمكن تكرارها، وهذا ما أتقنه المصور "محمد" بخبرته
** إن الذكريات التي تختزن لدينا هي في اغلب الأحيان هي عبارة عن صور متتالية غائرة بين طيات الذاكرة، تخرج إلينا بمعادلات طريفة وعفوية، وأحياناً غير واعية، لتشكل تقاطعات مع الواقع الذي نعيش فيه، فإدراك تلك الصور أو الذكريات هي تاريخنا وماضينا ووجودنا، ومجال البحث في هذا المجال يعتبر بحثاً في عالم النفس والكلام، فهذا المنحى عميق جداً وكثراً ما يكون بحثناً عن صورة غائرة في اللاوعي ونقف عاجزين عن إدراك ما الذي نبحث عنه، وغالباً هذه هي معركة بين ما هو مدرك وما هو غير مدرك.
** المشهد البصري يمكن أن يكون مؤلف من عناصر مختلفة، وعين المصور هي التي تبحث المشهد بالكامل، أو عناصر معينة منه، أو عنصر واحد فقط، فكثير ما نكون عدة مصورين بمنطقة معينة نأخذ جميعنا لقطات لنفس الهدف والنتيجة أن لكل مصور لقطات مختلفة عن الآخرين، وهنا تكمن حرفية المصور وخبرته وترجمته الدقيقة للمشهد البصري.
** عدستي هي جزء مني لا يستهويها إلا ما أريده، وإن وجد شيء في كاميراتي لم أراه وأفهمه بالعين المجردة كما في العدسة، أعاود الكرة من جديد لأفهم أكثر وأزيد من تقنيتي العملية.
** الصورة الضوئية هي اختصاصات، فمنها الصورة الصحفية التي تعنى بمواصفات معينة ضمن الموضوع، وهي بالمجمل كثيرة المصداقية لأنها إثبات لشيء ما، وصور الموضة "الأزياء" ولها موضوع مختلف تماماً وتوضيحه يحتاج لملم بهذا الاختصاص "الموضة" وتاريخها وتياراتها، أضف إلى ذلك صور الطبيعة والورود التي تحتاج إلى خبراء للتعرف والبحث في أنواعها وتوزعها، والصور التجريدية التي يمكن اعتبارها غامضة لأن البحث والتعمق فيها يحتاج إلى تمحيص وتركيب، والعودة ربما إلى ترجمة الإحساس الناجم عن رؤية الصورة.
** ملتقيات الفن بشكل عام شيء رائع وحوار منتج، وهي موعد لتبادل الخبرات ووجهات النظر والتعرف على أعمال الآخرين، والتصوير الضوئي هو جزء من ذلك، وإضافة إلى قراءة اللوحة بطرق تقنية حديثة وتجارب فردية غنية بالأفكار يدخلها نقاش حول طريق معالجة كل موضوع على حدا.
** بحسب رأيي إن الفن بشكل عام هو نخبوي وليس لكل الناس، وهذه النخبة ليست محددة بمال أو ثقافة أو فئة اجتماعية معينة، ولكنها للمهتمين بالفن، وهؤلاء المهتمين يمكن أن يكونوا أصحاب نفوذ أو مال أو مركز ثقل إعلامياً ومادياً، وخصوصاً أن التصوير الضوئي يحتاج إلى معدات دقيقة وذات جودة عالية، ويحتاج إلى وقت وتفرغ، وهذا يتطلب مالاً، فإن وصل المصور الضوئي إلى كل الناس فشيء جيد، ولكن مع الأسف لا يُبحث عنه.
** اعتقد أن الفن هو علاقة وثيقة بين الموهبة والتحصيل العلمي الأكاديمية والممارسة الدءوبة، وخصوصاً في مجال التصوير الضوئي، فالفن هو موهبة وقدرة على رؤية الأشياء من حولنا والمثابرة على البحث والتعمق في هذا المجال وكل ما يدور من حوله، إضافة إلى معرفة الكاميرا لأنها تحفة تقنية رائعة، ورغم سهولتها يجب أن نعرف كيف تعالج الضوء، وما هو مردود الظلال وكيف تكون المناطق ذات القيمة الضوئية العالية، وكيف تكون الألوان في كل وقت ومع تغير منابع الضوء، وكيف تكون الصورة وأبعادها، وفي المجمل يجب على المصور أن يثقف نفسه بتاريخ الفن ومعرفة إبداعات الفنانين الكبار من مصورين وتشكيليين.
** إن ما يهمني بالدرجة الأولى هو روعة المنظر فعندما ابدأ بالتصوير أركز على جماليات المنظر الذي أمامي وما هي نقاط القوة في موضوع الصورة وهل يهمني هذا؟ وهل الصورة هي للأرشيف؟ وهل يوجد رسالة في الصورة؟ وهل تحرك شيئا ما غير مدرك؟ وهذا ما أسمية تحليل فني للمنظر، ثم يأتي التحليل التقني ومعرفة ما نوعية الفيلم في الكاميرات القديمة؟ ما نوع العدسة؟ نوع الضوء واتجاهه؟ أما بالنسبة لمضمون الصورة فهو يتغير بشكل كبير عن الفكرة الأساسية التي انطلق منها الموضوع.
** نحن بعيدين كل البعد عن ذلك، فلا يوجد لدينا أي ثقافة سمعية بصرية حتى الآن والأحداث التي تمر بها "سورية" حالياً تثبت هذا، وذلك لأن أية لقطة تعرض للمشاهد ولو كانت لسماء تظهر فيها الغيوم فقط ويقولون أنها مظاهرة تصبح وثيقة يعترف بها، دون رؤية مقومات الفكرة المطروحة في أساسها، وهذه كانت ركيزة لمن اهتموا بثقافة الصورة وتنمية حسها ومتلقيها وتوظيفها، حيث اعتمدوا بداية على جهلنا في هذا الجانب، فالشخص المقتول في دولة "اليمن" يصبح بعد شهر من الزمن من قتلى "سورية"، لذلك أنا أطلب دائما أن ترى الناس ما يدور من حولها ولا أن تركب صور واهية، إننا نمتلك أجمل بلد في العالم فلماذا أكياس القمامة في كل الأماكن من انهار ووديان وبحيرات؟؟؟؟ لماذا لا نرى أنفسننا على حقيقتها ونطلب من المصورين معالجة تلك الصور؟؟؟؟
** إن الكاميرات العادية نوع أفلام لم يعد لها وجود في السوق العالمية، وحل مكانها الكاميرات الحديثة نوع الديجيتال التي يوجد منها ما هو تحفة اليكترونية، ولكنها لا تسمح للمصور خلال التعامل معها إلا بكبس الزر، وأنا لا أجيد التعامل بها، أما الكاميرات المتطورة التي تسمح للمصور بأن يكون صاحب حرية مطلقة في خياراته وتحكمه بمعايير الصورة فهي ما أحب أن أتعامل بها.
** هوية المصور تبدأ من المواضيع التي يعالجها، ومن اللقطات التي يحب أن يظهر فيها مواضيعه، فمعرفة وثقافة المصور تكون من خلال أعماله، وأنا أترك المجال للآخرين لكشف هويتي الفنية.
** إن هذا ما ابحث عنه على الدوام ولا أجد له جواباً شافياً، فالتقاط الصورة يعتمد على النظر وإن أهم وأكثر مستقبلاتنا من المحيط الخارجي يأتي عن طريقه، وأغلب المعلومات التي تسمح لنا بالتعامل مع محيطنا وهو سر بقائنا كجنس بشري على هذه الأرض أن للنظر دور كبير في تمتعنا بروعة المحيط الذي حولنا، لذلك تراني أركز على جمال المنظر و مضمون الموضوع ومتعة المشاركة مع الآخرين وعملية الأرشفة في التصوير.
** لحظة التقاط الصورة شرط هام في نجاح اللقطة، ويمكن أن تكون هذه اللحظة بأجزاء من الثانية، مثل سقوط نقطة ماء في حوض، أو شمس صباحية على جدار، أو فصل ربيعي، فتوقيت الزمن يختلف بحسب الموضوع، وهنالك لقطات لا يمكن إعادتها.
** إن ذلك صعب جدا فالمصور الضوئي يمكن أن يقرأ أو يترجم أحاسيسه بصور ضوئية لها مواضيعها وأفكارها الخاصة، ولكن من الصعب أن تسعفه الكلمات بالبوح؟
وفي لقاء مع المصور "مروان عبود" أقدم مصور في "طرطوس" تحدث عن حرفية الصورة عند المصور "محمد" فقال: «إن المصور "محمد" يتقن اختيار موضع الصورة وفق العناصر الأساسية لها، ومهارته في التقاط الصورة ضمن كافة الظروف المحيطة بها والانعكاسات اللونية التي ينتظرها ربما ساعات لتوحي بمضمون الفكرة تعطيه صفة المتعطش لفن التصوير الاحترافي».
ويتابع: «إن الإيقاع في الصورة قضية مهمة في التصوير، فهو يقوي محتوى التكوين فيها، ويخلق حالة من الانسجام تعبث بروتين الصورة الطبيعي، فتتكشف عنها الأسرار التي لا يمكن تكرارها، وهذا ما أتقنه المصور "محمد" بخبرته».
يشار إلى أن المصور الضوئي "محمد ستيته" من مواليد مدينة "طرطوس" عام /1966/ وله معرض تصوير ضوئي أقامه في "المركز الثقافي الروسي بدمشق" عام /2008/ بعنوان "انعكاسات مائية".