إن العمل الفني وفق الخط المستمر وخلقه لتراكيب لونية متباينة عند الفنان "محمد" هو تفريغ لشحنات داخلية أفرزتها هموم الذات.
فالفنان "محمد غسان العتال" وخلال حديثه لموقع eSyria بتاريخ "12/11/2011" أكد أن النهج الفني الذي يتبعه هو نهج وُصف بالسهل الممتنع، وهنا قال: «إن متلقي فن الأرابيسك والخط المستمر خاص جداً، لأنه يجلس مطولاً لقراءة العمل الفني، فبداية قراءة اللوحة أمر فيه شيء من الصعوبة، ولكن بعد التمعن بها والتقاط بداية الخط المستمر فيها تبدأ تفاصيلها بالتكشف والتوضح، وكأنها تحاكي متلقيها وترشده لما تحتويه من رمزية وواقعية بخطوط مستمرة ومنمنمات أرابيسك عربية إسلامية حضارية تعبيرية، طبعاً هذا ما أدركته من خلال المتلقين في المعارض، حيث أراهم شيئاً لافتاً للنظر في تمعنهم بها وقراءتهم المطولة لها، إضافة إلى قراءتهم لمواضيع في اللوحة وأفكار لم أقرأها من قبل فيها».
معرفتي بالفنان "محمد غسان العتال" من خلال أسلوبه الفني الذي يمتد بالصلة إلى التراث العربي، حيث إنه يستخدم الخط اللوني المستمر وبشكل متسلسل يمتد في اغلب موضوعاته إلى القضية الفلسطينية التي ينتمي إلى أرضها، فألوانه المتدرجة بين مختلف درجات اللون الواحد ومختلف الدرجات اللونية المتعددة متناغمة فيما بينها لتشكل سطحاً غرافيكياً يحاور المتلقي لساعات وساعات
** الفن بالنسبة لي هو إرضاء لنفسي وهواية أعيش فيها وتعيش بداخلي، وهذا ما دفعني لتطوير ملكاتي الفنية من خلال انتسابي لمعهد الفنان "أدهم اسماعيل" في محافظة "دمشق" لعدة سنوات ومطالعاتي لأغلب الكتب الثقافية الفنية، حيث تمخض في داخلي عشق الخط المستمر والمنمنمات "الأرابيسك"، فكان هذا العشق رؤية للمضمون القومي وهم القضية الفلسطينية التي أنتمي إلى أرضها، وأصبح العمل بها تفريغاً لشحنات تتولد في داخلي نتيجة لواقع معين أو حالة اجتماعية خاصة راهنة أو من الموروث الثقافي بعيداً عن تمضية الوقت، وإنما لخلق حالة أو موضوع يخدم النضال الخاص بنا كشعب مقدسي، وإظهار وحشية المعتدي، كما في لوحة "الشهيد" التي يتمخض منها ما هو غير مجسد على سطحها الغرافيكي وإنما من بين خطوطها وتباينات ألوانها، فوحشية العدو الصهيوني توضحها الألوان وتضادها مع بعضها.
** اللون رسالة فنية وجدانية وحالة اجتماعية يرتقي بها الفنان إلى مراحل مختلفة طلباً لإرضاء ذاته وبث الفرح من خلال هذا اللون، وقد ارتسم هذا في لوحاتي من خلال الخط المستمر ومنمنمات الأرابيسك العربي الإسلامي، فالخط يجوب في جميع أركان اللوحة ليدل على موضوع معين يجسده في تفاصيل التقائه مع بعضه بعضاً في نقاط خاصة جداً في اللوحة مكوّناً تقابلات التباين اللوني الذي انتهجه.
** بطبيعة الحال فن الأرابيسك هو فن الحركة الزُخرفية العربية الإسلامية، وهذا يعني أنه حامل للهموم العربية، وهو ما سهل عليَ فكرة توجيهه ليناسب أفكاري القومية المقاومة ويتداخل معها حتى أصبح في تكوينها الفيزيولوجي، فمواضيع المقاومة ومحاربة الصهاينة تاريخ حافل لا يمكن لأحد نكرانه.
** إن اختزال الشكل وربما تحطيمه أيضاً من اجل خلق تشكيلات جديدة هو ما يسمى مرحلة الدخول في حالة اللاوعي، فعندما أبدا بصياغة اللوحة التشكيلية أدخل بهذه الحالة فيتمخض عنها خطوط وتشكيلات لا أقدر على تشكليها في حالات الوعي، وعندما أعود إلى حالة الوعي أبدأ بتشذيب هذه الخطوط وانتزاع غير المواتية للفكرة منها، وتحديد المناسبة للموضوع، ليظهر معي فكرة لم أكن أقصدها في حالة اللاوعي، وبعد دراستها بشكل واع بكافة تفاصيلها تتجسد اللوحة بموضوعها الشمولي المناسب للعمل بشكل عام، لذلك أقول إن العمل هو نتاج مرحلة تكامل بين اللاوعي والوعي.
** ما يجول في فكري من موروث فكري وثقافي ناتج عن البيئة التي عشت فيها أو التي أنتمي إليها، فهو مخزون وصل إلى مرحلة التبلور والتجسيد على السطح الغرافيكي، فأغلب المواضيع التي أتعامل معها هي مخزون فكري لا يمكنني التعايش مع الفن لولاه.
وقد تجسد هذا في لوحاتي من خلال خط المقاومة والخط القومي الذي انتهجه في جميع لوحاتي والذي يزودني بالأفكار دائماً، فبه أعمل وله تتجسد الأفكار والرؤى، ففصول الاحتلال الإسرائيلي لا تغيب عن مخيلتي بكافة الأحوال والظروف، لما قدمته وتقدمه لنا من معاناة، فمثلاً في لوحة "مهر العروس" تجسيد لشخصين احدهما يودع والآخر يستقبل والرمزية في هذه اللوحة هي البندقية، فأغلب المقاومين يخرجون من منازلهم بوداع لا يعرفون إن كانوا سيعودون بعده.
** إن استمرارية الخط اللوني الوحداني وتلاقيه في بعض النقاط شكل مساحات لونية متضادة عبرت عن المزيد من الأمل وفق رمزية موضوعية تجريدية جريئة، لأنه خلال عملية التباين اللوني في اللوحة يحاول كل لون الظهور على حساب اللون الآخر، وهذا ما يعطي الاستمرارية والجرأة للخط لخلق مساحات تضاد إضافية موظفة بشكل موضوعي ضمن اللوحة من وجهة نظري، إضافة إلى أنه يخلق حالة من التحاور بين هذه الألوان، كما في لوحة "الشهيد" حيث يتحاور اللونان الأحمر والأخضر وكأنهما من جنس لوني واحد متدرج، حيث أوحيت لرمزية الشهيد بلون غامق كإبراز له.
** في مرحلة من المراحل لجأت إلى اللون البني المتدرج في درجاته المختلفة والمتنوعة، لأن الفترة كانت قاتمة ولا تتحمل المزيد من الألوان، ومع هذا تمكنت في مرحلة اللاوعي من وضع مساحة لونية صغيرة جداً يمكن للمتلقي قراءتها في لحظة معينة عند دخوله في خضم أسرارها وخفاياها وصولاً إلى الأمل الذي يعطيه الشهيد أو الجريح مثلاً ليوضح العدوان بكافة أشكاله وأنواعه، كما في لوحة "قانا" التي يمكن أن تكون أيضاً "غزة الجريحة" حيث حملت هذه اللوحة الهم العربي في فترة من الفترات أو في لحظاته الساخنة فقط.
** إن تغير الواقع والحياة الاجتماعية هو أساس التطوير وبلورة التجربة الفنية التي أعمل بها، حيث إني خضت تجربة المدرسة الانطباعية والواقعية وطالعت الكثير من الكتب الفنية وخاصة المتعلقة بفن المنمنمات، وكانت دراستي لها بشكل معمق وهو ما ساهم في نجاح العمل الفني لدي.
** جميع لوحاتي محفورة بأدق تفاصيلها في مخيلتي، فمراحل تأسيس كل منها ما يزال يجول في خاطري وكأنه سيظهر مرة أخرى، وهذا ما يجعلني أقرؤها بنفس الطريقة والفكرة الأساسية التي رسمت بها أول مرة، فهي انتمائي ونمطي العام الذي يقرؤني من خلاله جميع متلقي الفن التشكيلي.
** أنا راض عن اللوحة لحين الانتهاء منها فقط، وهذا يجعلني في بحث دائم وعدم رضا عما قدمته في الفن، فالبحث عن استمرارية الخط المستمر الذي أعمل عليه هو هاجس لأفكار وأعمال إضافية أخرى.
** بطبيعة الحال أنا ارسم دون وجود متلق في مخيلتي، لأن مرحلة اللاوعي التي أدخل بها خلال تكوين الخطوط العريضة للوحة لا يحضرني سوى مخزوني الفكري والثقافي ليساعدني على النهوض بالفكرة.
** إن مرحلة التباين اللوني التي أخذت من روح الخط المستمر وأعطتني الكثير من الجمالية للوحة وفق رؤى لونية متضاربة مشكلة الاستمرارية والأمل هي مرحلة، وإن التدرج اللوني وفق درجات اللون البني المختلفة ومناسبته للوضع الراهن في "سورية" والتأكيد من خلاله على التمسك بالأرض التي هي العرض هي مرحلة أخرى.
وفي لقاء مع الفنان الدكتور "ممدوح نابلسي" قال: «معرفتي بالفنان "محمد غسان العتال" من خلال أسلوبه الفني الذي يمتد بالصلة إلى التراث العربي، حيث إنه يستخدم الخط اللوني المستمر وبشكل متسلسل يمتد في اغلب موضوعاته إلى القضية الفلسطينية التي ينتمي إلى أرضها، فألوانه المتدرجة بين مختلف درجات اللون الواحد ومختلف الدرجات اللونية المتعددة متناغمة فيما بينها لتشكل سطحاً غرافيكياً يحاور المتلقي لساعات وساعات».
يشار إلى أن الفنان "محمد غسان العتال" فلسطيني مقيم في "طرطوس" شارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين واتحاد الفنانين التشكيليين الفسطينيين.