الفن عند التشكيلي "خليل أبو دياب" يعني بالنسبة إليه القدرة على الحركة، وإخراج الفنان من حالة ركود يعيشها إلى حالة حوار مباشر مع اللون وفق رؤى إبداعية خلاقة.
وفي لقاء مع الفنان لموقع eSyria بتاريخ "22/11/2011" كان الحديث التالي:
يعتبر "خليل" من التشكيليين الذين يملكون شيئا فنيا قيماً، ولكنه لم يظهره بعد بشكله الأمثل في الساحة الفنية، إذاً هذه القيمة الفنية غير واضحة المعالم بما يكفي لقراءتها وفق رؤى نقدية، ولكني متأكد من امتلاكه لخامة فنية متأصلة لديه منذ الطفولة، لأنه يحاول بين الحين والآخر إظهار غزارتها وتدفقها لديه وينجح بهذا بشكل رائع
** يعتبر ريف محافظة "طرطوس" من الأرياف الغنية جداً بالإيحاءات الطبيعية والمعطيات الإبداعية، فضمن حساسية معينة أجد فيه تصورات لرسوم كثيرة يمكن العمل عليها وفق قوالب معينة، فمثلاً المنازل الطينية في القرية ونتيجة للرطوبة تتقشر طينتها الترابية، وهذه القشور وخلال رؤيتي لها ومتابعتها توحي لي بأمور كثيرة وتخيلات لأفكار متعددة.
ومن هنا أقول إن بداياتي الفنية كانت حسية، فإحساسي بمحيطي الغني جعلني أمسك بيدي قلم الرصاص وأبدأ بالرسم العفوي، فبعد حصولي على الثانوية العامة عام /1967/ قررت دراسة الإخراج سينمائي، ولكن هذه الفكرة لم تلق استحسان والدي، فالتحقت بالجيش العربي السوري ولم أتوقف عن تعلقي بقلم الرصاص، حيث لصقت أوراقي على باب غرفتي الخاصة ووضعت ألواني في حقيبتي لتكون جاهزة حين الطلب. وبعد /36/ عاما من الخدمة في الجيش حملت في جعبتي مجموعة خبرات ضمن قطار الحياة، ففي قريتي الصغيرة "حصين البحر" جهزت أرضي لزراعتها واستثمارها بالشكل الأمثل، وفي إحدى مرات العمل صادفت كيسا من الخيش المصنوع من خيوط القنب فاستفزني بسطحه الخشن فأسسته وبدأت العمل عليه، وبمرور أصدقائي ورؤية ما تشكل على سطحه حفزوني على المتابعة والاستمرار، ومن هنا كانت بداية الانفعال والتفاعل مع المساحة البيضاء لأبدأ تحميلها إسقاطات عالمي الداخلي الخاص.
** استنتجت من خلال تجربتي الطويلة وخبرتي الكبيرة أن الثقافة هي عامل أساسي من عوامل الإبداع ضمن توظيفها بشكل منطقي، وإن لم يكن الفنان مثقف فهو غير قادر على عملية الإبداع، فالإبداع هو نتاج علاقة ارتباط وثيقة بين الثقافة والإحساس، ومن خلاله يمكن أن يحقق المبدع شيئاً وأن يثبت وجوده.
* كيف تقيم علاقتك بالفن؟
** أنا أطمح أن أعتبر فناناً، لأني أعتبر نفسي هاوياً، ولكن علاقتي بالفن هي استطراد للون الذي من خلاله استطعت الوصول للآخر "المتلقي"، فالفن بحد ذاته ضمن إطاره الإبداعي هو ولادة وتكامل مع الحياة، فأنا ضمن إطار إبداعي خلاق متجدد في كل لحظة أتعامل مع السطح الغرافيكي الأبيض وأعتبره سطحاً استفزازياً للعطاء، لأن اللوحة لا تكتمل ولا تنتهي وإنما ينتهي العمل بها ضمن لحظة معينة، لأنها جزء من الحياة فهي مرتسم لقرنية الحياة ككل ضمن إطارها التفاعلي.
** أنا عملت على اللون وعلاقته وارتباطه بالعامل النفسي عند الإنسان، ليتمكن المتلقي خلال وقوفه أمام اللوحة من إنشاء حوار حقيقي يشمل عدة أسئلة، أولها بماذا تفكر؟ ولماذا لا نفكر سوية؟ واطرح عليّ أسئلة لأجيبك عنها، وبالعكس.
** إن التنوع الموجود في البيئة أعطاني ثقافة معينة فيما يخص اللون وتفاعله مع الوسط، ولكن الثقافة هي التي تدخلني في تفاعل اللون مع النفس، والبحث هنا يكون ضمن تكنيك اللون وعلاقته مع النفس ضمن إطار ثقافي معين، والهاوي أو الفنان إن لم يقرأ عددا كبيرا من المطالعات المختلفة والمتنوعة لا يستطيع استخدام الريشة، لأنه توجد علاقة جدلية بين الهواية والتصوير بتماثله للواقع، وبين أنك تلون وتحاول أن تكون فناناً يستخدم الواقع في فكرة يريدها.
** الحوار مع اللون هو حوار هرموني، فليس من البساطة أن يجري الفنان حواره مع اللون في أي وقت يريده، فعندما يتواجد خلل في إفرازات هذا الهرمون نتيجة لحالة نفسية معينة، فإن هذا سينعكس على طبيعة العلاقات البينية والاجتماعية بينهما، لذلك أنا اعتقد أن الفنان يعمل وفق معادلة الهرمونيك اللوني، ضمن على سبيل المثال الموسيقا والاستعداد النفسي وصولاً إلى التفاعل اللوني والحوار معه خلال مرحلة إسقاطه على السطح الغرافيكي وتحويله من فكرة مرسومة في الذهن إلى مادة لونية تحاكي الواقع.
** أنا أختلف مع البعض في هذا التعبير، فالفن هو من تصنيف الناقد وليس الفنان، أي الفنان لا يمكن أن يصف نفسه بأنه من المدرسة التجريدية أو التكعيبية مثلاً، لأن الفن حينما يبدأ بالعمل يعمل بكل شيء وفق المعطيات التي تمليها عليه الأفكار، وهنا يكون دور الناقد عندما يتابع اللوحات ويقرؤها فيقول عن الفنان إنه ينتمي إلى المدرسة التجريدية مثلاً أو غيرها.
** الأكاديمية شرط جميل للعمل الفني ولكن الأجمل الخروج عنها، فأنا أرى أن أي عمل وفق رؤى أكاديمية يعطي العمل حالة من السكون، ومن المعروف أن حالة السكون هي حالة الموت، فالأكاديمية تعطي الخطوط الأساسية للعمل والالتزام بها تماماً ضمن العمل، وهذا يعني أن الفنان لم يغير شيئاً، أي وقف في مرحلة السكون، والأكاديمية تحتاج إلى الإبداع، وهذا ما حاولت العمل عليه من خلال الثقافة الفنية والمطالعة الفكرية والموروث الثقافي لتنمية قدراتي وتطوير مهاراتي.
** أنا ميال إلى الرسم المتحرك ويظهر هذا من خلال إيحاءات مادية أو لونية ضمن فكرة العمل والعمل بعد إنجازه، وذلك بحسب الفكرة الخاصة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالعمل.
** برأيي اللوحات التي لا تشارك في المعارض هي خربشات على الأوراق فقط، لأنها تبقى خاصة للفنان ولا يراها أحد، أما عندما تخرج اللوحة من المرسم إلى المعرض تكتسب شخصيتها المستقلة الحرة وتخرج من الفنان وتكتسب صفة اللوحة الفنية، وتصبح علاقتها المباشرة مع المتلقي والناقد، وهنا يكمن الفن الإبداعي.
** المرأة، هي ضمن تكوينها الهرموني عنصر أساسي في الحياة، وهي الكائن القادر على عملية الفعل الأساسية التي هي عملية إبداعية في هذه الحياة، لذلك هي الطاقات الكامنة في كل مكان حتى في لوحاتي، فتراها تنبعث ضمن خطوطها وألوانها كطاقة وقدرة على الفعل وليس كتجسيد شخصي لها ضمن الإطار الجمالي.
في لقاء مع التشكيلي "أحمد خليل" قال في رؤيته للخط الفني والشخصية الفنية التي يمتلكها الفنان "خليل أبو دياب": «يعتبر "خليل" من التشكيليين الذين يملكون شيئا فنيا قيماً، ولكنه لم يظهره بعد بشكله الأمثل في الساحة الفنية، إذاً هذه القيمة الفنية غير واضحة المعالم بما يكفي لقراءتها وفق رؤى نقدية، ولكني متأكد من امتلاكه لخامة فنية متأصلة لديه منذ الطفولة، لأنه يحاول بين الحين والآخر إظهار غزارتها وتدفقها لديه وينجح بهذا بشكل رائع».
يشار إلى أن الفنان "خليل أبو دياب" من مواليد عام /1948/ قرية "حصين البحر" التي تبعد عن مدينة "طرطوس" حوالي /15/ كيلومتراً.