هي فنانة بالفطرة والوراثة، صقلت موهبتها بجهود شخصية وعلى أسس علمية، مؤسسة لمشوار فني مستقبلي بعدما استقرت نفسياً وأسرياً.
فالفنانة "رويدا عبد الحميد" ابنة قرية "الشويهدات" التابعة لمدينة "الدريكيش" بدأت مشوارها الفني من بيئتها الريفية والطبيعة الجميلة فيها، فرسمتها بلوحات زيتية، ثم انتقلت إلى بناء خطها الفني على أسس علمية في مركز "مجيب داوود" للفنون التشكيلية، وهنا كان لموقع eSyria الحوار التالي معها
تمتلك "رويدا" انطلاقة جيدة واندفاعاً قوياً للوصول إلى مرتبة فنية ترضيها وتجسد طموحها، فهي مدركة لما تريده، لأنها تجيد استخدام الألوان الجريئة ضمن الخطوط الفنية المتعددة، رغم أن لديها التزاماتها الأسرية والوظيفية اليومية، وهذا ما يؤكد مثابرتها وتقدمها باتجاه تطوير أدواتها الفنية وحسن استخدامها لها
بتاريخ 8/12/2011:
** حبي للفن بدأ منذ طفولتي، وهذا الحب أشبعت به من خالي الفنان التشكيلي "أحمد حسين" المقيم في "حلب"، حيث كان في تلك الفترة يدرس في "كلية الفنون الجميلة" في "دمشق"، وكان يزورنا دائماً، وأتذكر أنه كان يلتقط بعض الصور لي ولإخوتي في أجواء الريف الطرطوسي ومن ثم يقوم برسمها بألوان تعشقها روحي، وحينها شعرت ببذرة الفن تتغلغل في أعماق فكري، رحت أرسم بعض المواضيع الفنية، منها البيت الريفي الذي تحيط به الأشجار والتلال، والبيوت الريفية التي تجري من تحتها الأنهار وتعلوها الجسور، فكنت أحب الجسور كثيراً.
عندما كنت في المرحلة الابتدائية لاحظ المعلمون حبي للرسم، وكانوا يعجبون دائماً برسوماتي ويشجعونني على الرسم، ولا أنسى عندما كنت في الصف السادس ورسمت حينها منظرا طبيعيا فيه قمة مرتفعة يعلوها بيت ريفي ينحدر من أسفل البيت نحو السهول طريق ترابي، وعلى هذا الطريق راعي أغنام يحمل بيده عصاه، وعندها أعجب الأستاذ بروعة المنظر وأخذ اللوحة إلى الإدارة ليريها للمعلمين الآخرين، وتلقيت الكثير من الثناء عليها، وهذا زاد من حبي للفن، وفي الصف العاشر شاركت بمسابقة للرسم في منطقة "الدريكيش" وكان الموضوع حول الطبيعة الصامتة، وكنت من الفائزين الأوائل، ثمّ رُشّح اسمي للمشاركة في مسابقة أخرى في مدينة "طرطوس" حول موضوع "القضية الفلسطينية" ففزت واختير اسمي لقضاء معسكر ترفيهي مدّته شهر، وكان المسؤول عنّا الفنان التشكيلي "أحمد خليل" وقد أعطانا هناك جميع الأدوات اللازمة للرسم، وعلّمنا بعض القواعد عن التظليل وكيفية مزج الألوان. بعدها توقفت عن الرسم حتى انتهيت من امتحان الشهادة الثانوية وعندها قررت أن أزور بيت جدّي في "لبنان" لأتعلم من خالي الثاني الفنان الشكيلي "مالك حسين"، لاستفيد من خبرته الفنية، فبدأ يعلمني طريقة مزج الألوان كما علّمني كيف أنظّف الريشة من كل آثار اللون السابق، وهكذا قررت تعلم كل فنون الرسم منه رغم أني درست في "معهد صحي" وبعدها تزوّجت وتوظفت، إلا أن ذلك لم يمنعني من متابعة حبي لهوايتي رغم ضغط العمل وتربية الأطفال، فتابعت دراسة تخصصية في مجال الرسم في مركز "مجيب داوود" .
** في القرن الثامن عشر بدأ الفن الكلاسيكي ثم تطور على يد بعض الفنانين إلى الكلاسيكية الجديدة، واستمر هذا الفن بالتطور مع تطور العصر، فكلما أتى جيل من الفنانين يأخذ الفن عن سابقيه ويحوله إلى شكل جديد ويظهر منه أسس جديدة، وهكذا أخذ الفن عدة أشكال وعدة اتجاهات، وهذا شيء جميل، فأنا أرى هذا التنوع يعطي الفن غنى وجمالا وموضوعية قريبة من المتلقي، فللفنانين أحاسيسهم وقدراتهم المختلفة عن بقية الناس، لذلك هو جاذب لهم، وكل فنان يجد نفسه في خط فني معّين، وللناس أذواقهم المختلفة أيضاً وهذا التنوع يرضي جميع الأذواق.
** إن الجرأة اللونية تكمن في وضع اللون، ووضعه بشكل نظيف ونقي، فعندما يجد المتلقي لونين متناقضين ومتجاورين في الفكرة الأساسية ضمن اللوحة يحصل على الدهشة، ويعطي اللوحة صفة الرائعة، لأن كل لون يتفرد بجماله ويعكس هذا الجمال ضمن خطوطه العريضة على سطح اللوحة، فيشكل مع اللون الآخر ثنائية رائعة، وهنا أقول من وجهة نظري إن التكامل اللوني والجرأة ضمن خط التناقض أشبه بالعلاقة الثنائية بين الرجل والمرأة.
** في الحقيقة لم أحدد مساري الفني بعد، فعليّ أولاً أن أعرف جميع المسارات بشكل صحيح وأتقن بعضها لأتمكن بعدها من أختيار المسار الذي يناسبني، فعلى سبيل المثال إذا كان أمامك عدة طرق وجميعها تؤدي إلى نفس الهدف فعليك أن تعرف هذه الطرق جيداً ثم تختار الطريق الذي تجد نفسك قادراً على السير فيه دون تعب وبنجاح كبير حتى النهاية.
** عندما انتسبت إلى المركز فوجئت به هناك ينتظرني بشغف لاقترب منه وأتعايش معه، وعندما فعلت أصبحت علاقتي بالرسم قوية ولم أعد أستطيع العيش دونه لأنه أشعرني بالسعادة وأدخل إلى حياتي الفرح.
** أحب طفولتي كثيراً، فقد كانت ملأى بالقصص الريفية الجميلة وصور أبي الفلاح الذي امتلك خيالاً واسعاً وجميلاً وأسلوباً رائعاً في سرد هذه القصص، فكان يروي لنا القصص الحقيقية والخرافية ويأخذنا إلى عالم الأساطير التي شكلت بالنسبة لي مخزوناً فكرياً أعتز به، إضافة إلى والدتي التي تعمل كخّياطة ويرتاد منزلها الكثير من الناس من مختلف الأعمار في القرية والقرى المجاورة، حيث كانت الفئة الأكثر ارتياداً لها هي فئة الصبايا، وأتذكر حتى الآن كم كن ّجميلات وكم كنت أستمتع بالجلوس معهن، لأنهن كنّ يتحدثن مع أمي عن أشكال الفساتين التي يردن خياطتها، وكنّ يرسمن كروكياً خاصاً بالزي وأساعدهن بذلك، وهذه الصور الملونة ما تزال عالقة في مخيلتي حتى الآن، وهي تشكل مخزوناً اعمل منه حالياً ضمن لوحاتي.
** عندما أنهيت دراستي في المركز شعرت بأنني أصبحت قادرة على الانطلاق بقوة وجرأة، فأنا أعتبر دراستي في المركز بمثابة محطة هامة في حياتي، لأنها أعطتني مصباحاً وبوصلة، وقادتني كي أحدد الاتجاه الذي سأسير فيه وأصححه في حال الخطأ.
** نعم بالتأكيد فهو الشيء الذي سيبقى للفنان عندما يصبح وحيداً ليجالسه ويستمع لشكواه وينسيه كل أحزانه، فيجعله يعيش بقية أيامه بهدوء وسلام.
في لقاء مع الفنان التشكيلي "علي حسين" مدير مركز "مجيب داوود" للفنون التشكيلية قال عن الخط الفني للفنانة: «تمتلك "رويدا" انطلاقة جيدة واندفاعاً قوياً للوصول إلى مرتبة فنية ترضيها وتجسد طموحها، فهي مدركة لما تريده، لأنها تجيد استخدام الألوان الجريئة ضمن الخطوط الفنية المتعددة، رغم أن لديها التزاماتها الأسرية والوظيفية اليومية، وهذا ما يؤكد مثابرتها وتقدمها باتجاه تطوير أدواتها الفنية وحسن استخدامها لها».
يشار إلى أن الفنانة "رويدا عبد الحميد" من مواليد "الدريكيش" عام /1976/، ولها العديد من المشاركات في المعارض الجماعية.