على صوت رنين هاتف إحدى المواطنات التي تتصل بمنزل السيدة "إنعام عباس" طالبة مساعدة مالية لإجراء عمل جراحي دخلت، حيث اعتذرت مني السيدة "إنعام" كثيراً لانشغالها بالرد على الهاتف وعدم تمكنها من الترحيب بي في بداية اللقاء فمازال إلى اليوم منزل السيدة "إنعام" عضو مجلس الشعب السابق من محافظة "طرطوس" مفتوحاً لاستقبال طلبات المواطنين الذين يترددون إليه ويثقون بصاحبته.
فشخصية محافظتنا لهذا اليوم سيدة خرجت من ريف بسيط واندفعت وراء طموح تفجر من أعماق تجربة قرية ريفية من "طرطوس" الجميلة لتواجه بجرأة مجتمعاً ذكورياً بنجاح يوازي حضوره لتجعل من نفسها محط أنظار ودفعت الثمن من حريتها الشخصية ومسؤولياتها العائلية محافظة على قيمها الفكرية والاجتماعية والأخلاقية .
وقعت بروتوكول تعاون مع إحدى شركات المحاسبة في دمشق "استشارات ودراسات جدوى اقتصادية وافتتحت مكتباً في طرطوس أتابع العمل فيه في جمعية الشهيد "باسل الأسد" لرعاية الأيتام والعجزة وأتابع نشاطي فيها
وفي اللقاء الذي أجريناه مع السيدة "إنعام" بتاريخ 16/5/2009 تحدثنا عن ذكريات السيدة التي استطاعت أن تجد لنفسها ساحة واسعة على أرض العمل الوطني حيث تقول: «أنهيت دراستي الجامعية في كلية الاقتصاد والتجارة في "دمشق" عام "1981" وعينت مديرة مالية في الشركة العامة للمطاحن "مطحنة طرطوس" مما أثار فضول البعض الذين ظنوا أنه من الصعب على امرأة أن تنجح في هذا المكان ودفعتني هذه الآراء للعمل وبذل جهود كبيرة مع الزملاء لنكون أول من يقدم الميزانية السنوية والجرد إلى الجهات المسؤولة حتى أثبتت جدارتي وأقنعت الآخرين بأن الإنسان الجيد بعطائه ومسؤوليته تجاه الواجب يفرض وجوده بغض النظر عن جنسه».
وتضيف السيدة "إنعام": «مثلت المرأة في كثير من اللجان حيث كنت عضواً في اللجنة النقابية وعضواً في مجلس محافظة طرطوس وعضواً في لجنة المرأة العاملة وعضواً في نقابة عمال المواد الغذائية، وحضرت العديد من المؤتمرات في اتحاد العمال العام ومؤتمرات للمرأة العاملة، وقد أضافت هذه التجربة إلى رصيدي الخبرة ومحبة وتقدير زملائي لأنني استطعت أن أتبنى همومهم وطروحاتهم بصدق».
وعن بداية الطموح السياسي تقول: «في العام "1994" ترشحت لمجلس المحافظة في طرطوس ونجحت عن منطقة "صافيتا" وكان نجاحي لافتاً كمرشحة مستقلة حيث كان عمال المطحنة موزعين في كافة قرى المحافظة وكان كل منهم يتحدث عني ويعطي الفكرة التامة عن تعاملي معهم،وقد شاركت في الاجتماعات بنشاط واندفاع وكان لي الكثير من الخدمات في المحافظة وفي العام "1996" انتقلت من المطحنة إلى الجهاز المركزي للرقابة المالية بـ"طرطوس" مفتشة أولى واعتبرت أن من أهم مهمات المفتش التوجيه لتفادي الخطأ قبل وقوعه من مبدأ الرقابة المسبقة».
وعن تجربتها في خوض الانتخابات لمجلس الشعب تقول: «في بداية العام "1998" بدأت الترشيحات لمجلس الشعب الدور التشريعي السابع وقد لقيت التشجيع الكبير من بعض المعارف والأصدقاء في العمل وخارجه، تدارست الفكرة مع زوجي فكان مشجعاً قوياً مع جميع أفراد العائلتين وفعلاً بدأنا العمل والمعاناة، فهناك من يقول من المستحيل أن تنجح امرأة مستقلة سينتخبك النساء فقط ستفوزين، لا تضعي نفسك في الطين، ستخسرين الرهان، ستكونين مفاجأة الجميع، نحن معك، وكنت أقول لهم أعتبر نفسي لم أخسر الرهان طالما تجرأت وترشحت وتابعت حتى النهاية ومهما كانت النتائج فتجربتي نجاح لكل امرأة ولكن الحمد لله صدرت النتائج ونجحت».
وعن انتخابات المرة الثانية تقول: «انتهى الدور التشريعي السابع وترشحت للدور الثامن "2003-2007" وترشحت مرة ثانية مستقلة وقد نجحت وانتخبت أمينة سر للمجلس، وكنت أول امرأة تتقلد هذا المنصب لمدة أربع سنوات مع أن الانتخابات كانت تعاد كل عام ولكن نلت ثقة زملائي واحترامهم وارتياحهم، كما عملت رئيسة للجنة الصداقة الاسبانية وعضواً في الهنغارية، وحضرت العديد من المؤتمرات التي تخص المرأة وشاركت في الكثير من الندوات والحوارات والعديد من المؤتمرات الدولية واستقبلتنا السيدة "أسماء الأسد" كبرلمانيات سوريات وعرب وناقشنا أموراً عدة، كما شغلت منصب عضو في البرلمان العربي الانتقالي الذي انبثق عن قرارات الجامعة العربية ومثلت سورية في لجنة المرأة والشباب في لجان البرلمان العربي الانتقالي وحضرت مؤتمرات خاصة بهذه المواضيع وكذلك مؤتمر التقارب بين المذاهب الإسلامية في "قطر" والعديد من المواضيع التي لو عددتها لأخذت العديد من الصفحات».
وعن تجربة الترشيح للمرة الثالثة تقول: «لاقت هذه التجربة الكثير من الاهتمام والتقدير في الوسط العام وليس الإعلامي فحسب، وقد ترشحت بظروف صعبة بعد وفاة عمي والد زوجي ولا أقول إني لم أنجح أو خسرت الرهان ولست نادمة لأني ترشحت بل مصممة ومدركة ومؤمنة أنني نجحت بـ"43500" صوت أفتخر بهم وأحترمهم لأن هؤلاء هم الناس الذين لم تستطع المادة أن تغير قناعاتهم ثم تقدمت بعد إعلان النتيجة بأوراقي للتأمينات لأتابع إجراءات التقاعد من المجلس».
وعن حياتها العامة التي عاشتها خلال فترة تواجدها في المجلس تقول: «فتحنا بيتنا للخدمات العامة وكنت أتعامل مع الناس بأخلاق وإحساس ومسؤولية مؤمنة بأن الكلمة الطيبة صدقة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تمتعت ببال طويل ومرونة كافية لتقبل طلبات الناس في جميع المناسبات في البيت وفي التعزية في الفرح والاجتماع حيث أحاول تقديم حل لمشكلة شخص أو خدمة له أو لقريته كما يقدرني الله».
وعن عملها اليوم تقول: «وقعت بروتوكول تعاون مع إحدى شركات المحاسبة في دمشق "استشارات ودراسات جدوى اقتصادية وافتتحت مكتباً في طرطوس أتابع العمل فيه في جمعية الشهيد "باسل الأسد" لرعاية الأيتام والعجزة وأتابع نشاطي فيها».
وتختم السيدة "إنعام"بالقول: «لم أكن عابرة ولا أريد لتجربتي أن تكون عابرة أريدها كضوء مصباح مشع يبرز جلياً واضحاً في العقل لنستطيع البناء عليها وهذا يلبي ضرورة الاهتداء إلى التيارات الكبرى التي تصنع عالمنا وتكيفه والتجربة أكبر برهان».