"محمد عمران" صاحب ملحمة "الملاجة" يجمع بين هواه الجبلي وذاته الشعرية لينسج من الطبيعة ثوباً شعرياً ينسج به دواوينه النثرية بطابع خاص كما يحدثنا عنه المختصون.
موقع "eSyria" بتاريخ 2/8/2010 وللوقوف على حياة الشاعر السوري "محمد عمران" التقى مجموعة أشخاص تحدثوا عن حياة الشاعر الاجتماعية والشعرية.
بين الملاجة الغارقة بالحكايات والمواويل الشجية وزّع "محمد عمران" قلبه بالتساوي
«والملاجة قبعةٌ خضراء بريش من أجنحة الشمس، تحت القبعة وجه من حنطة جسد بنوافذ يسيل على الحقول ويدان، في الأولى الخبز، في الثانية الصلاة». بهذه الكلمات يبدأ الشاعر "محمد عمران" مغازلته لقريته الجبلية التي ارتبطت بذاكرته ودواوينه الشعرية.
«بين الملاجة الغارقة بالحكايات والمواويل الشجية وزّع "محمد عمران" قلبه بالتساوي». كانت كلمات تلاها "عمران" ليغازل به حبيبته "الملاجة"، هنا يقول الناقد الدكتور "خليل موسى" واصفاً "عمران" في كتاباته: «"محمد عمران" أحد شعراء الحداثة في سورية، وهو ممن كتبوا شعر الحداثة أولاً وخاصة في الستينيات، بدأ في المرحلة الأولى من شعره باستلهام التراث، التراث الأدبي والشعبي، والتجربة الأغنى التي يجب التوقف عندها في شعره هي في نهاية السبعينيات عندما بدأ يكتب ملحمته الطويلة "الملاجة"، ففي الحقيقة أنا رافقت هذه الملحمة وهي تنشر فصولاً في ملحق الثورة الثقافي، ورافقها تاريخياً موت الأم التي كان متعلقاً بها "محمد عمران" إلى حدٍ بعيد فبدأ يدرك أن الموت قادم من كل الجهات، وكتاب "الملاجة" هي قصيدة طويلة وكتاب شعري كامل يمكن أن تعد من أفضل الكتب الشعرية في الوطن العربي».
جمع بين الطبيعة والأنثى وذاته ليصنع دواوين سجلت في تاريخ الحركة الشعرية في سورية، عن ذلك يقول الشاعر "عبد القادر الحصني": «الشاعر "محمد عمران" في معظم أشعاره شاعرٌ من ماء، شاعرٌ من صفاء وطبيعة وأنثى سحرية، عالم مؤصفر إلى حد كبير، عالم مبرأ وناصع ونقي مرفوع من سواء المعيشة في الحياة إلى أفق الفضاء الإنساني الرحب الذي يتيح للروح فسحات للتأمل والاطمئنان والراحة، "محمد عمران" استطاع أن يمزج الطبيعة والمرأة وذاته الشاعرة في لغةٍ قلما تيسر لشاعرٍ أن يمزجها على هذا النحو، لذلك كان شاعراً خاصاً، وكان فيما أنجزه في ثلاث المجموعات الشعرية الأخيرة من تجربته "نشيد البنفسج، كتاب المائدة، مديح من أهوى" تتويج لحالة إنسانية ولمغامرةٍ في الكتابة ولعمرٍ مديدٍ قضاه الشاعر وهو يطبخ تجربته على نار هادئة حتى تسلمت برهة إنسانية رفيعة نجد فيها الإنسان، الطبيعة والله في اقنومٍ واحد من نصوص رفيعة وجميلة».
«آخذك في ظلي أيتها السنديانة، احتضن صوتك أيها الجبل، أعمم اسمي على الطرقات، وجهي على المفارق، أزرع دمي على خلايا "الملاجة". "الملاجة" وردة من حجارة وأقمار تتنفس الغبار والصمت، الرئة اليمنى أعشاش للكتب والمخططات، اليسرى ينابيع مقفلة ولا ثقوب للحنجرة». وزّع "محمد عمران" من خلال أشعاره قلبه بين أرجاء "الملاجة" وتحت شجرة "السنديان"، هنا تقول الفنانة "حلا عمران" ابنة الشاعر: «لقد ورّثني والدي الكثير من الحساسية العالية، إضافة إلى الذائقة الفنية العالية، وقدرة استيعاب كبيرة، كما ورّثني حباً كبيراً للحياة، وأعتقد أنه ساعدني كثيراً للدخول في مجال التمثيل، وأظن إن لم أكن ابنة "محمد عمران" لما دخلت عالم الفن أبداً، بالنسبة لي هو الجزء الذي لا يتحدث عنه، كان والدي من الأشخاص الذين ورثوني الكثير من الأشياء الكبيرة في معناها وأملها، كان رجلاً وسيماً أنيقاً يعتني بنفسه كثيراً مثل اعتنائه بكتاباته».
أما الشاعرة السورية "رشا عمران" ابنة الشاعر البكر فتقول: «"محمد عمران" من الشعراء السوريين الذين ارتبط شعرهم بروح الطبيعة، وهو أحد أبرز الشعراء السوريين الذين جمعوا بين الطبيعة والأنثى، وربما محلمته "الملاجة" و"مديح من أهوى" هي من الدواوين التي تطرقت إلى هذه النقطة».
الكاتب "نذير جعفر" يكتب في إحدى ذكرياته عن الشاعر "محمد عمران" فيقول: «لم يغب "محمد عمران" عن ذاكرة جيلنا، لا لأنه جدّد في مبنى ومعنى الشعر، وارتاد غابات بكر فحسب، بل لأنه جمع بين نبل الشاعر ومهمة المثقّف، وعدالة المسؤول، كان واحداً ممن حملوا هاجس التجديد والتغيير على مستوى اللغة، الرؤية والحساسية، فنأى عن الخطابية والمباشرة، ولم يقع في فخ الشعارات التي تستجدي تصفيق الجماهير، إنه شاعر الرؤى والتحوّلات، شاعر الحدوس والخلق، لا شاعر الوقائع، المناسبات والمنابر، شاعر ينفذ إلى الجوهر، يتماهى في اللغة، وتتماهى اللغة فيه، لا بوصفها أداة أو وسيلة للتعبير بل بوصفها كياناً وينبوع تحولات دائمة للشاعر في نبضه وأحلامه ونوازعه وعشقه وانكساراته».
الجدير بالذكرأن الشاعر "محمد عمران" ولد في "الدريكيش" عام 1943، تلقى تعليمه في "الدريكيش" وتخرج في جامعة "دمشق" حاملاً الإجازة في الأدب العربي، عمل محرراً ورئيس تحرير في من المجلات، عضو جمعية الشعر، عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب، ومن مؤلفاته:
أغان على جدار جليدي- شعر- دمشق 1967.
الجوع والصيف- شعر- دمشق 1969.
الدخول في شعب بوان- شعر- دمشق 1972.
مرفأ الذاكرة الجديدة- شعر- بغداد.
أنا الذي رأى- شعر- دمشق 1979.
كتاب الملاجة- شعر- بيروت 1980.
للحب أيضاً وقت- مقالات- دمشق 1980.
أوراق الرماد- مقالات- دمشق 1980.
قصيدة الطين- شعر- دمشق 1982.
الأحمر والأزرق- شعر- دمشق 1984.
الأشياء- مقالات- دمشق 1984.
نشيد البنفسج- شعر- حمص 1992.
الأعمال الشعرية- مجلدان- دمشق 1991- دار طلاس.
كتاب المائدة- شعر- طرطوس 1995.
توفي عام 1997، وقد كتب على قبره العبارة التالية، «ها أنت في لطفٍ تناولين يدك ولم نزل في أول السفر الجميل، قل لي من البدء استعد، فقد يطول بنا الرحيل، قل لي لأخلف موعدك».