لقد كان العلم والتحصيل العلمي في عشرينيات القرن الماضي ثمرة ليس من السهل تنميتها وقطافها، وهذا ما دفع السيد "يوسف الباني" الذي لقب في تلك الفترة باسم "المعلم" كصفة تدل على مدى ثقافته وعلمه اللذين تمتع بهما، لتسخير نفسه وماله لترسيخ ثقافة التحصيل العلمي بمراحله المتقدمة في محافظة "طرطوس" بكل إنسانية ومحبة، فكان من أوائل من تعلم وعلم.
«حيث لم يلبث أن أتم تحصيله العلمي، ومحادثته الشخصية بعدة لغات إضافة إلى لغته العربية، حتى بادر إلى الانخراط بين صفوف الناس من أبناء قريته لتعليمهم مبادئ القراءة والكتابة بين أحضان الطبيعة البكر تحت شجرة التوت الكبيرة في وسط القرية التي نشأ فيها وترعرع وهي "بساتين الأسد"»، والحديث هنا للسيد "منصور محمد" مختار القسم الجنوبي من مدينة "بانياس" الذي تحدث لموقع eSyria بتاريخ "18/3/2011"، مضيفاً:
ولد المعلم "يوسف بطرس الباني" عام /1885/ في قرية "ضهر صفرا"، وسكن في قرية "بساتين الأسد"، وتوفي عام /1972/
«لقد حاولت من خلال عملي في فن التصوير الضوئي ومعرضي الذي أقمته في مركز ثقافي المدينة، توثيق مدينة "بانياس" بالصور القديمة والحديثة بمناطقها وأماكنها وشخصياتها وأحداثها التي مرت فيها وكان لها الأثر الإيجابي عليها، ومن أهمها شخصية "المعلم يوسف" الذي كان له الدور الكبير في تخريج عدد كبير من المثقفين الذي يتربعون الآن على مناصب هامة وحساسة في الدولة.
حيث لاقى توثيق هذه الشخصية صدى كبيرا في نفوس الحضور خلال المعرض، لما له من قيمة شخصية حافظة على مكانتها بين الناس، حيث جلس العديد بمواجهتها يستذكرون شخصيته وفضله في تنمية مجتمعهم وتثقيفه في زمن كان من النادر جداً التحصيل العلمي فيه».
ويتابع المختار: «من أهم ما تمكنت الحصول عليه من معلومات تخدم الصورة والهدف من عرضها ضمن المعرض، هو أنه صاحب أول مدرسة خاصة تعنى بمراحل التعليم ما بعد شهادة "السرتفيكا" التي اعتبرت أعلى شهادة في تلك الفترة عام /1918/ يتم الحصول عليها في مدينة "طرطوس" حيث كانت تابعة لمحافظة "اللاذقية"».
السيدة "ناديا ديب" أحد من عايش تلك الفترة من حياة "المعلم يوسف"، وهنا تقول: «لم تكن كلمة أستاذ معروفة في تلك الأيام لذلك كان يطلق على من يدرس الطلاب ويلقنهم العلم بمختلف أشكاله كلمة "معلم"، دليل على ثقافته وعلمه ومهنته في التدريس، وكان منهم "المعلم يوسف الباني" الذي سخر حياته كلها منذ بداية العشرينيات لتنمية المجتمع وزيادة ثقافته وتحصيله العلمي، وفق مناهج علمية متطورة تعتمد على تعدد اللغات وتصنيف الشهادات».
وتتابع: «لقد كان الهم الوحيد "للمعلم يوسف" تحقيق التحصيل العلمي بين مختلف طبقات المجتمع، فاستطاع ببراعته ومحبته للعلم إقامة أول مدرسة ثانوية خاصة في مدينة "طرطوس" في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، عندما كانت تابعة لمحافظة "اللاذقية" وسميت مدرسة "المعلم يوسف"، بمساعدة نسيبه "أيسر محفوض"، هذه المدرسة أصبحت تسمى "مدرسة اللاييك" في ثلاثينيات القرن العشرين.
ومن ثم أقام "المعلم يوسف" ثانوية أخرى في مدينة "بانياس" عام /1930/ تحت اسم "كلية بانياس الوطنية"، فحض على العلم وانتشاره بين جميع من يعرفهم ومن لا يعرفهم، حتى ولو كان ذلك على حسابه أو نفقته الشخصية، كأبناء الذين كانوا يعملون لديه في المدرسة أو المزرعة، مع تسهيل دفع أقساطهم الشهرية أو إلغائها تقريباً».
أما الصيدلاني "زهير الباني" أحد أقارب "المعلم يوسف" فيقول: «"المعلم يوسف" من أصول لبنانية من قرية شمالية تدعى "البان" تعلم وتتلمذ في "لبنان" على أفضل المناهج التعليمية ووفق عدة لغات، وعاد إلى قريته لينشر الثقافة والعلم الذي حصل عليه، بطرق منهجية لم تكن متوافرة في تلك الفترة لا على الصعيد الرسمي ولا على الصعيد الخاص، فكان له الفضل في تخريج الكثير من المثقفين في المحافظة» .
في حين أن الأستاذ "عصام الباني" أحد خريجي مدرسة "المعلم يوسف" أكد أن "المعلم يوسف" شخص لن يكرره الزمن، لإخلاصه وتفانيه للعلم ونشره للثقافة وإضافة إلى أدبه وإنسانيته المميزة التي عرف بهما، مضيفاً: «ولد المعلم "يوسف بطرس الباني" عام /1885/ في قرية "ضهر صفرا"، وسكن في قرية "بساتين الأسد"، وتوفي عام /1972/» .