تراها كمن تريد كتابة قصائد تُدوّن أحزانها التي اجتاحتها منذ لحظة رحيله حتى اليوم. فمن شهد قصة حياة عائلة الدكتور الراحل "وهيب زين الدين" يُدرك جيداً أنّ حجم الحزن الحقيقي الذي يغتال يومياً عواطف زوجته السيدة "مي حامد" وينهش قلبها هو أعمق بكثير ممّا ورد في كلمات عزائه.
فرغم شهادات الكثيرين في شخصية الفقيد والتي كانت مبعث افتخار لزوج وعائلة عاشت في كنفه، إلا أن الألم الكبير ظل متخفيا وراء الكلمات القليلة واضحاً وضوح دمعة مغرورقة في عين مفتوحة.
الدكتور"وهيب زين الدين" رحمه الله الذي وافته المنية يوم 27/12/2011 هو واحد من الشخصيات الاكاديمية والحكومية البارزة التي عملت بجد ومثابرة من أجل الوطن، فقد كرس جهده ووقته وحياته بالإضافة إلى المناصب التي شغلها كمعاون لوزير الاتصالات في الفترة ما بين 2001- 2006 ومحافظا لمحافظة "طرطوس" في الفترة مابين 2006 وحتى 2009، في تقديم العديد من المشاريع والأبحاث والدراسات والمقالات الغنية بما احتوته من كنوز أغنت المكتبة الهندسية والإنشائية بها، حاملا هما كبيرا وهدفا منشودا سعى وعمل بجد من أجل تحقيقه وإخراجه إلى الوجود وهو تطوير قطاع الهندسة الإنشائية.
ولد الدكتور "وهيب زين الدين" عام 1950 في قرية "أم ظبيب" التابعة لمنطقة "شهبا" في محافظة "السويداء". درس الابتدائية في مدرسة "القرية" انتقل بعدها في المرحلة الإعدادية إلى مدينة "السويداء" ثم إلى ثانوية "ابراهيم زين الدين" أما المرحلة الجامعية الأولى فكانت في جامعة دمشق، حصل على شهادة الدكتوراه في مجال الهندسة الإنشائية من معهد البوليتكنيك في (تيمشوارا) (رومانيا) عام 1978.
تقول السيدة "مي حامد" زوجة الدكتور الراحل "وهيب زين الدين": "كان زوجي رجلاً لم تفارق الابتسامة وجهه طيلة حياته وحتى عند إلقاء النظرة الأخيرة عليه أبت هذه الابتسامة أن تفارق محياه، أحب الجميع وأحبوه، ساعد كل من طلب مساعدته وبدون استثناء، ولذلك بكاه الكثيرون ممن عرفوه، زاول مهنته حتى آخر أيام حياته، وبهذا يكون قد أدى الأمانة بأكمل صورها ورحل عنا كالأشجار واقفا. رحل عنا والألم يغص قلوبنا والدموع تملأ مآقينا لطالما قدم للمحتاجين وبدون مقابل، رجل لم تعرف كلمة "لا" إلى فمه طريقا، هب وعلى الدوام لمساعدة المحتاجين. أحب واحترم الجميع ممن عملوا معه، ولم يكن يفرق بين موظف وآخر وبغض النظر عن وظيفته أحبه الجميع، كان متواضعا إلى أبعد الحدود".
وتتابع السيدة "مي" بالقول: "حياتي معه تحمل أجمل الذكريات واللحظات التي قضيتها بقربه كانت جميعها لحظات سعيدة لم تعرف الحزن، فهو على الدوام كان يريد رؤية البسمة على شفاه من زرع فيهم البسمة في حياته.
وعلى صعيد العائلة كان أبا حنونا ومعطاءاً، كان العمل والعائلة همه الوحيد في الدنيا. لا أتذكر يوما لم يذهب فيه إلى العمل، كان يحب "السويداء" وكان يحب أن نقوم بزيارة عائلاتنا بشكل مستمر، حتى من الأمور التي لا تغيب عن بالي أنه عندما كان محافظا لطرطوس كان مشروع الكورنيش يتم العمل عليه، كان ينزل كل يوم في تمام الساعة السادسة والنصف إلى ورشات العمل لمتابعتها، ليكون في تمام الساعة التاسعة صباحا بمكتبه ليتابع شؤون المواطنين، ببابه المفتوح للجميع".
أما "حسن و"سوزان" ذكرا أن الفقيد لم يكن أبوهما فقط بل أخوهما وصديقهما فروحه الطيبة ودماثة أخلاقه كانت السبيل لينتهجا نهجه وليدرسوا في كلية الهندسة المدنية والمعمارية، فلشدة حبهما لأبيهما أحبا دراسته وأحبا السير على نهجه العلمي. فقد كان وكما ذكرا أنه خير معين وقت الشدائد، وخير أمين وقت المسؤوليات.
أعماله تبدو كالبرعم الذي وُلِدَ في "السويداء"، وتفتَّح على امتداد الوطن، أو كالبذرة الصغيرة التي زُرِعَت في أديم هذا الوطن، وكَبُرَت وأصبحت شجرة أغصانها تخيِّم فوق سمائه.
ولأن ثمار الأرض تجنى كل موسم، لكن ثمار الصداقة تجنى كل لحظة”. فقد حدثنا أصدقاء الفقيد وما أصعب أن تتحدث عن إنسان يعز عليك، والأصعب أن تتحدث عن إنسان ترك إرثا من العطاء والتضحية لا يعوض ولا يقدر بثمن.
المهندس "وهيب موسى" صديق الدكتور "وهيب" منذ أيام الدراسة الجامعية لم يستطع حبس دموعه أثناء حديثه عن صديق الدراسة والعمر، ففي كل دمعة حكاية وذكرى يأبى إلا أن يحدثنا بها.
فقد بدأت حكاية معرفته وصداقته مع الفقيد كما ذكر أمام كوة التسجيل في كلية الهندسة المدنية بدمشق صدفة شاءت لها الأقدار أن تجمع بين شابين طموحين محبين للعلم والعمل. حيث يذكر السيد "وهيب" أن علاقته بالفقيد كانت من أجمل الصداقات التي كونها في حياته، وتطورت لتغدو فيما بعد علاقة عائلة بعائلة بعد أن تزوج كل منهما.
ويضيف قائلاً: "د."وهيب" منذ أن كان في الجامعة كان مثالا للطالب المجتهد المتابع بشغف لكل المحاضرات، فقد شكل لنا مرجعا نعود إليه كل ما استعصى علينا أمر ما. واستمر به الحال حتى بعد أن عاد من "رومانيا" بعد حصوله على شهادة الدكتوراه. كان لا يكل ولا يمل من العمل حتى خلال شغله لمنصب معاون وزير الاتصالات أو محافظا لمحافظة "طرطوس".
فعندما وردني نبأ تعينه محافظا لطرطوس في العام 2006، ذهبت إليه وحملته من باب الصداقة والأخوة أمانة أن يوليها الأمر والاهتمام كما لو أنها عائلته وبيته، وذلك كون زوجتي ابنة المحافظة وأعرف أن المحافظة بحاجة لتطوير الخدمات فيها والبنى التحتية فهي عروس الساحل. وفعلا لم يكل جهدا لتطوير المحافظة مدينة وريفاً. حتى أن شهادة أبناء المحافظة أكبر دليل على سمعته المهنية الحسنة، فقد عرف عنه اجتهاده ورغبته في أن يقدم للمحافظة ما تحتاجه، كما أن نزاهته غدت وساما يعلق على صدر عائلته".
الدكتور "أحمد حسن " صديق الفقيد في المهنة وفي نقابة المهندسين ذكر أن ظروف المهنة جمعته بالفقيد إلى أن غدا من الأصدقاء المقربين حيث أن ظروف العمل جمعتهما في لجنة الكودات في نقابة المهندسين منذ عام 1987 وحتى تاريخه، حيث تشاركا مع آخرين في إعداد الكود العربي السوري لتصميم وتنفيذ المنشآت الخرسانية المسلحة الصادر عام 1992 وكافة التعديلات اللاحقة الصادرة أعوام 1995- 2004- 2011.
كما تشاركا في إعداد ملاحق الكود العربي السوري لتصميم وتنفيذ المنشآت الخرسانية المسلحة الخمسة. وفي إعداد المواصفات العامة لتنفيذ المباني الصادرة عن نقابة المهندسين عام 1998، وكذلك إعداد الكود العربي لتصميم وتنفيذ المنشآت الخرسانية المسلحة المقاومة للزلازل الصادرة عن مجلس وزراء الإسكان العرب- الجامعة العربية.
كما أنه تشارك مع الفقيد مهمة تقديم العديد من المحاضرات التخصصية لنقابة المهندسين في كل أرجاء سورية كان آخرها قبل أسابيع من وفاته.
المهندس "حسان كبور" صديق الفقيد في العمل ذكر أن الفقيد بعد تقاعده عن العمل الحكومي تفرغ للعمل بمكتبه الهندسي والذي كان مرجعا للعديد من المهندسين حيث أنه كان لا يردّ أحداً خائبا، ولطالما لجأنا إليه عندما تستعصي علينا الأمور فكانت الابتسامة العنوان الأول للحل ليأتي بعدها وبكل هدوء ليسهم في إيجاد حل لكل ما اعتبرناه كبيرا ومستعصيا علينا جميعا.
كان محبا للخير وأسهم في العديد من الأعمال التي كانت الغاية منها تحقيق النفع للوطن والمواطن أولا، أذكر آخرها مشفى "النبي هابيل" الذي أشرف على دراسته إنشائيا ومتابعة تنفيذه، عدا عن العديد من الاستشارات لبناء دور العبادة أو مواقف العزاء والتي تشتهر فيها محافظة السويداء.
فمحافظته التي كان دائم التردد عليها، كان لها نصيب وافر من الخدمات الجلية التي قدمها فقد ساهم في ترميم وإعادة تأهيل مبنى المحافظة "السرايا" وإعادته إلى وضعه التاريخي القديم بالإضافة إلى قصر المحافظ وبناء الحزب... والعديد من المشافي والمباني الخاصة".
من الجدير بالذكر أن الدكتور "وهيب زين الدين" له العديد من المؤلفات أهمها كتاب نوعي في تدعيم المنشآت الهندسية، وكتاب في تكنولوجيا الخرسانة، وكتاب في المباني العالية، وكتاب المنشآت الهندسية الخاصة، كما شاركت في إعداد )الكور العربي) السوري لتصميم، وتنفيذ المنشآت الخرسانية المسلحة وملاحقه المتعددة وإعداد (الكور العربي) لتصميم المنشآت لمقاومة الزلازل الصادر عن الجامعة العربية، وإعداد دفاتر الشروط العامة لتنفيذ المباني الصادرة عن نقابة المهندسين السوريين وإعداد الكثير من المواصفات القياسية السورية.
أما المناصب التي شغلها خلال مسيرة حياته بدأت برئيس مكتب فني في بلدية السويداء في العام 1973-1974، ثم رئيساً لقسم الدراسات الإنشائية أثناء تأديته لخدمة العلم في مؤسسة الإنشاءات العسكرية من العام 1979 حتى 1981، ثم محاضراً في كلية الهندسة المدنية من عام 1979 حتى عام 2002، ورئيساً للجنة المكاتب الهندسية في ريف دمشق من عام 1989 حتى 1994، ورئيساً للجنة التعليم الهندسي، ولجنة تصنيف مهندس الرأي في نقابة المهندسين السوريين، وعضو لجنة (الكود العربي السوري) في نقابة المهندسين السوريين، وعضو اللجنة الدائمة للزلازل في سورية، كما تم تكريمه كبطل إنتاج نقابة المهندسين السوريين في العام 1985 ومهندساً استشارياً منذ العام 1989 ورئيس مجلس إدارة البريد السوري منذ العام 2000-2006، كما شغل منصب معاون وزير الاتصالات والتقانة من العام 2001-2006 وأخيراً محافظاً لطرطوس منذ العام 2006 حتى 2009.