لم يكن استقباله لنا في منزله بقرية "كفر شاغر" منطقة "الدريكيش" بأقل كرما من فيضه الأدبي، "يوسف المحمود" الأديب الساخر الذي كتب الشعر والقصة والرواية.. وامتلك ملكة الكتابة في زمن ضعف الامكانات التعليمية، ويبقى الإصرار والسعي لتحقيق الهدف كفيلين بتحطيم أعتى الحواجز دعونا معا نتعرف على تجربة "المحمود" الحياتية مختصرا فيها مسيرة ستين عاما من العمل الصحفي والأدبي حيث بدأها قائلا: «أنا من مواليد عام 1921 وهذا يعني أنه في زمني لم يكن هناك مدرسة او تعليم ولذلك فقد توجهت إلى الكتاب كما كل أبناء جيلي وبقيت هكذا حتى عام 1947 عندما أصدر أحد الوزراء آنذاك قرارا يسمح للجميع بالتقدم إلى شهادة الإعدادية دون شرط الحصول على الشهادة الإبتدائية وكانت هذه فرصتي في متابعة الدراسة لكن العمر كان عائقا فقمت بتصغير سني عشر سنوات وتقدمت للشهادة ونلتها وتابعت الدراسة حتى دخلت الجامعة فرع الأدب العربي وتخرجت فيها بعد عشر سنوات والسبب في ذلك هو انشغالي بالكتابة والعمل لإعالة نفسي».
وأكمل حديثه: «طبعا أنا كنت أيضا قد حصلت على دبلوم صحافة عن طريق انتسابي لمدرسة المراسلات المصرية سنة 1947 وكان لابد من البدء بالعمل الصحفي عن طريق التمرين في "دمشق" وأذكر كيف أن أبي وقتها باع أربعة أرطال من الزيت بمبلغ 40 ليرة أخذته وحملت فرشتي وكتابي وتوجهت إلى "دمشق" حيث عملت في التحرير بلا أجر مدة ستة أشهر لتضرب الصحافة السورية عن العمل فأعود إلى قريتي دون حول ولا قوة ليضحك لي القدر وأتابع تعليمي كما ذكرت سابقا».
أحبها جداً وتعلمتها فأنا كتبت كل رواياتي وقصصي على الكمبيوتر واستبدلته بالورقة والقلم، هكذا أقضي وقتي بالكتابة والتأليف على كمبيوتري في قريتي الصغيرة
** «لا فقد اجتمعت الظروف ضدي لذلك لجأت إلى التدريس حيث درست في محافظة "الحسكة" سنتين وبعدها في "اللاذقية" حتى سافرت بإعارة إلى الجزائر وبقيت فيها أربع سنوات لأعود بعدها إلى الصحافة وأعمل بتحرير زاوية إلى من يهمه الأمر في جريدة الثورة وبقيت أحررها حتى تقاعدت في التسعينيات».
** «بالتأكيد لا فقد اننتسبت إلى اتحاد كتاب العرب ونشرت أول مجموعة قصصية لي بعنوان "المفسدون في الأرض" وتلتها مجموعة ثانية "مفترق المطر" و"حارة النسوان" علما أني أول من كتب القصة القصيرة في الساحل السوري».
نصوصه الناقدة الساخرة إلى حدّ المرارة بينت أن الصحيح في الحياة قد يكتمل بفعل كلمة مسؤولة... فاستمر متبعا منهجه الساخر في تناول القضايا التي تلامس هموم الناس ومشاكلهم فكما يقول معللا كتاباته الساخرة: «السخرية بالنسبة لي هي كتابة الواقع.. كتابة الحقيقة التي لا يمكن أن تقال إلا بسخرية وفي تلك الزاوية اليومية كنت أكتب شيء جديد في كل مرة أستمده من الحياة مما أسمع وأرى وأشاهد».
** «أحبها جداً وتعلمتها فأنا كتبت كل رواياتي وقصصي على الكمبيوتر واستبدلته بالورقة والقلم، هكذا أقضي وقتي بالكتابة والتأليف على كمبيوتري في قريتي الصغيرة».
ومن "المحمود" إلى لقاء الأديب "مالك صقور" رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في "طرطوس" حيث حدثنا عن "المحمود" قائلا: «كتبت معه في جريدة الثورة فإلى جانب زاويته كانت زاويتي معا على الطريق ومازلت أذكر كيف كان بدبابيسه يطول أكبر المسؤولين.. "يوسف المحمود" غني عن التعريف فهو من القاصين الأوائل في سورية والوطن العربي فقد ألف وترجم العديد من الكتب والمجموعات القصصية الساخرة الجميلة التي تؤرخ القصة السورية الساخرة والتي لم يتناولها النقد كما يجب حمل هموم جيله .. وقد أخذت رواية "مفترق المطر" دراسات نقدية كبيرة حتى قال عنها الروائي "الطيب صالح" أنها أجمل ما قرأه في المنتصف الثاني للقرن العشرين»
إلى من يهمه الامر هذه المرة ليست بقلم "المحمود" إنما هي بروحه يوجهها إلى كل الشباب العازف عن القراءة.. إلى من يهمه الأمر "يوسف المحمود" مايزال موجودا وحاضرا.. إلى من يهمه الأمر "يوسف المحمود" مايزال يكتب ويرفض اعتزال القلم.