صور واضحة ولحظات صادقة تنقلنا إليها قصائده على جوانح شعره، لترسمها بأسلوب بسيط وكلمات معبرة، ومنها ما يجسد سكون الكون وصفاء المشهد أمام براعة الوصف ووميض الأبجدية.
إنه الشاعر "يوسف جندي" الذي التقاه "موقع eTartus" بتاريخ 1/10/2009 لنجول معه لحظات في عالم الشعر من خلال هذا الحوار.
الفن وحدة متكاملة لا غنى لأحدها عن الآخر ولا أرى إلا أنّ الشعر هو عنصر من عناصر الفن
** «مما لاشك فيه أنني ابن "أرواد" السفينة العائمة في البحر، وابن جنة الدنيا ابن "طرطوس" الساحرة بجمال طبيعتها ورونق بساتينها واصطفافات الأزهار وانبعاثات الشذى من كل صوب، لذلك أسرت الطبيعة كياني وملكت جوارحي وأثرت خيالي فانعكست في مرآة شعري كالشمس في وضح النهار».
** «الشاعر يتأثر بكل شيء، فمن باب أولى أن يكون للبيئة النصيب الأوفى والحظ الأوفر في صقل خيال الشاعر وتهذيب ألفاظه وإشباع تراكيبه بما يحيطه من امتدادٍ وتنوّعٍ، فمثلي تروّى من جمال الساحل وطيبته وعبيره وشذاه حتى انتصب عوده وامتشقت قامته وأصبح كالغدير المترقرق يحمل أوراق الأشجار وما تلقي إليه الحدائقُ من أزهار تختلف في ألوانها وعطورها».
** «إن الدين هو روح الدنيا يمنحها دفء المحيط ويركز فيها دعائم الأخلاق ويظلها بظلِّ الرحمن في السلوك والمعاملات لا بسواد التفرقة والمشاحنات، لذلك كان الشعر هو الأداة الأسبق والأجمل للتغني بروح ذاك الوجود».
** «الغزل مفتاح باب الجمال الذي يصف الشوق والهيام وفرط الجوى الذي يتخفى في خلجات العواطف والمشاعر الإنسانية النبيلة، ما من قصيدة تمتلك تلك العواطف إلا وتشمخ بقامتها وتدخل القلوب كانسياب النسيم، لذلك الشاعر المُجيد لا يدع قصيدة إلا ويحمّلها المشاعر والأحاسيس التي تتقاذفه كتقاذف الأمواج».
** «منذ القدم والشعراء تسيل دموعاً من الحزن الشديد عندما يلف الموت أحد أحبّائهم، فتنهمر الكلمات كما انهمرت الدموع، لذلك كان الرثاء تعبيراً صادقاً عن الثلم الذي سببه فقد الأحبة الذين يشكلون الأركان الأساسية في حياة الشاعر».
** «الفن وحدة متكاملة لا غنى لأحدها عن الآخر ولا أرى إلا أنّ الشعر هو عنصر من عناصر الفن».
** «لا أدري إذا ما كان القصد هو أن الخيال هو الباعث والمولد ذو الكمون العالي للشعر، ففيه ترعى الكلمات وتسرح كالأسماك في بحرها ليلمع لونها في فكر الأديب فيصطاد منها ما يريد أو ما يستطيع قبل أفول الوهج الذي أذكاه الخيال، ليعود الشاعر إلى الواقع فيرى ما نسج ويظنه من نسج غيره، فرأيي أن العلاقة لا تُدرك فكيف تتجزأ ...؟!».
** «الربان الشاعر كان يعارك البحر ويتصبر بشعره، أما الشاعر الربان فهو يتغنى في شعره بذكريات الصراع الكبير بينه وبين البحر.
لا يعرف البحّـارُ موجاً عاتياً- فلقد خبرتُ الموجَ مُذ ْ كنتُ الولدْ
ولقد هزمتُ البحرَ قبل فراقنا- وأمامَ ريحي موجه العاتي سَجدْ»
** «الشعر بالنسبة لي كالملجأ الآمن والملاذ في وقت اشتداد الأمور وحلوكة الظروف، فكلما زاد اهتمامي في العمل زادت حاجتي للشعر».
** «هل أدري أيها أبعد لأعلم أيها الأقرب إلي! ولكني أفيد أنني التصقت بها فأبت أن تفارقني فتارةً تكون إحداها أشدَّ التصاقاً بي عندما أفتقدها في محيطي الخارجي».
** «أولاً الشعر وعاء موحد للّغة بين الأقطار لأنه يستخدم اللغة العربية الفصحى، وثانياً الشعب العربي ينقاد بعواطفه التي هي ركن أساسي للشعر في مبناه وفي معناه، يعبر عن أحلام الشعوب المقهورة ويحفز المقاومة بذكر البطولات والأمجاد التي حققها أجدادنا العرب».
** «الشعر كان ولم يزل ديوان العرب فقد حمل ألوان الماضي وحافظ على بريقها، ولم يمنع تألق الحضارة المتسارع من التفاعل مع مكوناته ولو كانت سلاحاً بحدين، فيبقى الشعر ميزان اللغة المضبوط بقواعده الثابتة رغم الحركات الانقلابية في داخله من أسلوبٍ في التعبير وألفاظٍ متجددة بتوظيفٍ يكاد يكون في الطرف المقابل من القديم، وهذا ما تمكنه لغتنا بما تمتلكه من مرونة المعاني والتراكيب».
** «لم يكن الكوخ في الماضي ليشبه البيت العصري رغم وحدة الهدف فالشعر شعر والنثر نثر، ولكني أرى الشاعر قديماً أو حديثاً هو الذي يمنح التمايز في القدرة على الوصف والتعبير».
** «جميلة الجميلات تعرفني وأعرفها، وأشعر في أنَّاتها مما تعانيه لأن الحركة الشعرية تكاد تشتكي، وهي التي ترنو إلى النجوم ارتفاعاً وتغازل البحر وتحتضن أمواجه فيرخي عليها جلابيبه فتبدو كالعروس في جلوتها.
نحتاج في تلك المحافظة إلى تفعيلٍ أكبر وخصوصاً في مجال الشعر رغم نشاط ساحته وعدم خلوِّها من الفرسان، كذلك القصة القصيرة والرواية، ولا أرى جدوى من النشاطات المشتركة وإن كان الهدف منها التنويع واستقطاب الحضور».
** «الأديب كالطائر يرفرف بجناحيه ويقدم للناس مكنونه، لكنه يحتاج المنبر ويحتاج الحضور الذي يكاد أن يكون محدوداً متكرراً وشكلياً في بعض الأحيان، لذلك يجب على الأديب أن يتحرر من قيوده ويقوم بتقديم نفسه بأسلوبٍ مبدعٍ في الدعاية والعرض كما يبدع في تكوين القصيدة أو القصة».
"الحذاء"
«خذها من الكتَّاب والقرَّاءِ
والناظرينَ إليكَ من أحياءِ
خذها هديةَ كلِّ حرٍّ باسلٍ
لا منحةَ الجبناءِ والسفهاءِ
بالأمسِ والدكَ اللعينُ مبجَّلٌ
ومقدَّرٌ في واحةِ الأمراءِ
قد أعطيَ اللقبَ الذي كُنَّى بهِ
نورُ الهدايةِ سيِّدُ الشرفاءِ
مدحوهُ في إعلانهم قالوا بهِ
ما قيلَ قبلُ بفارسِ الهيجاءِ
"عقِمَتْ نساءٌ أن تَلِدْنَ بمثلهِ"
شتَّانَ بين مُصدَّقٍ ومرائي
واليومَ أنتَ على ترابٍ طاهرٍ
ومعطَّرٍ من خيرةِ الشهداءِ
مشتِ الحضارةُ فوقَهُ وتفرَّعتْ
من أمةٍ وديانةٍ سمحاءِ
ونسفْتَهُ من بعدِ ما أشبعتهُ
بدمِ الضحايا الغُرِّ لا بالماءِ
وزرعتَ في كلِّ القلوبِ كراهةً
حقداً دفيناً فوقَ كلِّ بلاءِ
أعَجِبْتَ من ثمرٍ وضعتَ غراسهُ
ورويتَهُ بالظلْمِ والإيذاءِ
فاحملْ خِطابكَ يا ربيبَ حضارةٍ
تربو على قتلٍ وسفكِ دماءِ
وافتحْ كتابَكَ يا شقيُّ فهل ترى
إلاَّ سواداً في حمىً سوداءِ
أعَجِبْتَ من ردِّ الشَّبابِ فكلُنا
يا بوشُ ننشُدُ ضربَكم بحذاءِ»
للشاعر دواوين عديدة منها "العهدة الكبرى"، "بكاء الصامتين"، "قطرات مسك"، "عودة الربان"، روحي تطوف"، "حبيبتي أنت"، "يعاتبني الحبيب"، بالإضافة إلى مجموعة من الدواوين قيد الطباعة يصف مواضيع قصائدها بأنها أكثر تنوعاً.