بالنسبة له ليس الشعر تعبيراً عن الواقع فحسب، فلا غنى له عن نفحة من الخيال التي تلون مفرداته، في حين تتطور صورته الفنية مرفقة بإضافة تفاصيل شتى تنسجم مع تغيرات العصر وآفاق الحضارة.
في لقاء موقع eTartus مع الأديب "علي إبراهيم" في قرية "المصطبة" من منطقة "الدريكيش" بتاريخ 8/11/2009، يشرح عن أثر كلّ من القصة والشعر، وبالرغم من تبدل الاهتمام بالشعر في مختلف المناسبات، يرى أنه لا بديل عن القراءة التي تؤكد على تفاعل المتلقي مع كل إنتاج أدبي.
كتبت القصّة عندما وجدت أن هناك مساحات من الألم والحزن والفرح معاً، لا تحتاج إلى هذا التكثيف اللغوي لإطلاقها، فكان لا بد من البناء على القصّة التي تعطيني مساحة أكبر للتعبير عن هذه الذّات المضطربة دائماً
كان لرغبة الاستطلاع الأثر الأهمّ في خلق أجواء قدّمته إلى عالم الشّعر، يشرح عنها قائلاً: «قراءتي للشّعر كانت في سنّ مبكّرة، استهواني الشّعر قديمه فبدأت أبحث عن معاني بعض أبيات الشّعر مستجلياً مضامينها، لأكتشف تلك الأسرار في عوالم الشّعراء، الأمر الذي شجّعني على الحفظ.
في صغري كنا نجتمع مع بعض الخلان أو الأصدقاء لنتبارى في حفظ الشّعر، وفي مرحلة متقدّمة أثناء الدّراسة بدأت بقراءة "زهير بن أبي سلمى"، "المتنبّي" و"امرؤ القيس"، وبدأت أتابع الأنشطة الثّقافية في كلّ أرجاء المحافظة».
مع كلّ ذلك الاهتمام، المراجع والموهبة، لا ينسى الطبيعة بألوانها، تجدّدها وعطائها، ويضيف عن أثرها في كتابة الشّعر لديه قائلا: «مصدر الإيحاء الأوّل حقيقة هي الطبيعة بولادتها المتجدّدة ما بين فصل وآخر، توقظ فيك مشاعر كامنة وغامضة، تجعلك تضطرب كما تضطرب الطبيعة، وتنتقل من وجه خريفي إلى وجه شتائي، هذه الطبيعة التي أبدعها الخالق بكل مكوناتها جعلت للشّعر دلالته وإيحاءاته، ليتمكن من التّعبير عن مكنونات الذّات الإنسانيّة التي تشبه الطبيعة إلى حدّ كبير».
الشّعر مرآة للواقع، لكنّ حاله بين الواقع والخيال أينما وجد، وهذا هو رأي الشّاعر "علي إبراهيم" الذي عبّر بقوله: «الشّعر ليس بالضرورة تعبيراً عن واقع معاش، وإن كان كذلك فهو يفقد الكثير من جماله الذي يكسبه إياه الخيال فيصبح نوعاً من التصوير، بل أنّ الشّعر روح وخيال وكلاهما لا يُلمسان بالواقع، بل هما الظلّ وعبق الورد الذي نحتاجه في كل وقت، إذاً الشّعر ليس تعبيراً عن الواقع فحسب».
لكنّه يشاطر الرأي كثيراً من الأدباء حول ظاهرة المهتمين بالشّعر: «إن جمهور الشّعر حقيقة في تراجع، لأنّ عوالم الشّعر هي روح وخيال بينما الواقع الآن يبحث عن المادّيات، والرّوح الإنسانيّة بخيالها الجميل قد قتلها الإنسان بسعيه اللاهث وراء المادّيات التي لا تنتهي وهذا أمر جدّ مخيف، لأنّ ابتعاد الناس عن القراءة والاستماع إلى الشّعر يجعل منهم قوالب جامدة».
عندما يكون الشّعر جزءا لا يتجزأ من لغة ما يزيد عن عشرين بلداً، تبقى في ظلّ هذا القاسم المشترك حدود جغرافيّة وتساؤل عن دور الشّعر في محوها، وجوابه: «الشّعر ليس له حدود، فهو بوح خفي يسمع صداه ويتأثر به كل إنسان يملك الإحساس المرهف، والدليل على ذلك أنّنا نقرأ الشّعر الجاهليّ وشعراء العالم فأقول جازماً إنّ الشّعر يقوم بإلغاء الحدود الجغرافية وغير الجغرافية في الوطن العربي.
لكنّ دور الأديب العربي الذي يكتب في جميع الأجناس الأدبية بما فيها الشّعر مازال محدوداً، وذلك رغم توفر وسائل الاتصال الحديثة من مطابع ودور نشر وصحف ومجلات وإنترنت، وهذا الأمر يعود إلى تضخيم ذات الشّاعر من خلال البحث عن الأنا الذاتية، فالشّاعر عندما يكتب قصيدة إن كان همه هو الظّهور فسرعان ما يسقط في أول حرف يكتبه».
ما بين الشّعر الحديث والتفعيليّ والقديم تنقل الشّاعر "علي إبراهيم" في قصائده، بالإضافة إلى كتابة القصّة، يقول عن هذا التنوع: «الشّعر أياً كان لونه وطبيعته، حديثاً أو قديماً يخاطب أحاسيس المتلقي ومشاعره، يعبر عن فرحه وألمه، يرسم صورة المستقبل بحبّ، فهناك الحالة التوافقيّة حتماً بين جميع أنماط الشّعر، لأنه يحمل هذه المضامين ويرسم في عيني وقلب المتلقي تلك اللوحة التي تمجّد الحبّ وتعبر عن الذّات الإنسانيّة».
وهذا هو ما يجمع أنماطه منذ بداية وجودها: «هذا التوافق موجود فطريّاً ولا أجد خلافاً أو فرقاً بين أنماط الشّعر الكلاسيكي والحديث والقديم من حيث المضمون أو المعنى، لكن الفرق في الشّكل، وهذه الإشكاليّة التي عمل عليها الكثير من النقّاد في وصف الشّعر الحديث بأنه كلام منثور تبقى ضمن رؤية المتلقّي والمستمع، وليس ضمن رؤية بعض النقّاد الذين لا يرون إلا نصف اللوحة الجميلة، والأقرب إلي هو الشّعر لأنه دفق الروح واللحظة، ينقلك على جناح الخيال إلى عوالم لم تزرها إطلاقاً».
وعن كتابته للقصّة: «كتبت القصّة عندما وجدت أن هناك مساحات من الألم والحزن والفرح معاً، لا تحتاج إلى هذا التكثيف اللغوي لإطلاقها، فكان لا بد من البناء على القصّة التي تعطيني مساحة أكبر للتعبير عن هذه الذّات المضطربة دائماً».
نقص الشفافيّة في الأوساط الثقافيّة هو ما يقلقه كغيره من الأدباء، وهو يوضح تأثيره عند سؤاله عن نشاطه الأدبي فيقول: «لست راض عن نشاطاتي الأدبيّة، لأنّ الأنشطة الأدبيّة أصبحت حكراً على المتنفذّين ابتداء من "اتحاد كتّاب العرب" في "دمشق" إلى الأنشطة التي تجريها بعض الفعاليّات في المزارع وبعض القرى، وذلك لغياب المعايير التي على أساسها يصنف هذا شاعر وذاك ليس بشّاعر، متمنّياً أن تكون النّشاطات الأدبيّة على مستوى الوطن جميلة وممتعة ومعبّرة كما هو الوطن، ولا بد من الإشارة إلى أن القائمين على بعض المراكز الثقافيّة وإدارة تلك الأنشطة لا يملكون الذّائقة الأدبيّة للتمييز بين الغثّ والثمين».
أما تطور الصورة الفنّية للشعر العربي، فيعبر عنه قائلاً: «الشّعر في حالة تطور مستمر ولو لم يكن كذلك لاندثر ومات، وهناك تجديد في الصورة، لأن الصورة التي كان يرسمها شعراء العصر العباسي أو الجاهلي اختلفت الآن، فالصورة الفنية التي يعبر عنها الشّعر تحمل مضامين ذات أبعاد إنسانية أكثر دقة من ذي قبل، إضافة إلى أن الشّعر يواكب الحركة العمرانية والحضارية».
الشعر والجمال لا يفترقان، لكنّ الأقدر على جمعهما هو الغزل كما يوضح: «هناك أناس حتى الآن لا ينظرون إلى الشّعر إلا على أنه غزل وأنا أؤيدهم، لأن الغزل بمن تحب من طبيعة وأنثى ومحبوب ولوحة جميلة، كل هذا يحفز المشاعر والإحساس للتعبير عن ما هو جميل، وإذا لم يستطع الشّعر أن يعبر عن الجمال فليس بشعر، لأن الشّعر إن لم نقل الجمال عينه فهو نبضه».
صدر للأديب "علي إبراهيم" دواوين شعرية هي "رمال وذكريات"، "أباطيل الكلام"، "أنثى لظلّي" و"رقصة الموّال"، ومجموعتان قصصيّتان- "المقبرة" و"عين باذان"، والآن يعمل على إصدار مجموعة شعريّة جديدة ورواية قيد التنضيد.