من ذلك المجتمع الذي رآها أنثى قاصرة ضعيفة غير قادرة على الكتابة والإبداع، ومن تلك المنطقة الجميلة التي استغرب قاطنوها كيف يمكن لأنثى أن تكتب وتبدع، من منطقة "بانياس" ومن قرية "دير البشل" إحدى القرى الريفية الجميلة التي تتربع على تلة خضراء تحتضن البحر بناظريها خرجت الكاتبة والمعلمة "فايزة الداوود" لتستوحي من واقع حياتها اليومية كتاباتها الأدبية التي تميزت بالأصالة والجمال اللذين اكتسبتهما من طبيعة بلدتها الجميلة.
موقع eTartus زار السيدة "فايزة" في منزلها وحاول من خلال هذا اللقاء تعريف قرائه بأول أنثى كاتبة "روائية" في "بانياس" حيث تقول عن بداياتها مع الكتابة: «عانيت من نظرة المجتمع الريفي للأنثى، ولكنني صممت على تحقيق النجاح بالصبر الممزوج بالحزن على المجتمع الذي قلل من أهمية دورها».
عانيت من نظرة المجتمع الريفي للأنثى، ولكنني صممت على تحقيق النجاح بالصبر الممزوج بالحزن على المجتمع الذي قلل من أهمية دورها
وتضيف: «أستغرب من كل من يسأل: كيف تقرئين وتكتبين؟ ومتى بدأت القراءة؟ فإن لم أفعل ذلك ماذا سأفعل؟، هذا سؤال يثير استغرابي وتعجبي فلا يوجد تاريخ للكتابة والقراءة وأذكر أني كنت أقرأ كل قصاصة ورق أصادفها أثناء طفولتي».
ولأنه من المتعارف عليه أن للكاتب صفاته الخاصة وأن للأدب دوره في المجتمع فكيف ترى "الداوود" ذلك: «إن طينة الكاتب الحقيقي تختلف عن طينة الآخرين من الناس فهو يعيش حالة نسك دائمة مع كتاباته ومجتمعه الخاص، كما أن للأدب بكافة اختصاصاته الدور الأساسي في المجتمع إذا قرأ وكان له وجود في الحياة الاجتماعية للإنسان، فالأدب من ملحمة "جلجامش" حتى الآن يدير العالم نحو الكمال والجمال، وليس نحو الحروب وهو الواحة التي يلجأ إليها الناس بعيداً عن الحروب والمآسي وهو المخلص والخلود».
وتتابع: «لا يزدهر المجتمع ويتطور إلا بمتابعة القراءة والكتابة للتثقيف الدائم فالقراءة هي المتعة التي لا توصف ومنها الانطلاق إلى الآفاق الواسعة، والكتابة هي الحاجة التي لا يمكن العيش من دونها، وهي المغامرة التي تجوب من خلالها العالم وأنت في مكان نسكك وتستطيع صناعة تخيلات أجمل مما ستراه بالعين المجردة في تلك البلاد والتي سافرت إليها بالكتابة، فالقدرة على تخيل المكان قبل الذهاب إليه متعة ليس لها وصف».
بين الرواية والقصة تنوعت كتاباتها ولكنها فضلت الرواية لأنها ترى نفسها: «قادرة على إنجازها والتعامل مع فضائلها فهي عالم جميل ومدونة للعالم وهي تستوعبني أكثر من باقي الفنون الأدبية، فالرواية هي الابنة الشرعية للمجتمع لأنها تتناول جميع مشاكله خلال زمن طويل، والقصة هي الابنة الضالة التي تطالب بعودتها إلى المجتمع والقصة هي فن اللقطة الجميلة وإظهارها والحديث عنها».
وتضيف: «للرواية أشكال متعددة أكتب منها الملحمية التي تحتاج إلى ثقافة ميثولوجية حيث اطلعت على جميع الملحمات السابقة فأنا بنت حضارة الساحل الحضارة الفينيقية وروح المغامرة الموجودة لديهم في سفرهم عبر البحر».
وللرواية برأيها ثقافة وطريقة خاصة للكتابة: «الروائي يحتاج إلى ثقافة فسيفسائية متنوعة قزحية تتناول كافة أطياف الثقافات ليكون قادراً على كتابة رواية حقيقية، وهذا ما جعل الرواية مختلفة عن بقية الفنون الأدبية، حيث لا يمكن لأي شخص كتابتها لأنها الفن والجمال والثقافة التي تجعل متلقيها مسحوراً بها، وهذا ما كان السبب في خلود بعض الروايات».
وتضيف: «بعد الانتهاء من كتابة الرواية يخيم الحزن على جوارحي لمفارقة أفكارها وشخصياتها، فهم لم يعودوا لي وليسوا رفاقي بعد أن عشنا مع بعضنا لفترة فهم أناي الموزعة والمتأثرة بهم، ومجرد الحديث عنهم يولد الحزن لفراقهم فهم أخذوا شيئاً من ذاتي».
وعن القوة الروحية التي تمدها بها نصوصها الأدبية تقول: «أشعر أن لدي قوة روحية قادرة على صناعة المعجزات وهي نصوصي الأدبية ورواياتي فلدي ستة دواوين والسابع قيد الطباعة ولدي مئتا مقالة أدبية وهو حصاد ليس بقليل، وأعتبر كل ديوان يطبع ويظهر إلى العالم ويرى النور كطفلي الذي يحتاجني وأحتاجه».
لقراءاتها ومطالعتها دور في طريقة تعاملها مع أسرتها وطلابها حيث تقول: «اكتسبت من خلال القراءة والمطالعة طريقة مبتكرة للتعامل مع طلابي في المدرسة وتوجيههم ليكونوا نافعين في المجتمع خاصة أننا في عصر فقد فيه طفلنا أصالته وأخذ أصالة جديدة من التلفزيون والانترنت، أما أسرتي فقد وجهتها إلى القراءة للتثقيف والمطالعة وزيادة المعرفة».
وختمت الكاتبة وصف تجربتها الأدبية بقولها: «تجربتي في حالة تطور دائم لأن الكاتب يقرأ أكثر مما يكتب ليغني ثقافة العقل لديه، وأنا ما زلت طفلة في بداية الطريق ولم أقرأ أو أكتب كفايتي فالسنين هي رواية وليست أياماً وشهوراً وأتمنى العيش لإنجازها».
يشار إلى أنه صدر للكاتبة عدة دواوين وهي "طريق العودة" و"العرمط" و"رجل لكل الأزمنة" و"جنة عدم" ومجموعتان قصصيتان هما "ثم اعترفت" و"رجل والرغبة الأخيرة" ومجموعة قصصية قيد الطباعة.