بدأ الأديب "غسان كامل ونوس" حياته الأدبية بسؤالٍ كان يحيره كثيراً وما زال، وهو: ماذا سيحدث إن لم تكن هذه الحياة موجودة في الكون؟ حيث جعله هذا السؤال أمام فراغٍ هائل، وكان واثقاً أنه لا يوجد أحد قادر على أن يعطيه جواباً كافياً، الأمر الذي جعله يتعلق بالفلسفة ومطالعة الكتب الفلسفية المتنوعة والروايات التي تهتم بالفلسفة، ومن هنا كان عليه الإبحار في أجناس الأدب، فكتب القصة والرواية والبحث والدراسة والشعر لعله يجد ضالته.
موقع "eSyria" كان في رحلة مع عالم الكاتب والأديب "غسان كامل ونوس"، وفي بداية لقائنا سألناه عن قريته التي أخذت جانباً واسعاً من كتاباته وفكره، فقال: «تعتبر قرية "الصليب" الرحم الثاني بعد الولادة بالنسبة لي، وهي كأي بيئة تعطي للمرء عاداتها ومعارفها وأفكارها وسلوكياتها واهتماماتها التي تشغل بال الكائنات الموجودة فيها، فهي قرية صغيرة وعدد سكانها لم يتجاوز خمسمائة نسمة، وتقع في إحدى سفوح الجبال الساحلية، حيث الفقر الشديد والمعاناة في تأمين حاجات الحياة الضرورية السائدة في تلك القرية، إضافة إلى بيوتها التي كانت قائمة على الطين والحجارة ومحاطة بظروف وشروط تضاريسية ومناخية قاسية، فتفتحت عيناي منذ ولادتي على هذه المعاناة».
الشعر له أدوات ليست سهلة على الإطلاق، وليس كل ما يُكتب على أنه شعر هو كذلك، فهناك كلام استهلاكي وعبارات تتصف بالسطحية ولا تطرح شيئاً جديداً، قد يتحول الشعر إلى مباشرة وتقريرية، فلا يكفي اتجاه واحد في الكتابة أو معرفة عدد كبير من العبارات أو حفظ أبيات عن ظهر قلب كما كان يقال في السابق لتكون شاعراً، لابد من إغناء الحالة الفكرية بكل أنواع المعرفة كي تصبح العبارة التي تقرأها تشعرك بأن صاحبها مبدع وخلاق
ويتابع" ونوس" بقوله: «ضمن هذه البيئة التي تعاني من جبروت الطبيعة وحاجات العيش وافتقارها للبنية التحتية كان هنالك إصرار شديد على التعلم واهتمام بالثقافة، وقد تستغرب أنه في تلك القرية كانت رواية واحدة تتنقل من بيت إلى بيت ليقرأها كل أفراد القرية، وعند وصولي إلى المرحلة الإعدادية كنت قد قرأتُ سبعة عشر جزءاً من ملحمة "سيف بن ذي يزن" و"تغريبية بني هلال" وبعضاً من الأساطير اليونانية والشرقية القديمة، كما دفعني للقراءة وشجعني عليها أخي "محمد" الذي كان طالباً في كلية الآداب، ومن هنا نشأت علاقتي باللغة العربية والاطلاع على الثقافة والأدب»
"ونوس" له تجربة أدبية طويلة، فهو لم يتوقف عند جنس أدبي محدد، بل تنقل ما بين الشعر والرواية والقصة القصيرة، وعن هذا التنوع يقول: «إنني أرى تعدد الأجناس الأدبية ثراء وإبداعاً وصقلاً لتجربة وموهبة الكاتب، صحيح أنني أكتب القصة القصيرة، ولكن الصحيح أيضاً أن كتابة الرواية والشعر ترافقت مع النصوص القصصية الأولى، ربما تأخرتُ في نشر الشعر والرواية قليلاً كمجموعات، وهذا الأمر يعود حسب انشغالي في كل جنس أدبي، ففي بعض الأحيان أرى أن بعض الموضوعات يمكن أن تقدمها القصة بشكل أفضل من الرواية، خاصة عندما تكون الفكرة محددة الملامح فتلجأ إلى القصة القصيرة، أما في الرواية فهناك إمكانية امتداد زماني وتنوع مكاني ليس منطقياً بالضرورة، حيث تسمح حسب خيار المؤلف بتناول موضوعات عدة تخدم المحور الأساسي، وهذا يتوقف على الموهبة والخبرة والتوفيق في الأداء».
ولأن الشعر حالة إبداعية تأتي في أوقات لا يمكن التنبؤ بها، وتحتاج إلى لحظات ليعبر بها الشاعر عن نزواته وانفعالاته وعوالمه الداخلية والخفية، يذهب "ونوس" في وصفه لتلك اللحظات الشعرية بقوله: «أنا لم أدّعِ يوماً بأنني شاعر، أكتب الشعر عندما توقعني الجملة والمفردة في دائرة الرتم والموسيقا، فأطرب لها وأكتب ليس أكثر، لكنني أعتبر الشعر أرقى مراتب الإبداع والذي سيبقى ديوان العرب والأقدر على التعبير عن اللحظة والتجاوب الأسرع مع الحدث، ونحن كمجتمع عربي تعودنا على سماع الشعر والإصغاء ثم إطلاق الاستحسان من خلال الوقع الموسيقي وروعة الكلمة وجمالية الصور، وهذا ما نفتقده الآن كثيراً وسط الكمّ الكبير من الشعراء المدّعين وهم بالحقيقة أشباه شعراء، والشعر منهم بريء، وهم المسببون لغياب الشعراء الحقيقيين».
ويضيف "ونوس": «الشعر له أدوات ليست سهلة على الإطلاق، وليس كل ما يُكتب على أنه شعر هو كذلك، فهناك كلام استهلاكي وعبارات تتصف بالسطحية ولا تطرح شيئاً جديداً، قد يتحول الشعر إلى مباشرة وتقريرية، فلا يكفي اتجاه واحد في الكتابة أو معرفة عدد كبير من العبارات أو حفظ أبيات عن ظهر قلب كما كان يقال في السابق لتكون شاعراً، لابد من إغناء الحالة الفكرية بكل أنواع المعرفة كي تصبح العبارة التي تقرأها تشعرك بأن صاحبها مبدع وخلاق».
ينطلق الكاتب والأديب "غسان كامل ونوس" من الأفكار التي تتمحور حول كائن إنساني ليسرد به الأحداث والأفعال والبناء الفني لأعماله، فيقول في هذا الصدد: «يهمني بالدرجة الأولى هذا الكائن الإنساني في علاقاته وتساؤلاته مع الحياة، وحين تنحصر الحياة المادية للكائن بين بكاءين: بكاؤه عند الولادة والبكاء عليه عند الموت، فهذه الحياة لا يمكن أن تمر دون أن يفكر الإنسان بما حوله، وهذا جزء أساسي في موضوعاتي وأعمالي الأدبية، إذ أتناول مسيرة هذا الكائن العاقل مع الحياة وعلاقته مع البشر والطبيعة والكائنات التي فيها، وهذه العلاقة تكون في الأغلب شائكة ومعقدة، فهناك قضايا تتصف بالمعاناة أطرحها في مشروعي الأدبي، فالإبداع أصله حزين بمعنى عندما أكتب لاأكون فرحاً، والكتابة هي تعبير حقيقي عن المعاناة التي أعيشها ويعيشها غيري».
في نهاية اللقاء سألناه عن حال الأدب في سورية وهو يشغل منصب رئيس فرع اتحاد الكتاب في "طرطوس"، فأجاب: «الأدب في سورية مقبول إلى حد ما، وفيه سمات هامة وهو عدم وجود تيارات متناقضة فيما بينها، هناك كتّاب لديهم خلفيات متباينة ومتعارضة حول رؤيتهم للأدب، إلا أنه في كل الأحوال لا تصل إلى مرحلة العراك والصراع، وهذه النقطة إيجابية لصالح الحركة الأدبية والفنية في سورية، لكن هناك مشكلة تتعلق بالكتّاب حول المعارك التي تدور بين الأشياء البسيطة والشخصية أكثر بما تدور على القضايا النقدية والفكرية في الأدب، يجب على الأدباء والكّتاب أن يستمعوا لما يقال عن أدبهم وليس لما يقال عن شخصياتهم».
الجدير بالذكر أن "غسان كامل ونوس" من مواليد 1958 من قرية "الصليب" في مدينة "صافيتا" وحاصل على إجازة في الهندسة المدنية، ويكتب الشعر والقصة القصيرة والرواية، له أكثر من عشرين إصداراً ما بين أجناس أدبية مختلفة، وحالياً يشغل منصب رئيس تحرير مجلة "الآداب العالمية" التي يصدرها اتحاد الكتاب العرب.