كتب قصصه ورواياته من واقعه القروي ومجتمعه الريفي الذي أمده بالكثير من الشخوص والرؤى، فأبحرت في فضاء الكلمة والتعبير الصريح لأفكاره التي أطلق لها العنان لتعانق الصفحات البيضاء في أربع مجموعات قصصية وروايتين، فهذا هو الأديب "محمود حسن" من قرية "الملاجة" ابن بيئته الريفية وطبقته المتوسطة.
موقع eSyria التقى الأديب "محمود حسن" بتاريخ "10/6/2011" ليحدثنا عن بداياته الأدبية فيقول: «منتصف الستينيات أوفدت ببعثة إلى "جمهورية مصر العربية" من خلال عملي في القوات البحرية السورية، وهناك تعلمت الكتابة عبر كتابات الزوايا الصحفية ومن ثم المقالات الصحفية بمساعدة العديد من الأصدقاء المصريين، وعندما عدت إلى "سورية" بدأت بكتابة القصة، وأنتجت أربع مجموعات قصصية، وفي رابعتها كانت البداية لكتابة الرواية، فكتبت رواية "الاغتصاب" ومن ثم رواية "بروق" الواقعية حتى في أسماء شخصياتها، فالواقع الاجتماعي المحيط بي هو ملهمي ومحرك أفكاري».
وفي كلتا الحالين أي كتابة القصة أو الرواية تكون شخصيات الرواية أو القصة هي شخصية الكاتب، وهنا تبرز قدرته على تقمصها والعيش خلالها وتصور حالاتها ورؤاها رغم تعددها وتكثيفها في الرواية
وعن عناوين قصصه التي كتبها يقول: «لدي أربع مجموعات قصصية هي "موت العم حامد" و"مشاهد من هذا الزمن" و"الأشباح" و"محاولة للخروج من الموتى"، وهي في اغلبها قصص واقعية من مجتمعي القروي الذي لم يغب يوماً عن مخيلتي وأفكاري رغم إقامتي للكثير من سنوات عمري خارجه».
ويتابع: «أنا من أسرة مثقفة ومتعلمة وكانت ورثة والدي لنا مجموعة قيمة من الكتب شكلت بمجملها مكتبة ضخمة يحلم بها أي عاشق للكتاب، وهي سبب ثقافتي وعشقي للأدب والكتاب، فلم أترك كتاب فيها إلا وقرأته، وما دفعني للكتابة دعم كبار المثقفين والكتاب في "مصر" وأهمهم رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" لي وتشجيعهم لي على الكتابة واستثمار طاقاتي الكامنة وموهبتي وثقافتي التي امتلكتها».
وعن تعريفه للأدب بالنسبة له يقول: «يدخل الأدب في مضمون الثقافة بشكل عام فلولا الثقافة والأدب لم تنشأ الحضارات القديمة والمعاصرة، فالثقافة لدي هي حوار الحضارات والتعرف على مضمون كل حضارة من الناحية التاريخية والفكرية والاجتماعية والسياسية، وهذا ما حاولت العمل عليه في أدبي قصة كان أم رواية، ومن هنا يمكنني القول إن الأدب جامع بين موهبة وعلم واعشقهما معاً، فلا يمكن لأديب أن يكتب إن لم يكن لديه موهبة، ولا يمكن لأديب أن يبدع إن لم يتثقف ذاتياً باطلاعه على الكثير من الثقافات والتاريخ والجغرافية للمجتمعات الأخرى».
ويتابع: «فحوار الحضارات أظهر لدي مجموعة شخوص من الواقع ظهرت من العوالم النفسية والواقعية وما كان علي سوى بلورتها والانطلاق في فضاءاتها من خلال علاقتي ومعرفتي الدقيقة بالواقع بكافة جوانبه، وخاصة واقعي حيث أقمت وعشت».
لقد كان لبيئة الأديب "محمود" وهي قرية "الملاجة" دور كبير في أدبه، وهنا يقول: «لقد تميز مجتمع قرية "الملاجة" أدبياً وثقافياً وأكاديمياً واجتماعياً منذ سنوات عدة من أيام آبائنا واجدادنا حيث كانوا من أول مدرسي اللغة العربية في المنطقة، وهذا ما كان له الأثر الإيجابي على المناخ العام للمجتمع وأفكار أبنائه وتوجهاتهم الفكرية والأدبية والعلمية وكان لنا الشرف أن نكون منهم وأن ننعم بهذه البيئة الفكرية الغنية ويتقد فيّ الأدب وأفكاره وشخوصه».
الكاتب كالبئر يحتاج دوماً إلى تجميع المياه ليبقى منهلا ومصدرا للعطاش والقراء، والقراءة المستمرة هي ماؤه الدائم الذي يواظب على تجميعه من خلال المطالعة لحوالي ثلاث ساعات يومياً.
وعن الفرق بين كتابة الرواية وكتابة القصة يقول: «كتابة الرواية أسهل من كتابة القصة لأن القصة تحتاج إلى تكثيف مقارنة بالرواية، فهي تملك فضاءها الواسع وشخصياتها الكثيرة التي يمكن تحريكها ضمن هذا الفضاء الواسع، إضافة إلى أنها تملك الجملة الفصيحة، على عكس كتابة القصة التي تحتاج إلى الجملة المكثفة والقصيرة المعبرة التي تعتمد على الزمن اللحظي، والثقافة والموهبة لدى كاتبها».
ويتابع: «وفي كلتا الحالين أي كتابة القصة أو الرواية تكون شخصيات الرواية أو القصة هي شخصية الكاتب، وهنا تبرز قدرته على تقمصها والعيش خلالها وتصور حالاتها ورؤاها رغم تعددها وتكثيفها في الرواية».
وفي لقاء مع الشاعر "محمد حمدان" أوضح لنا القيمة الإيجابية التي يتطلع لها الأديب "محمود" من خلال كتاباته الأدبية، حيث قال: «هذه القصص التي يبدعها الأديب "محمود" مستخلصة من الواقع ومعاناة الإنسان في هذا الواقع، ومن معاناة الكاتب بذاته والإشكالات التي يتعرض لها في مجتمعه وبيئته ومحيطه، أي إن شخوصه شخوص اجتماعية وأقرب إلى الواقعية منها إلى المتخيل، وهذه الشخوص تتفاعل فيما بينها بشكل هادف فتؤدي إلى خلق حالة راقية تعطي الجمالية الحقيقية، ما يجعلنا نتأكد بأن الكاتب يعيش قضايا شخوصه ويعبر عنها أو يحركها باتجاه أفكاره التي يؤمن بها».
ويتابع: «هنالك إشكالية عند بعض المثقفين تتعلق بالحالة النفسية والإنسانية التي يعيشها المثقف، فأحياناً تكون كتابات الكاتب تعبير عن حالة ذاتية قبل أن تكون تعبيرا عن حالة تكوينية عامة وشاملة، والفكر السوداوي أحياناً موجود وأحيانا مجير، وأحياناً ينطلق من منطلقات ذاتية ويعمم ليكون أكثر شمولية، وفي الحقيقة نحن نعبر عن ذاتنا حين نستخدم الآخرين أدوات في التعبير بكل أسف».
يشار إلى أن الكاتب "محمود حسن" (عام 1938) من قرية "الملاجة" التابعة لمدينة "الدريكيش" وشارك في العديد من المسابقات وحصل على العديد من الجوائز ومنها، مسابقة القصة القصيرة التي أعلنت عنها جريدة "الثورة" في عام /1974/ وشارك بقصة "التابوت" وحصل على المرتبة الثانية، ومسابقة القصة الوثائقية التي أعلنت عنها جريدة "البعث" في عام /1979/ وشارك بقصة "الاغتصاب" وحصل على المرتبة الأولى، ومسابقة أعلنت عنها جريدة "البعث" عام /1981/ وشارك بقصة "عائلة المرزوقي" وحصل على المرتبة الأولى، ومسابقة أعلنت عنها "المنظمة الفلسطينية" عام /1987/ وشارك بقصة "المزاد" وحصل على جائزة قيمة.