قبل أن تنشأ قرية "الباصية" بزمن بعيد أصبحت المغارة المعروفة باسمها موئلاً روحياً ومزاراً هاماً للكثيرين من مدينة "بانياس" وخارجها، فقد اكتسبت على مر السنين قدسية خاصة من خلال ما يرويه أبناء المنطقة وأسلافهم قبلهم عن لجوء السيدة "العذراء" إليها لطلب الراحة.
للوصول إلى هذه المغارة اجتاز موقع eTartus المسافة المقدرة بحوالي كيلومترين إلى الجنوب من مدينة "بانياس"، في الوقت الذي جاء فيه زوار من بلدة "الروضة" لزيارتها، أكدوا لنا أنّ الكثيرين من أهالي القرى المجاورة يزورون هذه المغارة للتبارك.
كان عدد المنازل هناك قليلاً جداً، فقد كانت قرية "العديمة" المجاورة الأكثر سكاناً، لكن فيما بعد ازداد البناء تدريجياً في قرية "الباصية"
منذ أكثر من خمسين عاماً تسكن السيدة "أمينة ياسين" في الجوار، وهي من أكثر العارفين بالاهتمامات حول المغارة منذ ذلك الحين، تقول: «مضت إحدى وخمسون سنة على إقامتنا هنا، وبالنسبة لهذه المغارة يعرفها أجدادنا ومن سبقهم أيضاً منذ وجودهم على هذه الأرض، جميعهم تحدثوا عن قدوم السيدة "العذراء" إليها واستراحتها فيها.
قام الأب "ستيفان سالم" في فترة الخمسينيات بشراء هذه الأراضي وبناء هذه الكنيسة، وذلك قبل قدومنا إلى هنا بحوالي عامين، كان مقيماً في محافظة "اللاذقية" وأراد بناء دار للعجزة في نفس هذا المكان لكنه توفي قبل أن يقوم بذلك».
لا تتجاوز مساحة المغارة أبعاد غرفة صغيرة، أما عن زوارها فتضيف: «يزور المغارة أناس من مختلف المناطق ومن الديانتين المسيحية والمسلمة، وقد أقمنا بعض المرافق مثل الطاولات الحجرية من أجلهم، حيث يأتي بعضهم بالذبائح إليها من مدينة "بانياس"، ومحافظتي "طرطوس" و"اللاذقية" وغيرها».
طابع أثري للموقع ومكانة دينية يقول عنها الأب "الياس فارس" قائلاً: «تحتاج هذه المغارة إلى تبني إحدى الجهات وإلا تحول الأمر إلى موضوع تجاري، وحتى الآن تأخذ الزيارات إليها طابعاً شعبياً دون وجود كاهن.
تقام فيها أعراف دينية وصلاة خلال فترة شهر أيار أو "الشهر المريمي"، وفي الثامن من أيلول أيضاً تقام احتفالات شعبية هناك بمناسبة ميلاد السيدة "العذراء"، وقد ازدادت ثقة الكثيرين ومنهم أهالي القرى المجاورة بالمزار، وخاصة بعد شفاء بعض المرضى ذوي الإيمان من خلال زيارتهم للمغارة».
عرفت المغارة في الماضي طقوساً وأعرافاً دينية أكثر تنوعاً يضيف عنها: «كانت تقام القداديس والصلوات بحضور الكثير من الحشود والوفود من ضمن المدينة والقرى المجاورة مثل بلدة "الروضة" وقرية "الفيحاء"، وما زلت أذكر أعدادهم التي تزدحم بها الطريق المؤدية إلى المغارة حين كنا أطفالاً، واستمرت إقامتها حتى فترة الستينيات حيث قلّت تدريجياً لغياب الاهتمام الكافي، وقد طرحنا موضوع تبني المزار على "المطران" وعلى الكنيسة المارونية قبل حوالي عشرين عاماً، لكن لم نلق تجاوباً يذكر».
لم يكن بناء الكنيسة المجاورة للمزار بالنسبة للشيخ "مصطفى لولو" حادثة عابرة، فهو يذكر أهم التفاصيل، خاصة وأنّ نحت حجارتها يتطلب جهداً ووقتاً، يوضح عن تلك المرحلة قائلاً: «كان الحصول على الحجارة يتم من نفس المكان، فكانت توجد الكثير من الصخور في تلك الأراضي على عمق عدة أمتار، وبما أنها تقطع بأشكال عشوائية كانت تحتاج إلى جهد إضافيّ من أجل الحصول على أبعاد دقيقة لها، فلم تكن توجد أنواع الحجارة الحالية».
التزايد العمراني في القرية لاحقاً، يفسر صعوبة حصول الأب "ستيفان سالم" على المزيد من الأراضي، كما يؤكد الشيخ "مصطفى" قائلاً: «كان عدد المنازل هناك قليلاً جداً، فقد كانت قرية "العديمة" المجاورة الأكثر سكاناً، لكن فيما بعد ازداد البناء تدريجياً في قرية "الباصية"».