ما تزال إزالة "قصر تحوف" من خارطة مدينة "بانياس" من أكثر القصص إثارةً للجدل؛ فالبناء المعروف كأحد أقدم المنازل في المدينة تعتبره "دائرة آثار طرطوس" ذو طابعٍ أثريّ، وربما تساءل الكثير من أهالي المدينة بمرورهم من أمامه مراراً عن مكامن دلائله الأثرية.
"أوّل البلد" هو الاسم الذي يطلقه الأهالي على المنطقة التي يقع فيها هذا البناء لقربها من الشاطئ، فشهرته كانت تتعلق بالقدم والموقع للكثيرين، أما التفاصيل عن هذا البناء فهي لدى قلّة من العارفين، ومنهم "عبد الرحمن الجندي" مدير موقع "بانياس والساحل" الذي ينقل لموقع eTartus ما يقوله آل "تحوف" عن طراز هذا البناء وتاريخه: «يعدّ "قصر تحوف" من بقايا الحقبة العثمانية ويمثّل نموذجاً معمارياً كاملاً للعمارة العثمانية في ذلك الوقت.
زارت اللجنة الموقع وعاينت البناء من الناحية الإنشائية والتنظيمية، ووضع الشاغلين في حال وجودهم، وعلى هذا الأساس كتبت تقريرها وصدقته من "نقابة المهندسين" وقدمته إلى مجلس المدينة
كان الطابق الأول منه بمثابة نزل لاستقبال الضيوف وخصوصاً الدبلوماسيين منهم، حيث زاره أبناء السلطان "عبد الحميد"، السياسي "أنطون سعادة"، الرئيسين "أديب الشيشكلي" و"هاشم الأتاسي" وإعلاميين أجانب، أما الطابق الثاني فكان مخصصاً لأصحاب المنزل».
ويضيف: «كانت ملكية البناء تعود إلى أحد الملّاكين المعروفين في المدينة واسمه "عبد القادر تحوف"، والمعروف عنه حصوله على أوسمة من السلطان "عبد الحميد" لدوره في الوقوف في وجه محاولات اليهود للسيطرة على "فلسطين"، كما عرف عنه دعم الثوار ضد الاستعمار الفرنسي حيث حصل على شكر خطي منهم لتعاونه معهم».
في نهاية الشهر الخامس من العام الماضي تمّ هدم البناء من قبل أصحابه الحاليين، و"عبد الرحمن الجندي" كان من المهتمين بمعرفة الأسباب وكيفية السماح بذلك بالرغم من الشأن التاريخي والمعماري الذي حدثنا عنه، ويصف الجهود المبذولة من قبله بأنها لم تذهب سدى، لكنّ نتائجها بحسب رأيه ما تزال غير كافية حتى الآن: «قمت بمراسلة كافة المواقع السوريّة الرسمية وغير الرسمية التي يزيد عددها عن خمسين موقعاً والاتصال هاتفياً مع بعضها، فمنها من استجاب ونشر الخبر ومنها من أجرى تحقيقاً مفصّلاً حول الموضوع، إضافة إلى إرسال بعثات تلفزيونية من قبل الفضائية السورية وقناة "المشرق" للتقصّي، كما نشر الخبر في جميع الصحف الرسمية».
توضيح ملف البناء المعروف حظي بمزيد من الاهتمام، لكن يبدو أنّ توقّعات الأطراف المهتمة لا تقبل تقليص أهمية الحدث مع وجود دلائل أثريّة واتجاه المسألة لتأخذ منحى ظاهرة جديدة، يتابع الجندي: «تواصلت مع "وزارة السياحة" لإرسال الملفات المطلوبة من صور توثيقية ومقطع فيديو، إضافة إلى المراسلة والتنسيق مع بعض الجمعيات الأهلية المهتمة بموضوع الآثار لمتابعة الموضوع، ولاحقاً وصلنا من "مجلس الشعب" كتاباً حول متابعة الموضوع مع "وزارة الثقافة"».
بالحديث إلى المالكين الرسميين للبناء، يوضح لنا السيد "مصطفى الأعسر" المزيد قائلاً: «تعود ملكية هذا البيت إلى المرحوم "عبد القادر تحوف"، حيث ورثه عنه أبناؤه "نديم، شفيق وحسين" وبناته، وبعد وفاة "شفيق" بقيت حصّته لإخوته، أما حصّة "حسين" فبقيت لأبنائه، في حين انتقلت حصة "نديم" إلى الورثة الشرعيين من إخوته وأبناء أخيه وغيرهم».
أما عدم بقاء ملكية البناء لآل "تحوف" فقد يكون لأهميّته الأثرية، أو أنّ صرف النظر عنه كان بسبب بعض المعوقات المادية، كما يبيّن "الأعسر": «باع جميع الورثة حصصهم منذ مدة طويلة، وأصبحت ملكية البناء تعود لآل "الأعسر" وآل "عثمان"، ثم حصلت المبادلة بينهما بحيث اختصّ آل "الأعسر" بهذا العقار.
بالنسبة للبناء لم توجد فيه عقد تدل على قدمه، كما أنّ سقفه كان من الإسمنت ويحتوي على قضبان وجسور من الحديد، أما الطابق الثاني منه فهو متصل بدرج خارجي أضيف إليه بعد فترة طويلة من بناء الطابق الأرضي».
وبحسب السيد "مصطفى الأعسر" فقد تمت عملية الهدم بعد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة، أما اللجنة المختصة باتخاذ قرار الهدم فكانت من مجلس المدينة دون الرجوع إلى "دائرة الآثار" كما يبيّن: «قمنا بهدم العقار لأنّه أصبح مهجوراً ومأوى للمنحرفين، حيث تقدمنا بطلب رسمي من مجلس مدينة "بانياس"، فتمّ تشكيل لجنة من عدة مهندسين من البلدية لدراسة وضع العقار وتمت الموافقة.
علماً أننا قدمنا كتاباً مسجلاً عند كاتب العدل بخلو العقار من الساكنين، ولدينا كافة الوثائق الرسمية بهذا الخصوص بالإضافة إلى المتعلقة بموافقة الهدم».
ثلاثة أطراف معنية بحسب مجلس المدينة، وبالتالي لجنة من ثلاثة مهندسين منهم المهندس "مصطفى شيخة" الذي يوضح: «تم تشكيل اللجنة بأمر إداري من قبل مجلس المدينة، وعيّن فيها ممثل البلدية وممثل المالك، كما طلب من "نقابة المهندسين" تعيين مندوبها، ثم اجتمعت اللجنة ودرست أوراق الإضبارة كاملة من حيث الصلاحيات والإشارات المقررة على بيان القيد».
والمطلوب من اللجنة بحسب تعبيره: «زارت اللجنة الموقع وعاينت البناء من الناحية الإنشائية والتنظيمية، ووضع الشاغلين في حال وجودهم، وعلى هذا الأساس كتبت تقريرها وصدقته من "نقابة المهندسين" وقدمته إلى مجلس المدينة».
ومن نتائج دراسة وضع العقار كما يضيف المهندس "مصطفى": «من الناحية الإنشائية البناء متهالك وغير قادر على حمل نفسه، كما أنّ الموقع منظّم تجارياً ويسمح فيه ببناء خمسة طوابق كحد أدنى، كما أنّ وجود سمات أثرية للعقار يجب أن يثبت على صحيفة العقار من قبل الدائرة المختصة».
خلال أسابيع قليلة من هدمه أصبح "قصر تحوف" أشهرَ من أيّ وقت مضى، أما بشأن الأبنية المماثلة فصدر تعميمان من قبل السيد المحافظ في العام الماضي، الأول في شهر حزيران وموجه إلى كافة الدوائر الرسمية في المحافظة من أجل التنسيق مع "دائرة الآثار" قبل هدم أي بناء يحوي سمات أثرية.
والثاني في شهر تموز وموجه إلى كافة الوحدات الإدارية والبلديات؛ يقضي بتنفيذ مضمون كتاب السيد وزير الثقافة المتضمّن طلب الإيعاز بعدم هدم أيّ بناء قديم تجتمع فيه خصائص فنية ومعمارية هامة، وكذلك الجوامع والكنائس المعقودة بالحجر والمقامات القديمة والمدافن بالإضافة إلى البيوت العربية والأقبية الحجرية قبل الحصول على موافقة السلطات الأثرية.
وكما ينصّ التعميم فيجب التقيد بالحصول على موافقة المعنيين في "المديرية العامة للآثار والمتاحف" قبل تنفيذ أعمال هدم في الأبنية أو المواقع ذات الطابع الأثري ومتابعة الموضوع والتحقق من التنفيذ دورياً.
علماً أنه توجد تعاميم مماثلة لتنفيذ نفس المضمون في عام 2006 بناء على كتاب "دائرة الآثار" ثمّ بناء على كتاب "المديرية العامة للآثار والمتحف" في نفس العام أيضاً.