كانت ومازالت المنارة العلمية التي ينهل منها كل محب للثقافة والرفعة العلمية، افتتحت في أواخر العشرينيات من القرن العشرين، فكانت مهداً احتضن العديد من كبار رجال الثقافة والعلم- الذين نفتخر بهم في وقتنا الحاضر- من مختلف المحافظات.
"كلية بانياس الوطنية" المدرسة الوحيدة في بانياس التي كانت تمنح طلابها الشهادة الثانوية وفق المناهج العربية والفرنسية.
كان يوجد فرق بين الشهادتين الفرنسية والسورية، حيث كانت البكالوريا الفرنسية بكافة مقرراتها تعطى باللغة الفرنسية، في حين كانت البكالوريا السورية تعطى مقرراتها باللغة العربية
السيدة "ناديا ديب" أحد من عاصر هذه المدرسة تحدثت لموقع eSyria بتاريخ "25/4/2011" عن أهمية هذه المدرسة في تلك الفترة فقالت: «لقد جمعت مدرسة "كلية بانياس الوطنية" طالبي العلم والثقافة من "دمشق" إلى "اللاذقية" ومختلف المحافظات الأخرى، وفق نظام سكن داخلي، ومنهاج تدريسي يمنح نوعين من شهادات البكالوريا، أحداها "سورية" والأخرى "فرنسية"، فقد كانت محط أنظار الجميع، ومنهم الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" الذي زارها في عام /1958/، إضافة إلى أنها المدرسة الوحيدة التي منحت الشهادة الثانوية، على خلاف المدارس الأخرى ومنها الحكومية التي كانت تمنح الطالب شهادة "السرتفيكا" فقط».
لقد كانت احد أهم ثلاث مدارس في "سورية"، وهنا تقول: «لقد بنى الأستاذ "يوسف الباني" أو من كان يعرف في تلك الفترة بـ"المعلم يوسف" هذه المدرسة على حسابه الخاص بهدف نشر الثقافة والعلم في زمن لم يستطيع احد الحصول فيه على العلم وفق مناهج محدثة ومتطورة مقارنة مع المناهج المتاحة في تلك الفترة، لتكون إحدى ثلاث مدارس مهمة في "سورية"، فلم تكن أقل أهمية وقيمة ثقافة من معهد "عنبر" في محافظة "دمشق"، الذي خرج الكثير من المثقفين والعلماء في تلك الفترة».
وعن تاريخها وكيف بدأت تقول السيدة "ناديا": «مع أواخر العشرينيات وبداية الثلاثينيات بدأت "كلية بانياس الوطنية" مسيرتها التعليمية، وذلك من بناء مستأجر مقابل المجمع القضائي الحالي عند الدوار الشمالي لمدينة "بانياس"، وكانت عبارة عن شقتين متلاصقتين أمامهما فسحة طبيعية خضراء، استقبلتا الطلاب على مدار عامين أو ثلاثة فقط، ريثما تم الانتهاء من تشييد البناء الأساسي للمدرسة والكائن على بعد /100/ متر شرقي المركز الثقافي الحالي».
وتتابع: «لقد بدأ "المعلم يوسف" ببناء المدرسة الأساسية في عام /1926/، بإشراف مهندسين من الطليان، مقيمين في محافظة "اللاذقية"، وفق نظام طابقي يتألف من طبقتين مساحة كل منهما أكثر /200/ متر مربع، فكان الطابق الأول مخصص للصفوف التعليمية والإدارة وغرفة الناظر، في حين كان الطابق الثاني مخصص للسكن الداخلي للطلاب والمدرسين من خارج المدينة، لأن المدرسة كانت تدخل الطلاب إلى صفوفها ابتداءً من المرحلة الابتدائية وما فوق».
الأستاذ "عصام الباني" أحد طلاب هذه المدرسة، يقول: «كانت مدرسة "كلية بانياس الوطنية" تعطي المناهج التدريسية وفق النظام الفرنسي، وكان مدرسوها من "سورية" و"لبنان" وقد جمعت طلابا من جميع المحافظات "السورية" أمثال الحقوقي "بطرس ديب" و"أنطون ديب" و"ريمون ديب" و"غسان جديد" و"فؤاد جديد" والسفير "جهاد عزيز بيك هواش" والمرحوم القائد "حافظ الأسد" و"عزيز عبد الكريم" و"محمد سعيد خدام" وغيرهم الكثيرين».
الأستاذ "عبد الرحمن إمام" وفي حديثنا معه في معرض تصوير قام به المختار "منصور محمد" وجمع بين طياته صورا توثيقية لمدينة "بانياس" ومن ضمنها هذه المدرسة، قال: «أعتقد أن أول دورة لشهادة البكالوريا في "كلية بانياس الوطنية" قد منحت بتاريخ /1937/، وقد كانت بنموذجين أو نوعين من الشهادات الثانوية، وهي "بكالوريا سورية" يقدم ملتحقوها الامتحانات الخاصة بها في المدرسة ذاتها، و"بكالوريا فرنسية" امتحانها في "بيروت"، وفقاً لإقامة المندوب السامي الفرنسي هناك، وكانت الامتحانات على مرحلتين، المرحلة الأولى شفوية، والمرحلة الثانية كتابية، فمن ينجح في الامتحان الشفوي يخضع للامتحان الكتابي، ومن لم ينجح فإنه يعاود التقديم مرة أخرى وفقاً لدورة استثنائية يعمل بها شهر "تشرين الأول"، أي قبل افتتاح المدارس».
ويضيف: «كان يوجد فرق بين الشهادتين الفرنسية والسورية، حيث كانت البكالوريا الفرنسية بكافة مقرراتها تعطى باللغة الفرنسية، في حين كانت البكالوريا السورية تعطى مقرراتها باللغة العربية».
الصيدلاني "زهير الباني" قال: «اعتمدت المدرسة على نظام ترفيهي أعطى الحيوية الدائمة للطلاب، وخاصة للمقيمين فيها داخلية، وذلك من خلال الرحلات الترفيهية والعلمية للطبيعة، وإقامة بعض المباريات الرياضية بواسطة فريق كرة القدم المشكل فيها من طلابها، إضافة إلى حضور بعض العروض المسرحية كمسرحية "العمرين"».
وبالعودة إلى السيدة "ناديا ديب" قالت: «تميز الكادر التدريسي والإداري والعمالي بالمدرسة بالتخصص، فلكل مدرس أو موظف مهمته الخاصة، حيث كان يوجد فيها ناظر مسؤول عن شؤون الطلاب، وإدارة مسؤولة عن المدرسة ككل، إضافة إلى المدرسين المختصين بالمواد التدريسية، والموظفين المختصين بالطبخ والتنظيف، ناهيك عن عمال الإنارة، حيث لم يكن يوجد في تلك الفترة كهرباء في المدينة كلها، فكانوا يعتمدون على إضاءة "مصابيح الكاز" المنتشرة في جميع أركان المدرسة بكثافة، وكان لهؤلاء العمال مهمة مراقبة وتعبئة وتنظيف وإشعال هذه المصابيح مع بداية حلول المساء، وإطفائها في صباح اليوم التالي».
وتتابع: «هذه المصابيح كانت ضرورية جداً، لوجود نظام تعليم مسائي وآخر نهاري، حيث يبدأ الدوام المدرسي من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً، وبعدها تأتي فترة الغداء والتي تستمر حتى الساعة والواحدة والنصف ظهراً، لتبدأ بعدها الفترة المسائية التي تستمر حتى الساعة الرابعة مساءً».
أما المختار "منصور محمد" فيقول: «بعد أن تقدم "المعلم يوسف" بالعمر تولى إدارة المدرسة الأستاذ "أحمد العبد الله" حوالي /30/ عاما، ومن بعده استلمتها مديرية التربية تحت اسم مدرسة "الحرس القومي" طبعاً بعد إعادة بنائها بالكامل وفقاً لنموذج المدارس في "سورية"، والتي هي باقية كمنارة علمية تخرج الكثير من الشهادات الثانوية في كل عام».