في كل مكان من سورية، وتحت كل حجر فيها، تتناثر حكايات التاريخ الذي صنعه أجدادنا وتركوه إرثاً حضارياً نفخر فيه ونتغنى بمعالمه الخالدة، ومدينة "بانياس" إحدى المدن الساحلية التي تحتضن أروع آثار التاريخ وفي كل مكان فيها حكاية ماض عريق.
وللتعرف على أهم المعالم الأثرية لمدينة "بانياس" ونتائج أعمال التنقيب التي تقوم بها دائرة آثار "طرطوس" في هذه المدينة التقت eTartous بتاريخ (17/7/2008) المهندس "مروان حسن" رئيس دائرة آثار "طرطوس" الذي قدم لنا لمحة عن تاريخ المدينة والآثار فيها حيث قال: يرجع تاريخ مدينة "بانياس" إلى العهد الفينيقي، حيث حملت عبر تاريخها العديد من الأسماء وكانت تابعة لمملكة "أرواد" ودخلت في حلف معها إلى جانب "كارنة"، وعندما احتلها الصليبيون سنة "1098" ميلادية دعوها "فاليتي" واتبعوها إمارة "أنطاكية" وحكمت المدينة من قبل عائلة "آل متسوير" إلى جانب قلعة "المرقب"، ثم تنازلت عنها فيما بعد لفرسان المستشفى "فرسان القديس يوحنا" ولم يتمكن السلطان "صلاح الدين" من تحريرها الى أن جاء عهد السلطان "قلاوون" عام"1285"ميلادية حيث تحررت.
وقد ذكرها المؤرخ "آرنست رينان" عام"1860" ميلادي عندما أشار إلى وجود بناء مربع صغير ذي تزيينات في وسطه نقش يوناني غير واضح المعالم يقول: على شرف أهل "بانياس" في سورية المستقلين قام "أنتيوخوس" أحد ملوك "السلاجقة" الملقب "بديفيلوس ابن مينودور" بتشييد هذا المعبد وإقامة التماثيل على نفقته الخاصة.
وأشار المهندس"حسن" الى أنه في عام 1924 أجريت في المدينة تحريات أثرية عثر فيها على آثار رومانية ولم يبقى من معالمها الا بعض الإشارات وعدد من الأعمدة الغرانيتية، وتيجان الأعمدة وأثناء حفر الكبل المحوري عثر على بقايا مسرح روماني يعود تاريخه إلى القرن الأول الميلادي وفي عام 1986 عثر على مدفن جماعي قرب مدرسة "ابن خلدون" يرجع تاريخه إلى القرن الأول الميلادي يتألف من خمسة قبور فردية متلاصقة مع بعضها مبنية بالحجر الرملي تعلوها "ركة دبش" من الكلس وقليل من الرمل والبحص البازلتي وعثر داخل المدفن على قناع ومجموعة خواتم ذهبية أحدها ذو فص محفور عليه "ألفيوس" آلهة الخصب وزوج أقراط ذهبية ذات حبة كروية تعلوها صفيحة دائرية يلتصق فيها سيخ ذو أربع حبيبات ومجموعة نفخات زجاجية ومجموعة حلقات حديدية ومجموعة عرى وحمالة سرج برونزية ومجموعة أرجل برونزية فريدة من نوعها يعتقد بأنها أرجل لطاولة خشبية صغيرة، وصحن وغطاء برونزي متطاول وأجزاء ابريق ووريقات ذهبية دائرية وأخرى ذات ثلاث فروع تزيينية و أجزاء قفل دلاية برونزية تحمل صورة بطة.
وأضاف المهندس "حسن" أنه في عام 1988 تم أيضاً التنقيب عن مدفن جماعي آخر في موقع "تلة الفارس" بجانب الطريق العام وهو مدفن عائلي يرجع الى القرن الأول الميلادي محفور بتربة بركانية على شكل غرفة سقفها قبة تتوزع فيها "المعازب" على الجوانب و عددها ستة واحد منها غير مكتمل و قد تم الدفن فيها على طريقتين الأولى توابيت فخارية و الثانية توابيت خشبية و تضم مجموعة من اللقى الأثرية منها تمثال "لأفروديت" طوله (28) سنتمتراً من الرخام البلوري وهو عبارة عن نسخة طبق الأصل لتمثال "أفروديت" صناعة ب"راكزتيل الفنان اليوناني الكبير" و يمثل التمثال امرأه عارية متناسقة الجسم ممشوقة القد تستر عورتها بيدها اليمين و كأنها خجلى إلا أن الرأس تعرض للحت نتيجة الرطوبة و أمراض الرخام و يبدو أنه كان مثبتاً على الجسم بواسطة قطعة معدنية كما وجد أيضاً جرة فخارية مغزلية وقوارير زجاجية ومرايا وأواني برونزية و فخارية بينها مبخرة فريدة من نوعها.
أما عن النقود في "بانياس" أشار السيد "مروان" إلى أن بعض القطع النقدية التي عثر عليها في "بانياس" حملت رسماً لـ"هيراكلوس" البطل الأسطوري لابساً فروة أسد و ممسكاً الدبوس.
كما عثر على نقود آخرى عليها إله يركب عربة وهو بعل وتحيط به هالة شعاعية وكذلك "نيمن" آلهة الكون والقدرة رسمت بشكل نقوش بارزة ويقول مدير الآثار أنه في عام 1994 ميلادي تم تنفيذ حفرية في الأرض الزراعية الموجودة إلى يسار الطريق الذاهب من "بانياس" إلى "اللاذقية" جنوب المشفى الوطني أدت الى اكتشاف أرضية من فسيفساء القرن الثالث عشر ميلادي تهشمت أطرافها وحجارتها من النوع الكبير تم انزال عنصر كتابي فيها بالأحرف اليونانية القديمة في الجانب الجنوبي فيها بطول (204)سنتيمتر وعرض(44) سنتيمتر مرتبة وفق ثلاثة أسطر متتالية ترجمتها كمايلي:
السطر الأول "المسيح المنجي" أو "المساعد الأمين".
والسطر الثاني ليكن اسم الرب مباركاً دوماً، والسطر الثالث "له ولأبنائه أو مع أبنائه" ويتوسط هذه اللوحة حوض دائري محفور بالأرض قطره (170)سنتيمتر، جدرانه مبنية بحجارة مطلية بطبقة ملاط كلسية مصقولة يبرز فيها مسندان حجريان صغيران لتسهيل عملية النزول والصعود وله أرضية فسيفساء حجارتها عادية كبيرة خالية من أي عنصر تزييني يتوسطها جرن محفور بعمق(50)سنتيميتر وقطر (90)سنتيمتر جدرانه حجارة "دبش" مطلية، كما تم العثور على قناة مائية على درجة كبيرة من الأهمية تقع بالقرب من "بانياس" وتصب على الشاطىء مقابل صخرة "المنشحة" وهي محفورة بالصخر على أعماق مختلفة من(3-4) امتار يمكن السير فيها بسهولة وتتخللها فتحات للتهوية والإنارة ولم يحدد طولها بعد، وذلك بسبب إغلاق جزء منها بالحجارة والردميات وينتظر في عملية التنقيب المقبلة كشفها وتحديد تاريخها.