وسط أجواءٍ احتفالية لا تخلو من الأهازيج والفرح والطقوس الشعبية المزدحمة بالدفءِ والتآخي والمحبة، تنظم في "الجولان" العربي السوري المحتل فعاليات "معرض الثمار"، وهذا الطقس الفريد الجميل يترقبه الأهالي بشغف شديد.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 29 أيار 2020 التقت "عبد الرزاق الفاعوري" أحد كبار السن من قرية "كفر حارب" في "الجولان"، إذ قال: «هذا المعرض كان يتواكب مع جني وجمع الثمار والنضوج، أي غلال الخير، وكما يقول الناس في العرف الشعبي: الخير والعطاء من رب السماء، وبعبارات أخرى مماثلة: الخير وفير من معطاء كريم، يعطي بسخاء كل العباد، وللجني طقوسه الفريدة، إذ تجتمع العائلات مرتدية لباسها الشعبي الخاص بالعمل والجني والذي يختلف من بيئة إلى أخرى، ويعدُ موسم جني الثمار عند العائلة الجولانية حالةً استثنائيةً من الفرح، إذ نلمس فيه روح التنافس والإيثار والتكافل الاجتماعي.

كان يرافق هذا المعرض العديد من الفنون الشعبية المتأصلة في المجتمع الجولاني كالغناء والرقص والدبكات الشعبية وعروض الأزياء التي تمثل البيئات كلها بصورة جميلة متكاملة كأنها الفسيفساء المجتمعي ونسيجه البديع وعند افتتاح هذا النشاط الثقافي الاجتماعي، كانت مجموعة من الفتيات يرتدين اللباس الشعبي التقليدي الذي يمثل البيئات الجولانية كلها، يحملن على أطباق من القش المصنع يدوياً نماذج من الثمار الشهية الطازجة موضوعة بطريقة جميلة بغية تقديمها للضيوف الزائرين كي يتذوقون فاكهة هذه المنطقة ويحكمون عليها وأنا كنت أشارك الفتيات ذلك

إذ يقوم المشاركون بوضع الثمار الناضجة بطريقة بديعة، وعرض مناسب للمشاهدة، والتمتع برؤية النضوج والحياة، إذ تشتهر منطقة "الجولان" وتقسيماتها الإدارية بغلات زراعية فريدة ومتنوعة تختلف عن البيئات السورية الأخرى، ومن هذه الغلال على سبيل المثال لا الحصر التفاح والكرمة، والكرز والمشمش بأنواعه المختلفة، والرمان والخوخ، والتوت بنوعيه الأحمر والأبيض، والموز والصبّار من منطقة "الزوية" وسهل "البطيحة"، وكذلك اللوزيات، التين، الجوز، والزيتون بمختلف أنواعه، بالإضافة إلى الغلات الزراعية البقولية كالقمح، الشعير، الذرة الصفراء والبيضاء، العدس والحمص، الفول والأرز من سهل "البطيحة"، السمسم، وغير ذلك، ومنتج القطن الذي أثبت نجاحه في المنطقة ولا سيّما في المنطقة السهلية المشرفة على بحيرة "طبرية"، كما كانت المشاركة لا تقتصر على هذه المنتجات فحسب بل نجد العديد من المنتجات العشبية البرية والمحلية المزروعة، والتي كانت تستخدم في العلاجات الطبية التقليدية، والأعشاب النادرة البرية كالزعتر بأنواعه المختلفة، النعنع البري، الزعرور بنوعيه الأحمر والأصفر، الدوم والعنّاب، إضافة إلى المنتجات الزراعية المجففة التي كانت تُعد من المؤن الشتوية الضرورية في كل بيت جولاني ومنها التين المجفف، والزبيب بأنواعه الثلاثة الأحمر، الأسود، والأشقر أي الأصفر، وكذلك الدبس بمختلف أنواعه بالإضافة إلى العديد من أنواع المربيات، والعسل وفق بيئاته المشهورة، وزيت الزيتون الذي يعدُ من المخازين الاستراتيجية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

"عبد الرزاق الفاعوري"

كل هذه المنتجات كانت توضع بطريقة أنيقة في سلال وأطباق من القش والقصب، أي من مخلفات الطبيعة المحلية، بالإضافة إلى بطاقات التعريف الموضوعة على كل منتج بأناقة وترتيب والتي تحدد نوعيته ومكان زراعته».

"هاجر العطا" من أبناء "الجولان" تقول: «كان يرافق هذا المعرض العديد من الفنون الشعبية المتأصلة في المجتمع الجولاني كالغناء والرقص والدبكات الشعبية وعروض الأزياء التي تمثل البيئات كلها بصورة جميلة متكاملة كأنها الفسيفساء المجتمعي ونسيجه البديع وعند افتتاح هذا النشاط الثقافي الاجتماعي، كانت مجموعة من الفتيات يرتدين اللباس الشعبي التقليدي الذي يمثل البيئات الجولانية كلها، يحملن على أطباق من القش المصنع يدوياً نماذج من الثمار الشهية الطازجة موضوعة بطريقة جميلة بغية تقديمها للضيوف الزائرين كي يتذوقون فاكهة هذه المنطقة ويحكمون عليها وأنا كنت أشارك الفتيات ذلك».

قطعة معدنية لمعرض الثمار

"فياض كريم الفياض" من وجهاء قرية "سكوفيا" في "الجولان" يقول: «أثناء إقامة هذه التظاهرة كانت تؤلف لجنة مختصة لهذه الغاية، تمثل الجهات المشرفة على قطاع الزراعة، وبعض الجهات الحكومية الأخرى، بغية استقبال المنتجات الزراعية وتسجيلها، وتحديد بيئاتها بدقة وكذلك صاحبها، بغية توثيقها ببطاقات التعريف الخاصة، كما كانت توضع المنتجات الزراعية والثمار النادرة في مكان خاص، ولا سيّما تلك الداخلة في مسابقة أفضل إنتاج زراعي مميز، كما كانت اللجنة تعتمد في تقييمها آنذاك على معايير دقيقة في اختيار هذه المنتجات الفائزة من أجل تقديم الجوائز المستحقة لأصحابها، وشهادات التكريم ودروع التقدير وكانت هذه اللجان تستأنس بآراء الزوار القادمين إلى المعرض من خلال استبيانات تدون عليها آراء الزوار ضمن سجل الزيارات وغير ذلك من طقوس ومعايير، وفي نهاية الفعاليات تكون اللجان قد خلصت إلى اختيار العناصر الفائزة، في هذا العرس الجماهيري الذي كان ينظم بعد موسم النضوج.

والحقيقة أن هذا الطقس التاريخي ليس جديداً، بل هو من الأعراف الاجتماعية التي كانت ماثلة في الحضارات القديمة، والدليل على ذلك وجود العديد من الآثار الموجودة والتي توشحت وحملت إشارات كثيرة لأنشطة زراعية قديمة وطرق متعددة لجني الثمار، وكذلك الطقوس المتبعة في تنظيم الاحتفالات المتعلقة بالزروع، وهناك الكثير من الرموز الموجودة على هذه الأوابد الأثرية ولا سيّما عناقيد الكرمة وسنبلة القمح التي تدل على الخصب والعطاء، وكذلك شجرة الحياة التي تعبر عن حياة البعث والديمومة، وهناك شجرة الزيتون المباركة والتي وجدت في نقوش كثيرة في الحضارات المتعددة».

نموذج من الميداليات التي تمنح للفائزين

  • الصورة الرئيسية لوحة للفنان "عايش طحيمر" تمثل معرض الثمار.