لا يعلم الكثيرون من أبناء الجيل الحالي أنّ "فرنسا" مع بدء خروج قواتها من "سورية" عملت على تفخيخ الجسر المعلق بغية تفجيره، غير أنّ أحد أبناء دير الزور في ذلك الوقت غامر بحياته ليُفكك الألغام فينجو هو والجسر من الموت، لكنهم يعلمون أنّ احتلالاً وأدواتٍ محليةً إرهابيةً استطاعوا تفجيره أوائل أيار من العام 2013، ليغيب الجسر الذي ارتبط بذاكرة الديريين عن دوره كمعلم شكّل رمزيةً للمحافظة منذ إنشائه، وكان مع نهر الفرات محطّ الترويح والمُتنفس الأكثر مقصداً من قبل الأهالي والسوّاح وزائري المدينة.

فسحة الروح

من لم يزر الجسر المُعلّق لم يزر دير الزور، عبارة تستهل فيها الأديبة "نجلاء النايف" حديثها لمدوّنة وطن"eSyria" وتضيف: صحيح أنه أقيم في زمن الاحتلال الفرنسي لسورية، إلا أن أبناء الدير يعتقدون أنّه يُمثّل مرحلةً من تاريخ حياتهم، تبقى عالقةً في ذاكرتنا بحلوها ومُرها، هو الجسر الذي وفّر الربط بين ضفتي الفرات (الجزيرة والشاميّ) بين أهالي المحافظة، وكان معبراً للبضائع وأنواع المحاصيل التي تجد طريقها إلى الأسواق، قُبيل تفجيره كان مُلتقى الترويح عن النفس أيام العُطل، صيفاً تجد الشبان يقفزون منه إلى النهر فالسباحة، تأخذ الأسر الديرية أنواع المأكولات والمشروبات إلى هناك حيث الحوايج (حويجة كاطع) والحويجة باللهجة الديرية هي الجزيرة، يعبرون إليها يقضون يومهم وسط أشجار الحور الفراتي والغرب، ويختمونه قُبيل الغروب بالمرور فوق المُعلّق يلتقطون الصور".

تتابع "النايف": غاب الجسر كما غابت المقاصف والمطاعم أو ما يُسمى بلهجتنا (الجراديق)، هنا أشجار الغرب والحور الخضراء وزرقة مياه نهر الفرات شكلتا لوحةً غاية في الروعة، فيها يجد الأهالي خلاصهم من حر الصيف ومتنفس أرواح الشعراء والأدباء، ولعلّ الجسر والنهر هما أكثر من استحوذ على مكنونات الشعراء والأدباء في أشعارهم وقصصهم ورواياتهم.

الجسر المعلق قبل التفجير.jpg

من جانبه الفنان الضوئي "جمعة السليمان" يُشير إلى أنّ بدايات احترافه التصوير كانت على الجسر، كان مقصد المصورين الذين يلتقطون الصور للراغبين بذكرى عليه، أياً من أهالي دير الزور لو سألته عن أجمل منطقة بالمحافظة لقال لك الجسر المعلق ومحيطه، بـ"الجراديق" والحويجة المُطل عليها إلى شارعي الكورنيش الممتد جانب الفرات فالشارع المار بمسكن المُحافظ، كانت تغص بالأهالي صيفاً وشتاءً للتنزه والترويح عن النفس، حالياً بعد تدمير الجسر وتخريب ما حوله من بُنى باتت المنطقة خاويةً إلا ممن يسلكها على عجل للعبور إلى ريف الجزيرة، هنا على الجسر يلتقي العُشاق يلتقي الأصدقاء والأهل، وإن زارك صديق من إحدى المحافظات السوريّة لا بدّ وأن تأتي به إليه.

يختم "السليمان": المدينة ستبقى مخنوقةً، بلا حياة إن لم يُعاد تأهيل الجسر ومحيطه، تدميره كان موجعاً، وعودته هي عودة للحياة بكل ما للكلمة من معنى.

ذاكرة دير الزور

بناء الجسر أنجزته إحدى الشركات الفرنسية في العام 1925، وحسب ما يذكر الباحث في التراث "غسان الخفاجي" لمدوّنة وطن" eSyria " فإن الجسر هو أحد الجسور المعلقة المعدودة في العالم، والوحيد من نوعه في قارة آسيا، انتهى تشييده عام 1931 بطول 450 متراً وعرض 3أمتار و60 سنتيمتراً، وصلت تكلفته المالية إلى أكثر من مليون ليرة سورية في حسابات تلك الأيام، وجرى افتتاحه في العام 1931، كان ممراً للبضائع والآليات والأفراد، ويجري تنظيم المرور بالنظر لضيق الجسر عبر هاتفين واحد على الضفة اليمنى وآخر على اليسرى حتى لا يتصادف مرور سيارتين فتضطر إحداهما للتراجع لتعبر الأخرى.

وبعد بناء الجسور الحديثة مُنعت الآليات من المرور عليه، ليصبح مخصصاً للمشاة والمتنزهين فقط، وقد أُعيد طلاؤه وإنارته بطريقة حديثة، ما جعله في الليل شعلةً من النور تنعكس لوحةً رائعةً على مياه النهر".

*متى التأهيل ؟

لو سألت عن تأهيل الجسر المعلق، لجاءك جواب أبناء دير الزور من القلب قبل اللسان بضرورة الإسراع بذلك كي لا يبقى جرحهم نازفاً يطغى بألمه في أغانيهم ومواويلهم، وحول التأهيل يؤكد رئيس مجلس المدينة المهندس "رائد منديل" : ما من حراك بهذا الاتجاه على أهميته، لم تأتنا أي منظمة طرحت موضوع تأهيله والأمر لم يُناقش لا وزارياً ولا محلياً، نتمنى المبادرة ولكن الأمر يحتاج قراراً وربما إمكانيات نتمنى توفرها بأقرب وقت".