مبنى "دار الحكومة" "بحلب"، المعروف بمبنى "السراي" من المعالم الهامة في المدينة، يتألف من ثلاثة طوابق، وهو مسجل في عداد المباني الأثرية والتاريخية بقرار وزارة الثقافة رقم 31/أ تاريخ 30/10/1984م نظراً لأهميته التاريخية، وتكوينه المعماري الفريد، وحتى قبل أن تسجل "حلب" القديمة في العام /1986/ في لائحة التراث العالمي.

بدأت فكرة إنشاء "السراي" "بحلب" في أواخرالعهد العثماني ثم بدء بوضع حجر الأساس له عام/ 1928/م ودُشّن يوم 15 نيسان 1933م حيث انتقلت إليه معظم الدوائر الحكومية، وبقي منذ ذلك الوقت المقر الرسمي للمحافظين بدءاً بالسيد "نبيه مارتيني" حتى اليوم .

بدلاً من أن تأخذ فرنسا الذهب من بلادنا وتعطينا الورق دعونا نبني من هذا الذهب حجراً في أرض هذا الوطن

و(السرايا) مبنى يرمز إلى سيادة القرار الوطني،‏ فإذا كان التجديد يقضي بأن تُدار شؤون المحافظة من مكان آخر، فلا بأس أن تبقى السرايا الحالية مقراً رسمياً لمحافظ "حلب" وأعضاء المكتب التنفيذي وبعض لجان العلاقات العامة، إضافة إلى صالات للتشريفات واستقبال كبار الزوار، وأن نستفيد من بقية الغرف والأروقة بالتأريخ الصوري والفني "لحلب الشهباء" التي تعتز بتاريخها الذي يحفل بالتصدي لجحافل الغاصبين.‏

إن "تاج الدين الحسني" وهو أول رئيس جمهورية سوري سنة 1922 م، عندما توحدت سوريا بعد أن قام الاحتلال الفرنسي بتقسيمها إلى دويلات صغيرة، لما بدأ بهذا البناء "السرايا" قال له بعض الناس إن هذا المبنى الضخم هو أكبر بكثير من حاجة "حلب" وهو يستنزف الميزانية. وفي هذه الأثناء كانت فرنسا تأخذ الذهب من بلادنا وتعطي العملة الورقية بدلاً منه، فأجابهم قائلاً: «بدلاً من أن تأخذ فرنسا الذهب من بلادنا وتعطينا الورق دعونا نبني من هذا الذهب حجراً في أرض هذا الوطن».

في حوار لـ eAleppo مع الدكتور "بشير الكاتب" حول السرايا قال: «إن سراي الحكومة في "حلب" معمارية جميلة اعتباراً من أسوارها الحديدية إلى الدرج المؤدي إلى الطابق الأول، إلى غرفة المحافظ إلى الغرف الأخرى الواسعة الفسيحة إلى البلاط الأرضي وما يتخلله من مربعات زجاجية بديعة.‏ ولقد شارك في تصميمها وإنشائها نخبة متميزة من المهندسين المحليين والأجانب، ولقد قيّض الله لهذه السراي أن تكون في بقعة لا يمكن أن توجد بقعة أحسن منها تمثل "حلب" الحقيقية، فهي أمام "قلعة حلب" الشامخة،.. وهل يمكن أن يكون بناء للحكومة يستقبل السّفراء والقناصل الأجانب والضيوف الرسميين ويعبر عن عظمة "حلب" وعراقتها أكثر من هذا المكان المهيب أمام القلعة الخالدة، فكان القادم من "دمشق" بالقطار ينزل في محطة "الشام الجميلية" ويستقل الحافلة حتى سراي الحكومة، ماراً من الجادة الرئيسية "شارع القوتلي حالياً" إلى "باب الفرج" فـ"الخندق"، فـ "باب النصر"، فـ "باب الحديد" حتى "دار الحكومة"، وسراي الحكومة أيضاً كانت إحدى تلك الإنجازات التي تمت في سورية في ثلاثينيات القرن الماضي».

وأضاف الدكتور"الكاتب": «إنني لاأنسى، كيف كانت المظاهرات الطلابية تسير نحو السراي، ويقف ممثلو الطلاب على الدرج الخارجي يخطبون في الجماهير، وكيف كان محافظو "حلب" يقفون في شرفة غرفة المحافظ يلقون كلماتهم استجابة للعواطف الوطنية الجياشة، وهكذا غدا المبنى جزءاً هاماً من ذاكرة المدينة بكل ما تحمله من معاني الاعتزاز والانتماء لهذا الوطن».

إن احتفاظ المدن العريقة بمبانيها التي ترتبط بتاريخها واستخدامها في ما بنيت له يعدّ جزءاً من الوفاء اللازم لمراحل التطور، ومن الضروري أن تسارع وزارة الثقافة وغيرها من الوزارات المعنية إلى رصد تلك الأبنية في "حلب" وفي سواها من المدن السورية وتسجيلها في عداد المباني التي لا يجوز المساس بها، وذلك قبل أن تمتد أيدي الاستثمار الطويلة إليها، ‏فكل دول العالم المتحضرة تفعل ذلك، ففي بريطانيا مازال رئيس الوزراء متواجد في المقر ذاته الذي تواجد به أسلافه، ولكن ذلك المبنى المتواضع ارتبط في نفس المواطن اللندني بتاريخ بلاده، وصار من المباني التي لا يجوز التخلي عنها.

منذ فترة ليست وجيزة اقترح الدكتور "ميخائيل أسعد" أن يُنشَأ "بحلب" متحف للفن الإسلامي ليكون أول المتبرعين بمقتنيات ثمينة إسلامية وطرح الفكرة على نيافة المطران "يوحنا ابراهيم" الذي رحّب بالفكرة ووعد بالسعي لإنجازها، ولعل جهوداً متضافرة تخصص جناحاً كاملاً في "السرايا" ليغدو متحفاً إسلامياً إلى جانب استمراره مقراً رسمياً للمحافظ.