عندما تكون في أحياء "حلب القديمة"، يجب أن يكون حاضرا في ذهنك دائما بأنك على موعد أكيد مع موقع قريب منك، يحكي تاريخ الأصالة والقدم، هذا ما حدث معنا تماما عندما كنّا بالقرب من باب "قلعة حلب"، وقررنا التعرف على "المدرسة الخسروية" والتي تقع بالقرب من هناك، دخلنا من باب المدرسة وكان في استقبالنا مديرها الدكتور "نجم الدين عيسى" والذي سمح لكاميرتنا بأن تلتقط معالم التراث من على حجارة المدرسة، ومنعها من التقاط ملامح الوقار والتواضع من على وجهه المبتسم، وبعد استقباله لنا بدأ حديثه معنا حول تاريخ هذه المدرسة وذلك منذ مؤسسها الأول: «تنتسب "الخسروية" أو كما درج على تسميتها "الخسروفية" وهو خطأ، وربما كان السبب في ذلك –كما صرح أحد طلبتها القدامى- أنهم ربما ضجروا من التعليم فقالوا : خسروفية وهم يقصدون أنهم خسروا فيها، يقع مبناها في الجهة المقابلة لباب "قلعة حلب" و تنتسب إلى واقفها الأول "خسرو باشا بن سنان" الذي وقفها وأوصى ببنائها، و"خسرو" هذا ولي كفالة "حلب" سنة 938هجرية، ثم ولي كفالة "مصر" سنة 941هجرية، ثم صار الوزير الرابع في الدولة "العثمانية" أيام السلطان "سليمان خان" والذي تولى الحكم من 926-974هجرية، وهي أول جامع ومدرسة بنيت في أيام الدولة العثمانية "بحلب"، وكان الانتهاء من بنائها سنة 951هجرية ولم يبق إلى الآن من بنائها سوى جامعها ومدرستها».

وتتألف المدرسة كما وصفها الدكتور "نجم الدين" في تلك الأيام من مدرسة تتخللها حجرات وجامع وحدثت تغيرات كثيرة في بنائها سنأتي على ذكرها تباعا: «الجامع مربع الشكل طوله نحو ستة أمتار وعرضه كذلك أيضا، وعرض جدرانه أكثر من مترين، ولعله لذلك لم تؤثر فيه الزلزلة التي حصلت سنة 1237هجرية، وخربت الأبنية التي حوله، يتخلل جدرانه الأربعة عشرة شبابيك واسعة جدا، ومنارة الجامع (مئذنة) عظيمة الارتفاع مستديرة الشكل على طراز منارات "اسطانبول" آنذاك، وفيه أيضا من الجهة الشرقية موضأ، ومطهر لتغسيل الموتى، وست حجرات، وفي الجهة الغربية توجد مدرسة فيها عشر حجرات، ثمان للطلاب وواحدة للمدرس وواحدة لبواب المدرسة، أما الجهة الشمالية ففيها عشر حجرات معدة للمسافرين».

كان أمر المدرسة يمشي بشكل طبيعي إلى أن حدث ذلك الزلزال العظيم والذي قضى على الكثير من الأبنية، التي كانت تابعة ومملوكة من قبل المدرسة من أسواق ودور وخانات، وفي ذلك الحين اختل التدريس فيها وأهمل أمر الجامع، وصار مأوى للغرباء والفقراء وصارت الحجرات تتداعى إلى الخراب، ولما حصلت الحرب العالمية الأولى 1914م ٍشغل المكان بالعسكر والذخائر، وبعد انتهاء الحرب 1918م شغل المكان بالفقراء الذين اتخذوه للطعام مما ألحق بالبناء بعض الوهن

وفي عام 1237هجرية الموافق ل 1822م حصل زلزال كبير في "حلب" يحدثنا عنه الدكتور "عيسى": «كان أمر المدرسة يمشي بشكل طبيعي إلى أن حدث ذلك الزلزال العظيم والذي قضى على الكثير من الأبنية، التي كانت تابعة ومملوكة من قبل المدرسة من أسواق ودور وخانات، وفي ذلك الحين اختل التدريس فيها وأهمل أمر الجامع، وصار مأوى للغرباء والفقراء وصارت الحجرات تتداعى إلى الخراب، ولما حصلت الحرب العالمية الأولى 1914م ٍشغل المكان بالعسكر والذخائر، وبعد انتهاء الحرب 1918م شغل المكان بالفقراء الذين اتخذوه للطعام مما ألحق بالبناء بعض الوهن».

المدخل المؤدي الى ساحة المدرسة

وتوالت بعد ذلك على المدرسة أعلام دينية كانت لها آثارها على المدرسة من نواحٍ كثيرة : «بعد حلول الخراب فيها، استلمها "محمد رضا الزعيم" وهو والد "حسني الزعيم" والذي أعاد روح العلم إلى المدرسة، ورمم المدرسة وبنى حجرا فيها وجدد الرواق الشمالي على الهيئة التي نراها اليوم، ثم تولاها "يحيى الكيالي" والذي وضع مشروعا لم يأخذ منه سوى بضعة أسابيع، حيث أعلن افتتاح المدرسة "الخسروية" سنة 1340 هجرية - 1921م، وعين لها أساتذة وراح الطلاب يتهافتون عليها من كل أنحاء "الشهباء" وما حولها وعين لجنة دعيت بلجنة "المجمع العلمي" برئاسة مفتي "حلب" الشيخ "عبد الحميد الكيالي" حيث درست نظام المدرسة وبتت فيه، وأدخل في نظامها التعليمي اللغة العربية والدينية والأخلاق وكان هذا الأخير حرا للطالب أن يحضره أو لا والتاريخ والإنشاء والجغرافيا وقانون الحقوق الطبيعية وقانون الأراضي وأحكام الأوقاف وعلم الحساب، وطبعا أتمّ "الكيالي" ترميم المدرسة وأكمل حجرتها التي في الجهة الشرقية –لعدم تمكن "الزعيم" من إتمامها- واتخذ فيها قاعة للمطالعة وضعت فيها خزن للكتب».

يذكر أنّ "المدرسة الخسروية" اليوم هي ذاتها "الثانوية الشرعية للبنين بحلب" وسنتابع في مادة قادمة تطور هذه المدرسة في أربعة عقود وهي العشرينات والثلاثينات والأربعينات والخمسينات وصولا إلى العقد الحالي .

جامع "الخسروية"
القاعات التدريسية المطلة على الحديقة