عند صعود الزائر عبر درجات الشارع الذي يمتد من داخل "باب إنطاكية" نحو الشمال يصل إلى أقدم حي من أحياء مدينة "حلب" القديمة داخل الأسوار وهو "حي العقبة" الذي يشتهر بوجود عدد من الأبنية الاجتماعية والدينية القديمة من حمامات ومساجد وغيرها، ومن هذه الأبنية "جامع القيقان" الذي يقع على حافة السور الغربي للمدينة القديمة.

حول هذا الجامع سأل موقع eAleppo الدكتور "محمد نور الدين التنبي" وهو مستشار جمعية العاديات بحلب حيث قال: «يقع "جامع القيقان" تحديداً في "جادة المعتصم" وذلك على حافة السور الموجّه غرباً وبالقرب من "باب أنطاكية"، تبلغ مساحته الكلية 210 أمتار مربعة أما المبنية منها فتبلغ 156 مترا مربعا ويتكون من باحة صغيرة وقبلية.

رُمم الجامع في العام 1996م على نفقة الحاج "محمد حمامي رفاعي" صاحب دار المضافة وأحدث في قبليته الجديدة قبر حديث من الرخام الأبيض محاط بستارة خضراء ليدفن فيه المرمم الحاج "محمد حمامي رفاعي" ولكن ذلك القبر أزيل في نفس العام بأمر من مدير الأوقاف وقتها الدكتور الشيخ "صهيب الشامي" ودُفن "محمد حمامي رفاعي" الذي توفي بعد مدة من إزالة القبر في "مقبرة الصالحين"

قيل إنه كان معبداً وثنياً حثياً ويصعب جداً تحديد زمن بنائه ومن ثم مرقباً لأقاق أو "قاقان" ولا يُعرف من هو، ثم جُعل مسجداً وكان يصلي فيه "الفضل بن صالح" وبنوه الذين سكنوا "حي العقبة" وحوّله إلى جامع وأحدث الخطبة فيه الشيخ "إبراهيم الوفائي" نزيل "العقبة" الذي اعتقده الناس، أما منبره فقد عمّره المعلم "يوسف السمسار"».

الجدار الجنوبي للجامع

وأضاف د. "التنبي": «لقد بُني الجامع بحجارة قديمة وتوجد عليه كتابات حثية وأعمدة بازلتية قديمة جداً، ويغلب على الظن أنه يرجع إلى القرن الثاني عشر للميلاد على الأقل، كما يتميز بوجود حجر أسود ظاهر في جداره الجنوبي عليه كتابة هيروغليفية بلغة الكيتا أو الحماتيين نصها: /تقدمة للإله هيبا شاروما من تلمي شاروما ابن الملك تيلبينو الكاهن الأعظم ملك حلب/، والملك تليبينو كان في العام 1525 قبل الميلاد من المملكة الحثية القديمة 1640 -1380 قبل الميلاد».

وتابع: «كان الحجر الهيروغليفي في العام 1920 وما سبق في طرف الجدار الجنوبي من ناحية اليسار وكان موضوعاً بشكل مقلوب، ولكن في العام 1996 وخلال زيارتي للجامع لاحظت أن الحجر كان موضوعاً في ناحية اليمين من الجدار وكذلك تم قلبه ليكون بوضعه الصحيح حيث تظهر صورته العائدة لهرتسفلد في العام 1920 أنه كان موضوعاً بشكل مقلوب، ويظهر في مكانه القديم اليوم مجموعة من أنابيب المياه، ولا أدري متى تم هذا النقل للحجر ولم تذكر المراجع شيئاً عن ذلك، ولكن السبب واضح وهو مرور أنابيب الماء في مكانه.

العمودان البازلتيان في مدخل الجامع

في العام 1920 أيضاً كان يوجد على يسار المدخل كتابة قديمة فيها جزء مشوّه، هذا النص الواضح منها: /بتاريخ سنة خمس وعشرين وتسعمئة -1519 م، أوقف المعلم جمال الدين فخر المسلمين الحاج .. قانصوه الطبقة بحسب ال...هاد بيت الله ..معروف بالقيقان مرحانف؟ قاقان فر...د الكتاب وصرف .. إلا شهر بشهر ..../ أما اليوم فهذه الكتابة غير ظاهرة أبداً.

وفي حوالي العام 1965م تم توسيع الجامع وذلك بإضافة دار خلفه مكوّنة من جزأين، داخلي وهي للحاج "محمد حمامي رفاعي" فبنيت قبلية واسعة جديدة خلف القبلية القديمة، وجزء خارجي وهو صحن واسع مرتفع تحته قبو فيه دورات المياه وهي للحاج "أمين الزرقا بن الحاج مصطفى الزرقا"، كما أُنشئت سدة بيتونية في القبلية القديمة».

الحجر الهيروغليفي في الجدار الجنوبي

وأخيراً قال: «رُمم الجامع في العام 1996م على نفقة الحاج "محمد حمامي رفاعي" صاحب دار المضافة وأحدث في قبليته الجديدة قبر حديث من الرخام الأبيض محاط بستارة خضراء ليدفن فيه المرمم الحاج "محمد حمامي رفاعي" ولكن ذلك القبر أزيل في نفس العام بأمر من مدير الأوقاف وقتها الدكتور الشيخ "صهيب الشامي" ودُفن "محمد حمامي رفاعي" الذي توفي بعد مدة من إزالة القبر في "مقبرة الصالحين"».

وحول الجامع يقول المهندس "عبد الله حجار"*: «"جامع القيقان" ربما بني مكان معبد قديم وله قبلية وصحن صغير فيه بئر ماء وأعيد استعمال العديد من الأحجار القديمة وأجزاء من الأعمدة في بنائه، ويوجد عمودان بازلتيان قديمان عند مدخله وهناك في جداره الجنوبي من الخارج حجرة بازلتية تحمل كتابة حثية ترجمتها: تقدمة للإله هيبا شاروما من تلميشاروما ابن تلبينو الكاهن الأعظم ملك حلب، وهذه الأسماء معروفة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد وهي دليل مادي واضح على قدم مدينة "حلب"».

ويضيف: «يبدو أنّ الحجر المذكور أعيد استعماله من معبد حثي كان مقاماً في العقبة من القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وهناك من يعتقد أن تسمية "القيقان" محرّفة عن "أقاق" أو "أكاكيوس" الذي كان مطران "حلب" اعتباراً من العام 378م وتوفي العام 433م وكان "تيودوريطس" أسقف "قورش" يزوره أحياناً في كنيسته في "العقبة" في القرن الخامس الميلادي، وأعتقد أنّ نسبة "القيقان" إلى "أقاق" ضعيفة لأنه نادراً ما تنسب كنيسة إلى مطرانها وغالباً ما تسمى باسم أحد القديسين وأفضّل النسبة إلى طيور "القيقان" التي ربما كانت تتواجد على رأس التلة في "العقبة"».

ويختم: «يذكر "هرتسفلد" وجود كتابة على الواجهة الغربية للجامع يسار العمود القائم على طرف الباب أبعادها 90 سم× 50 سم فيها خمسة أسطر نسخي مملوكي بحالة سيئة يصعب قراءتها ذكر فيها: بتاريخ سنة خمس وعشرين وتسعمئة، أوقف المعلم جمال الدين فخر المسلمين الحاج... قانصوه، الطبقة بحسب ال...ها دمت الله، معروف بالقيقان مرحانق، قاقان مز..ل الكتاب وصرف، الأشهر بشهر/ ويُفهم من الكتابة بأنّ أحد معلمي البناء "جمال الدين" بنى كوقف غرفة عليا /طبقة/ مع دفع أجر شهرين لجامع القيقان، ويمكن إرجاع "جامع القيقان" إلى أوائل حكم المماليك حيث يذكره "ابن العجمي"».

  • المهندس "عبد الله حجار": مهندس مدني وحاصل على دبلوم آثار من معهد التراث في جامعة "حلب" في العام 1988 وهو عضو في جمعية العاديات ومستشارها للفترات الكلاسيكية.