إن أراد الراقص أن يبدأ بالرقص عليه أن يطلب السماح من صاحب البيت، أو مدير الفرقة، من هنا أطلق على هذا النوع من الرقص برقص "السماح" وهو أحد أنواع الرقص العربي، وإن كان هناك خلاف حول ذلك. والرقص متقن وبحركات محتشمة تدل على تفهم مثالي للحالة التي ينبغي أن يقدمها الراقص.

موقع eSyria التقى الباحث والكاتب "عبد الفتاح رواس قلعه جي" ليطلعنا أكثر على هذا الفن الذي تشتهر به محافظة "حلب" خاصة وأن البعض يرجع بداية هذا الفن إلى مدينة "منبج" من ذات المحافظة، فيعرف الأستاذ "قلعجي" رقص السماح بقوله: «السماح مصطلح محدث لا نجده في المعاجم القديمة وأول من أورده "بطرس البستاني" في معجم "محيط المحيط" وقال عنه: "إنه رقص للمشايخ يستعملونه في العبادات، ويؤدى في تشكيلات ونغمات وإيقاعات وخطوات متعددة على شكل وصلات تغنى فيها الموشحات والقدود"».

السماح مصطلح محدث لا نجده في المعاجم القديمة وأول من أورده "بطرس البستاني" في معجم "محيط المحيط" وقال عنه: "إنه رقص للمشايخ يستعملونه في العبادات، ويؤدى في تشكيلات ونغمات وإيقاعات وخطوات متعددة على شكل وصلات تغنى فيها الموشحات والقدود"

ومن اسمه يستدل القارئ أن القيام بعمل يحتاج للسماح به، وهنا يقول "قلعه جي" عن أصل كلمة سماح: «هي من أخذ الإذن من صاحب الحضرة الموجود أو صاحب السجادة أو صاحب البيت بأن يبدؤوا فاصل الرقص، فهم يتنادون: سماح.. سماح، ويرى "أدهم الجندي" في كتابه "أعلام الأدب والفن" أن مبتكر رقص السماح هو الشيخ "عقيل المنبجي" المتوفى عام 550هـ أي في فترة الحكم "الزنكي" و"الأيوبي"، وهو من بلدة "منبج" شمالي حلب، وقبره فيها مكان يزوره الكثير من الناس».

الكاتب والباحث "عبد الفتاح قلعه جي"

ويتابع: «أما من قام بتدوين رقص السماح بوضعه الحالي فهو "أحمد عقيل" الملقب باسم "صاحب السماح" وعنه تلقاه فنانو حلب، وعنه وعن "صالح الجذبة" تلقى "عمر البطش" فن رقص السماح، وهذا ما ذكره الكاتب "عدنان منيني" في مجموعة "فجر الأندلس" فيقول فيها: "سمعت من "عمر البطش" أن الشيخ "أحمد عقيل" المنبجي - نسبة لمسقط رأسه "منبج"- هو أول من رتّب رقص السماح". وقد كان من العلماء المتصوفين، فيما يرد بعضهم مصطلح السماح إلى تحريف لغوي أصاب كلمة "السماع" وهذا ما يميل إليه الموسيقار "مجدي العقيلي" في كتابه "السماع عند العرب" والسماع أو الرقص المحتشم كان معروفاً في قصور العباسيين والأندلسيين».

ويضيف: «لكن "العقيلي" يعتبر أصل السماع "السماح" دينياً صوفياً متفرعاً من فاصل "اسق العطاش" أي أنه سوري محدث، ومن مواطنه الدينية: "الزوايا"، و"التكايا" انتقل إلى الحفلات والمنتديات الفنية، ويعتبر فاصل "اسق العطاش" درة "حلب" الغنائية، كما يرى الموسيقي "توفيق الصباغ" في كتابه "الدليل الموسيقي العام" والذي يعود إلى 1190هـ- 1776م حين انحبس المطر عن "حلب" واشتد العطش فخرج أهلها إلى البراري يتضرعون إلى المولى عز وجل أن يجود بالغيث وكان بينهم موسيقي معروف في ذلك العصر يدعى الشيخ "محمد المنبجي"، وينسب إلى "محمد الوراق" أن الذي رسم سير الإيقاع هو "أحمد العقيلي" 1192 هـ ومنهم من يعيده إلى عهود "الآشوريين" و"الحثيين"، ويرى البعض الآخر من المؤرخين أن "السماح" في الأصل هو رقص فارسي قديم، ثم انتقل بالتماس وتمازج الثقافات والفنون إلى بلاطات الأمويين والعباسيين وحمله "زرياب" إلى الأندلس».

"عمر البطش" نقل السماح إلى "دمشق"

ويرجع الفضل في نقل رقص السماح من "التكايا" إلى المسرح للموسيقي "عمر البطش" وفي هذا يقول "قلعه جي": «بالرغم من أن "السماح" الحديث ولباسه الفضفاض والخمار يعطينا صورة عن اللوحات الأندلسية القديمة، إلا أن هذا اللباس مجرد اجتهاد من الفرق الفنية وخاصة بعد أن دخلت في تشكيلاتها الفتيات، فهو رقص "حلبي- سوري" ولا يمت إلى "الأندلس" بصلة، وإيقاعاته بعيدة عن الإيقاعات الأندلسية كل البعد، هذا ما ورد في "معجم رقص السماح" وهو متفرع من دعاء استغاثة للسيد "عبد الغني النابلسي" في دعاء "اسق العطاش" وقد لحن الفاصل "محمد الصيداوي" ثم وضع له أصول سير الإيقاع بالأرجل الشيخ "محمد المنبجي" عام 1190هـ ، ومن ثم قام "عمر البطش" الذي أخذ السماح عن شيوخه "أحمد عقيل" و"صالح الجذبة" بنقلها من التكايا والزوايا، ومن حلته الدينية إلى الفرق الفنية الحديثة».

ولكون هذا الفن انتقل من مكان له صبغته الدينية إلى العامة عبر مسرحته لا بد من المقارنة بين حال السماح في نشأته الدينية الصوفية وبين حاله عندما نشره "عمر البطش" وتلامذته في "حلب" و"حمص" إذ بان العهد الوطني بعد الاستقلال بين الفرق الفنية، ويضيف "القلعه جي" قائلاً: «من هذه المقارنة نجد أنهم بذلك قد خرجوا بالسماح عن أصله في حركاته ولباسه كما كان في الزوايا وعن أغانيه، ففي الزوايا والتكايا كان "المريدون" في الطريقة الصوفية يرفضونه على إيقاعات القدود والموشحات الدينية والصوفية الموروثة عن "النابلسي" و"الكيلاني" وغيرهم من الأقطاب، ولباسهم هو اللباس الشعبي، أما الفرق الحديثة فترقصه على إيقاعات الموشحات والقدود الغزلية والخمرية مثل: "قمر يحلو دجى الغلس"، و"املأ لي الأقداح صرفاً" وغيرها».

السماح: من طلب السماح

ومن نافل القول الحديث عن اللباس الذي يتميز به راقصو السماح والذي يخضع للتصميم والتفصيل واختيار الألوان الزاهية، والأقمشة الناعمة الرقيقة، ويتابع: «هذا كله لتقديم متعة جمالية للمتفرج قد تحمل مناخات أندلسية أو معاصرة جداً، حتى إن البعض قدموا فرقهم بثياب تكشف بعضاً من أجساد الراقصات، وهذا ما لم يعمل عليه "عمر البطش" الذي أخرج السماح من التكايا ليضعه بين يدي الفرق الفنية، ولم يخرج به عن الاحتشام والاتزان والرزانة، بالرغم من أنه جعل منه فناً قائماً بذاته له خصائصه ومميزاته».

ويتابع الحديث عن فضل "عمر البطش" على هذا الفن الراقص، فيقول: «عمل "البطش" على تخليص السماح من الرتابة، ومن الشوائب التي خالطته، وقام بابتكار رقصات جديدة، وتكوين وصلات مشبكة من مقامات مختلفة مثل "الراست" و"الحجاز" و"البيات" وعلى إيقاعات وأوزان متعددة كـ"المحجر" و"المربع" و"المدوّر" و"المخمس" و"السماعي الثقيل" و"الدارج" وأصبحت حركات الأيدي والأرجل في الرسم الحركي للرقصة تتوازى مع إيقاع الموشح المصاحب لها في الغناء، ولم يسبق لأحد أن ابتكر مثل هذه الرقصات في أناقتها وجمالها وتوافقها الإيقاعي الجسدي الحركي مع الإيقاع الشعري والموسيقي للإنشاد والغناء، بحيث غدت اللوحة الغنائية الراقصة لوناً قريباً من المسرح الحركي الاستعراضي الراقص».

وللسماح أنواع يشرحها "قلعه جي" قائلاً: «هناك أنواع من السماح هي: الصف الواحد بقسميه الساكن والمتحرك، الصفان، وأربعة صفوف، وهما تشكيلان للتقابل والتعاكس، تأتي "الدائرة" وتقوم على تكوين دائرة من الراقصين، ويمكن أن يضاف تكوين دائرة أخرى داخلية أصغر ثم يعود الراقصون إلى مواضعهم على محيط الدائرة. وهناك "الدائرتان" المتجاورتان المستقلتان، وهما تتشكلان من التئام صفين أو أربعة صفوف متقابلة».

ويتابع: «هناك تشكيلات وتكوينات أخرى متعددة ومبتكرة كالبحرات والفسقيات وغيرها، وتتم بمنتهى المهارة والليونة الجسدية والجمال لصياغة مشهد بصري خلاب في فضاء المكان والمسرح، وهذه الحركات تتم على إيقاعات سريعة بسيطة مثل "الجورجينا" و"الفالس" و"الأكرك" و"الوحدة" أيضاً».

وكغيره من بقية الفنون فلرقص السماح ألوان يذكرها لنا فيقول: «بعد انتقال السماح من بيئته الدينية إلى الاحتفالية العامة والمدرسية تعددت ألوانه وهي: "السماح الديني" الذي يعقب الذكر والتكايا ويتصف بالرزانة والوقار والرتابة. "السماح الفني- المسرحي": والذي تؤديه فرق المسرح المدرسي وفرقة "أمية" وفرق أخرى، وتتصف بالرشاقة والسرعة وجماليات التشكيلات والتكوينات. "السماح الريفي الشعبي" المألوف في بعض المناطق مثل "إدلب" و"أرمناز" و"حوران" وغيرها. وهو رقص مزيج من رقصات "قبا- شيخاني- خطو سحجات- سماح"، وخطواته ذات فخامة وتضخيم واستعراض».

وانطلق هذا الفن ليغزو جنوب سورية قاصداً البيئة الدمشقية وكان قد نقلها كل من "فخري البارودي" راعياً، و"عمر البطش" مدرباً، وللحكاية بقية ينقلها "القلعه جي" فيقول: «كان ذلك في العام 1943 عندما دعا معهد الموسيقا الشرقية المؤسَّسْ حديثاً في تلك الفترة الفنان "عمر البطش" وقد عرفت "دمشق" مكانة "البطش" أكثر مما عرفته "حلب"، وعندما أسس "فخري البارودي" المعهد الموسيقي الشرقي التابع لهيئة الإذاعة السورية عام 1947 استدعى صديقه "البطش" لتدريس الموشحات والسماح».

وشدّ هذا الفن الزعماء الوطنيين الذين كانوا يقيمون بدورهم حفلات تؤدى فيها الموشحات والسماح.

وأنهى "القلعه جي" كلامه بالحديث عن مدونات سماح للموسيقار "عمر البطش" فقال: «في مخطوطة "نظم العقود" لـ"عبد الوهاب السيفي" يسجل في باب "ميزان الأصول"، موازين خمسين رقصة سماح مع ضروبها وتواشيحها، أخذها عن سادة هذا الفن في عهده. فيما حاول البعض إيجاد طريقة لتدوين رقص السماح بطريقة النوتة الموسيقية منهم "بهجت حسان" و"عدنان منيني"، ولكن المعروف عالمياً أن "النوتة" لا تستطيع ضبط حركات الرقص وخطواته وأوضاعه، والطريقة المثلى للتدوين هي الطريقة الكتابية، أي تدوين خطوات الرقصة وحركاتها وتحديد أزمنة كل منها، وتحديد أماكن الراقصين، وبخاصة أن رقص السماح حافل بالالتفاتات والنقلات والدقرات وحركات الأيدي والأرجل».