امتلكت قدرة فائقة على تطويع اللغة وتشكيلها للبوح عن خلجات نفسها وإيصال أفكارها إلى القارئ، فقدمت أعمالاً أغنت بها المكتبة العربية، إنها الأديبة والشاعرة "لميس الزين".

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 تشرين الأول 2017، تواصلت مع الأديبة "لميس الزين"، التي قالت: «أنا ابنة مدينة "حلب"، ولدت ونشأت في حاراتها القديمة في حي "باب الحديد" القريب من قلعتها الشامخة، والدي كان قاضياً يعشق الأدب ويقدس العلم، تأثرت كثيراً بشخصيته الفريدة، وورثت منه حب القراءة، فكنت في المرحلة الابتدائية أفضّل قضاء الوقت بالمطالعة في غرفة مكتبه حيث يدرس أضابير قضاياه بجو من الهدوء توفره له والدتي رحمها الله، ولم يكن يسمح لأحد بالدخول إلى حرم تلك الغرفة التي تحتوي مكتبة ضخمة، لكنني كنت طفلته المدللة التي جاءت بعد خمسة أبناء ذكور، ولأنني كنت هادئة ومتفوقة، فقد سمح لي أن أقرأ في غرفته، كنت أقضي الساعات بالقراءة هناك، وأنصت باهتمام إلى الحوارات التي كانت تجري بوجود أصدقائه، تلك المرحلة كوّنت لديّ مخزوناً لغوياً وثقافياً كبيراً.

"حدث غداً" مجموعة قصصية تحوي 112 نصاً تراوح بين الأقصوصة والقصة القصيرة جداً، يبدأ بسبعة نصوص بعنوان: "قال الراوي"، وهي تجربة قصصية جديدة استحضرت فيها شخصية دمنة من كتاب "كليلة ودمنة"، وأدخلتها في حياتنا الحاضرة، فهي مرة سائحة، ومرة صحفية، ومرة معالجة بالطب البديل، ومرة مرشحة لانتخابات نيابية. تسرد النصوص بشيء من السجع الساخر لتحمل إسقاطات لمشكلات سياسية واجتماعية من واقع الأزمة السورية. "أحلام منتصف الشوق" قصائد نثرية تراوح مواضيعها بين الحرب وانعكاساتها السوداوية، وبين العلاقة الجدلية بين الرجل والمرأة بكل إشكالاتها

لا توجد علاقة حتمية بين التخصص الدراسي والاهتمام الأدبي أو الثقافي، فهناك أطباء ومهندسون أبدعوا في مجالات الأدب، بالنسبة لي فإن دراسة الأدب الإنكليزي كانت متوافقة أساساً مع شغفي بالقراءة والأدب، وقد استفدت بالاطلاع على نفائس الأدب الإنكليزي والعالمي في الشعر والرواية والقصة والمسرح، كذلك بتعلم أصول النقد الأدبي والأدب المقارن والترجمة من وإلى اللغة العربية، كل هذه المواد الأكاديمية روافد تساهم في تكوين شخصية الكاتب وخلفيته الثقافية التي هي عمود فقري لنتاجه لاحقاً».

الكاتب"فهد خالد حلاوة"

عن الأدب الساخر، قالت: «من أرقى أنواع الأدب وأصعبها، وأقلها تطرقاً من قبل الكتاب، أن تبالغ في رسم ما اعوج بطريقة كاريكاتورية لتصحح فكرة أو سلوكاً مجتمعياً عن طريق رسم الابتسامة على وجه القارئ، ابتسامة تنبع من ألم الحقيقة القابعة وراء تلك المبالغة.

ولكي تنجح القصة الساخرة، على الكاتب إضافة إلى تمكنه من أدواته في القص عدم الإسراف والمبالغة في الصورة التي يريد إيصالها، فتصبح تهكماً ممجوجاً، فمثلاً كتبت قصة قصيرة جداً بمناسبة اليوم لعالمي لحقوق الإنسان التي تنتهك على مرأى من عيون العالم، وقلت فيها:

"رأفة امسك به متسللاً من الخم وقد أطبق بفكيه على رقبتها وهي تفرفر، حمله من ذيله وعنفه: أتفترسها في اليوم العالمي لحقوق الدجاج؟ شعر بالذل والانكسار، ثم أجاب حسناً سأعود غداً"».

أضافت "الزين": «الشعر هو رشفات الرحيق وغذاء الروح، وإبحار في الجمال السرمدي، وحالة وجدانية تكتبنا ولا نكتبها، أما النثر سواء قصة أو رواية، فهو نزهة العقل، وأسئلة الأجوبة، تجارب الأولين والآخرين في مساكب من نحت الجمال قياساً بالشعر الذي هو أقرب إلى الحرفة.

الحب والوطن هما العنصران الرئيسان سواء في مجموعتي القصصية أو الديوان وخاصة الحرب، فالكتابان صدرا في "حلب" عام 2017؛ أي بعد ست سنوات من الحرب التي دارت رحاها في "سورية" واختصت "حلب" بالجزء الأكبر من الوجع.

أما القصة القصيرة جداً، فهي جنس أدبي يعتمد الاختزال والتكثيف، فيطرح في عدد قليل من السطور قضية عميقة أو سؤالاً بؤرياً يتميز بالتصوير البلاغي، فالسرد المباشر يضعفها، والعنصر الأهم هو المفارقة التي تنتج من طرح بعدين متناقضين، كما أن الخاتمة بما تحمله من إدهاش تمثل الهدف الذي سعى إليه الكاتب، وقد تكون واضحة أو رمزية، لكنها في الحالتين هي تلك النقلة السريعة أو المفاجئة من الفكرة المحفزة داخل النص إلى الخارج المدهش. في القصة القصيرة جداً ليس على الكاتب أن يقدم حلولاً، فهو يترك للقارئ مساحة للمشاركة في العملية الإبداعية».

فيما يخص أعمالها، قالت: «"حدث غداً" مجموعة قصصية تحوي 112 نصاً تراوح بين الأقصوصة والقصة القصيرة جداً، يبدأ بسبعة نصوص بعنوان: "قال الراوي"، وهي تجربة قصصية جديدة استحضرت فيها شخصية دمنة من كتاب "كليلة ودمنة"، وأدخلتها في حياتنا الحاضرة، فهي مرة سائحة، ومرة صحفية، ومرة معالجة بالطب البديل، ومرة مرشحة لانتخابات نيابية. تسرد النصوص بشيء من السجع الساخر لتحمل إسقاطات لمشكلات سياسية واجتماعية من واقع الأزمة السورية.

"أحلام منتصف الشوق" قصائد نثرية تراوح مواضيعها بين الحرب وانعكاساتها السوداوية، وبين العلاقة الجدلية بين الرجل والمرأة بكل إشكالاتها».

عن المرأة السورية قالت "الزين": «المرأة السورية تمتلك شخصية مميزة ولها بصمتها، لكنها كما في كل بلدان الوطن العربي كان عليها أن تناضل لتثبت ذاتها في مجتمع ذكوري؛ لذلك بقي وجودها في الساحة الأدبية والثقافية محدوداً قياساً بالوجود الرجالي، إضافة إلى الكفاح الذي تخوضه ضد الظروف الحياتية القاسية نسبياً في بلاد المشرق وتشترك فيه مع الكاتب الرجل، فإذا أخذنا مجال الكتابة الروائية في العصر الحديث، نجد أن معظم الأسماء التي ظهرت في "سورية" مثل "أميمة الخش، وهيفاء بيطار، ومها حسن"، لم تستمر واكتفت برواية أو اثنتين، في حين تطورت كثيراً الحالة الإبداعية عند "غادة السمان"؛ نظراً لإقامتها في "بيروت" الأكثر احتكاكاً في الوسط الثقافي.

اليوم هناك كمّ لا بأس به من المبدعات السوريات في الأدب وخاصة الشعر، وفي المجالات الثقافية المختلفة، كالكتابة الدرامية، والتمثيل، والإخراج السينمائي والمسرحي، لكن يجب ألا ننسى أننا مازلنا في حالة من التشتت الفكري الذي أفرزته سنوات الحرب، ومع هذا أثق بأن المستقبل القريب سيكشف عن أقلام وأسماء تسطع في سماء الأدب والثقافة، فالمرأة السورية قوية لا تنكسر، وستقف من جديد».

عنها قال الكاتب "فهد خالد حلاوة": «"لميس" هي الكاتبة والمبدعة قصاً وشعراً لعبت باقتدار، وخلقت من الماضي حاضراً في أعمالها وأسقطته على الواقع المأساوي الذي نعيشه، فالحرب الظالمة التي نعيشها أثرت مباشرة بحياة الكاتبة وعائلتها الصغيرة والكبيرة، لكنها ساهمت في خلق قصص في قمة الإبداع معلنة حياة جديدة.

ضمن سياق ومقومات وأركان القصة القصيرة جداً استخدمت الكاتبة البلاغة بكل ثقلها في الصور الشعرية والمشهدية والحدسية والانزياح الدلالي والاستعارات بأنواعها، وجاءت أغلب قصصها بطعم الغرائبية "البريختية" والقفلة المدهشة الصادمة، ومن هذا العمق أثبتت الكاتبة قوتها ووجودها الأدبي محلياً وعربياً، وقريباً ستسطع عالمياً، والمجموعة القصصية "حدث غداً"، والشعرية "أحلام منتصف الشوق" دليل قاطع على سمو قلمها الذي يتغنى بالعدل والحب والأمن والسلام».

يذكر أن الكاتبة من مواليد مدينة "حلب"، تزوجت وسافرت وانقطعت عن الكتابة لمدة 15 عاماً، عادت في عام 2011 إلى "حلب".