تركت البيئة التي عاشها الفنان "غسان دهبي" أثرها في رسم خطوط موهبته وتوجيه بوصلة حركته نحو مستقبله الذي أراده على خشبة المسرح وفي استوديوهات السّينما والتّلفزيون، فكتب اسمه بين أسماء الفنانين في "سورية".

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 أيار 2019، التقت الفنان "غسان دهبي"، فشاركها ذكرياته كشريط عرضه أمامنا، ويقول: «في "حلب" وفي حيّ "الجميلية" الممثل الأنسب للفسيفساء السّوري، الجامع لكل الأطياف على اختلافها وتنوعها، المحاط بخط (الترام) أجمل وسائط النّقل الجماعيّة وصالتين للسينما "الفريال" و"الفردوس"، والمكتبات العامرة بالقرطاسية والرّوايات العربيّة والمصريّة والعالميّة. في ثنايا هذا الحيّ يُترك الطّفل بعمري على حب أغاني "عبد الحليم"، وحضور الحفلات التي تقام على مسرح سوق الإنتاج في كل عام، وهو تماماً مثل معرض "دمشق" الدّولي، حيث العروض السّينمائيّة الجميلة.

تجاوزت علاقتي بالفنان "غسان" خمسة وثلاثين عاماً، عرفته رجلاً نشيطاً اجتماعياً وثقافياً وفنياً، له علاقات واسعة مع أكبر شريحة من الفنانين والمثقفين في المدينة، عمل لمدة طويلة في نقابة الفنانين، وتبوّأ عدة مناصب مهمة فيها، فكان رجلاً محبوباً ودوداً، لديه القدرة على المتابعة والتّحمّل والإصغاء، ويخدم كل زملائه وعلاقته جيدة معهم، ولديه حالة إبداعية لتجهيز النّاس لمحبة عمل إبداعي والسّعي لإنجاحه، وتجده العنصر الفعال في كل الأعمال والفعاليات، وكان له دور مهم في اتحاد النقابات في "حلب"، حيث أدخل إليها الجوّ الثّقافي والمسرحي والإعلامي، وكان له دور في غرف الصّناعة وغرف التّجارة والاتحادات المهنية الأخرى من خلال ما يملكه من حسّ المبادرة؛ إنه فنان إنساني

في هذا الحيّ نشأت وتربيت، وبجوار مدرّس مادة الموسيقا والتّمثيل المرحوم "أحمد نهاد الفرا"؛ وهو أول فنان يحمل شهادة أكاديمية من "مصر" معهد التّمثيل الممهورة بمهر عميد الأدب العربي "طه حسين"، والمخرج السّينمائي "أحمد عرفان" أول مخرج سينمائي سوري، ترافقني صورة تلك المدة حتى هذا اليوم، حيث بدأت وفي سبعينات القرن الماضي الحركة السّينمائية تنتعش في "حلب"، وأخذت تعجّ بالممثلين وخاصة المصريين منهم لنكون بينهم ومعهم وكانت لي فرصتي بالتعرف إلى المخرج السّينمائي الحلبي "رضا ميسر"، حيث ازداد حبي للسينما كما ازدادت قراءتي للرواية التي تتحول إلى الشّاشة، وكبر حلمي مع أنني لم أتمكن من دراسة السّينما في "القاهرة" بعد أن أرسلت كافة أوراقي للقبول في المعهد؛ وذلك لأسباب ارتبطت بتلك المرحلة».

من مسرحية سكان الكهف

ويتابع الفنان "غسان" ويقول: «أحببت المسرح من خلال أعمال المرحوم "عبد الوهاب الجراح"، وهو من أهم من قدموا عروض المسرح الخاص في "سورية"، فلم أفوّت فرص المشاركة بالتمثيل على خشبة المسرح المدرسي ومسرح الشبيبة، حيث كانت لي تجارب جميلة وكثيرة، وفيما بعد وبمسرحية "بانورما مقهى عربي" كانت مشاركتي الأولى كممثل مع المؤلف الشّاعر "سهيل إبراهيم" والمخرج "محمود خضور" في أول أعماله الإخراجية، وكان العمل يجمع خيرة ممثلي مدينة "حلب" في تلك المدة، وكانت انطلاقتي للعمل في كل المجالات الفنية تقريباً بالمسرح الرّسمي، والمنظمات، والمسرح الخاص، وكان لي شرف المشاركة مع الفنان "سعد الدين بقدونس" الذي أثّر في رحلتي المسرحية، فكنت معه بجولاته في المحافظات والمناطق والبلدات، نزرع لدى ناسها البسطاء حب المسرح من خلال الابتسامة والضّحكة والتّمثيل الممتع، وكذلك عملت لمدة مع الإعلامي "نذير عقيل" الذي ابتدع البث المباشر في إذاعة "دمشق". وكنت مديراً فنياً لفرقة المسرح العمالي في "حلب" لأكثر من ربع قرن، شاركت بالتمثيل وأشرفت فنياً بإنتاجات مسرحية مع زملاء لي أعتزّ بمشاركتهم والعمل معهم طوال تلك المدة، وشاركت في التلفزيون بأعمال عديدة وكثيرة وأدوار جيدة، وكانت ضمن البيئة الحلبية التي أنتمي إليها والكثير من الأعمال التي نفذت في "دمشق" ابتداءً من "خان الحرير" و"الثريا"، وانتهاءً بمسلسل "مسافة أمان"، ترواحت مشاركاتي بين مشاهد متعددة ومساحات مختلفة، فبالنسبة لي لا يهم مساحة الدّور، إنما الحضور والتّنوع بالأداء وتفاصيل الشّخصية التي أقوم بها ضمن السّياق الدّرامي للعمل، إضافة إلى الانطباع الإيجابي لدى المشاهد والمتابع للعمل التلفزيوني. أما السينما، فهي أحبّ الفنون لديّ لكونها ذاكرة الفنون للشعوب والأرقى في الحضور والمتابعة والمتعة، فكانت لي فيها مشاركات قليلة "رحلة عذاب" و"صهيل الجهات"، وغيرهما، وكان لي اهتمام بالإشراف وتنظيم الحفلات والمهرجانات الفنية والوطنية المختلفة التي تقام في مدينة "حلب"، وسعيت للانتساب إلى نقابة الفنانين، وتسلّمت مهمات نقابية مختلفة آخرها مكتب العلاقات العامة بفرع النقابة في "حلب"، فهذا العمل قريب إلى طبيعة تكويني الإنساني، لقد كان لكل عمل لي متعته الخاصة وذكرياته وخصوصيته ضمن مراحل العمر المتسارعة من الهواية إلى الاحتراف، والرضا الكامل عنه، أو إعادة الدّراسة ومراجعة الذات من أجل الاستفادة من التّجربة إن كانت إيجابيّة أم سلبية».

"وضاح محي الدّين" مدير مكتب مجلة "بقعة ضوء" في "حلب"، يتحدث عن معرفته بالفنان "غسان دهبي" ويقول: «تجاوزت علاقتي بالفنان "غسان" خمسة وثلاثين عاماً، عرفته رجلاً نشيطاً اجتماعياً وثقافياً وفنياً، له علاقات واسعة مع أكبر شريحة من الفنانين والمثقفين في المدينة، عمل لمدة طويلة في نقابة الفنانين، وتبوّأ عدة مناصب مهمة فيها، فكان رجلاً محبوباً ودوداً، لديه القدرة على المتابعة والتّحمّل والإصغاء، ويخدم كل زملائه وعلاقته جيدة معهم، ولديه حالة إبداعية لتجهيز النّاس لمحبة عمل إبداعي والسّعي لإنجاحه، وتجده العنصر الفعال في كل الأعمال والفعاليات، وكان له دور مهم في اتحاد النقابات في "حلب"، حيث أدخل إليها الجوّ الثّقافي والمسرحي والإعلامي، وكان له دور في غرف الصّناعة وغرف التّجارة والاتحادات المهنية الأخرى من خلال ما يملكه من حسّ المبادرة؛ إنه فنان إنساني».

من احتفاليات حلب

يذكر، أن الفنان "غسان دهبي" من مواليد "حلب" عام 1956، يجتهد مع الكثيرين من فناني "حلب" المبدعين وبالتعاون مع الجهات العامة والخاصة لإعادة "حلب" المدينة المحروسة المبدعة إلى وضعها المميّز في الخارطة الفنيّة السّوريّة والعربيّة في المسرح والتّلفزيون والسّينما، وحتى الإذاعة.

الأستاذ وضاح محي الدين