بالبحث العلمي والمعرفة الحقوقية والاقتصادية والمهام الإدارية المتنوعة، مضت حياة الأستاذ الدكتور الراحل "محمد سعيد فرهود"، التي امتدت على مدار أربعة عقود من الزمن في الجامعة، وأهلته ليكون في طليعة الأساتذة والباحثين الحقوقيين والاقتصاديين في سورية والوطن العربي.

نشأ الراحل في حي "باب الحديد" العريق الزاخر بالتاريخ والآثار في كل أزقته وزواياه وأرصفته الحجرية المرصوفة، وهو ما ترك أثراً في حياته لجهة البحث ودراسة القيمة التاريخية لمثل هذه الأحياء، وكما يشير نجله الطبيب البشري "عمر فرهود" لموقع مدوّنة وطن "eSyria"فقد كان والده في بداياته الدراسية الأولية دائم القراءة والبحث والاطلاع على الكتب التراثية، ومن هذا الجانب العلمي بدأت مسيرته العلمية بالتوهج وحبّ المعرفة، إذ بعد نجاحه بالدراسة الثانوية في مدرسة "المأمون"، تابع الدراسة في المعهد الصحي بـ"مصر" وبعد تخرجه عمل في محافظة ريف "دمشق"، إلا أنّ طموحه في متابعة الدراسة وعلى مستويات أبعد جعله يعيد التقدم مرة أخرى لنيل الشهادة الثانوية، فكان له ما أراد وبتفوق، حيث التحق بداية بكلية الحقوق في جامعة "دمشق"، ثم تابع الدراسة في جامعة "حلب" بعد افتتاح فرع لكلية الحقوق فيها، وليتخرج لاحقاً بدرجة جيد جداً عام 1965، وهو ما أتاح له التقدم لمسابقة المعيدين التي أعلنت عنها الجامعة، حيث أوفد بعد قبوله ببعثة دراسية إلى جامعة "القاهرة" لمتابعة تحصيله العلمي، وحصل هناك على دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1969.

أنا والدكتور "سعيد" جمعتنا رحلة عمر طويلة في المرحلة الجامعية الأولية ومن ثم التقينا معاً في التحضير لدراسة الدكتوراه بـ"مصر" وعدنا معاً للتدريس في جامعة "حلب" ولم تبدل المناصب من طباعه الحميدة بل زادت تواضعه وحبه لمساعدة الآخرين، ويحسب له خلال فترة توليه رئاسة الجامعة الأعمال الكثيرة التي قام بها لتطوير الجامعة وضبط عملية الهدر والإنفاق المالي دون مبرر، وتميّز بمكانته العلمية على مستوى الوطن العربي والجامعات كخبير في المجال الحقوقي والاقتصادي

ويضيف نجله قائلاً: «تابع والدي مسيرته العلمية في "مصر" بدراسة دبلوم الدراسات العليا في التشريع الضريبي ونيل درجة الدكتوراه في المالية العامة والسياسة الجمركية عام 1975، وبعد عودته لمدينة "حلب" وإلغاء كلية الحقوق في جامعة "حلب" انتقل للتدريس في كلية العلوم الاقتصادية وتسلّم مهام الوكيل الإداري لدورة واحدة والعلمي لدورة أخرى وبقي في هذين المنصبين حتى عام 1979، ليغادر بعدها إلى "السعودية" للتدريس في معهد الإدارة العامة بـ"الرياض" ولمدة خمس سنوات، وعند العودة تسلّم مهام عمادة كلية الحقوق بجامعة "حلب" بعد إعادة افتتاحها من جديد واستمر لمدة خمسة أعوام، ليعود للإعارة والتدريس في كلية الحقوق بجامعة "الكويت" وبقي هناك حتى عام ألفين».

ابنه الدكتور "عمر محمد سعيد فرهود"

ويضيف الدكتور "عمر" قائلاً: « توج والدي حياته الإدارية بتسلمه رئاسة جامعة "حلب" عام 2001 وبقي في هذا المنصب حتى عام 2004 وخلال تلك الفترة عمل على استمرار رفع شأن مكانة الجامعة في جميع الجوانب العلمية والإدارية والطلابية واللوجستية والتنظيمية، وتشجيع البحث العلمي في مختلف الفروع والمواد، وفتح باب مكتبه لاستقبال المراجعين وسماع الشكاوى من الجميع من دون استثناء سواء من عمداء الكليات أو المديرين والعاملين بالجامعة أو من أبنائه الطلبة، وتميزت فترة رئاسته بضبط الإنفاق المالي والترشيد من خلال تطبيق الأنظمة والقوانين، وكان أول من عمل في القطر على نقل وتطبيق تجربة التعليم المفتوح مستفيداً من الجامعات المصرية، وساهم بافتتاح مركز "جراحة القلب" و"مراكز تعليم اللغات الأجنبية"، إضافة لأعمال أخرى متنوعة لمصلحة الجامعة، ليتقاعد بعد انتهاء رئاسته، وبعدها كان يتم تجديد التعاقد معه سنوياً للتدريس في كليتي الاقتصاد والحقوق بالجامعة والإشراف على طلاب الدراسات العليا».

للراحل العديد من الكتب الجامعية والمؤلفات والأبحاث في الجانب الحقوقي والمالي ولا تزال كتبه تدرس حتى الآن في كليتي الحقوق والاقتصاد بجامعة "حلب"، ومن أهمها :مبادئ المالية العامة، القانون التجاري، التشريعات المالية والمصرفية، العدالة الضريبية، كفاءة سوق الأوراق المالية، النظام الضريبي، من العدل إلى العدالة، النظام القانوني للأموال العامة في القانون السوري.

من داخل مكتبه في رئاسة الجامعة

كما قام بالإشراف على العديد من رسائل الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه، وتحكيم الأبحاث العلمية للنشر في المجلات العلمية.

زميله ورفيق دربه في الكلية والتدريس الدكتور "محمد زهير شامية" يصفه بالإنسان الطيب المتسامح ذي الخلق الحسن والهادئ وقال: «أنا والدكتور "سعيد" جمعتنا رحلة عمر طويلة في المرحلة الجامعية الأولية ومن ثم التقينا معاً في التحضير لدراسة الدكتوراه بـ"مصر" وعدنا معاً للتدريس في جامعة "حلب" ولم تبدل المناصب من طباعه الحميدة بل زادت تواضعه وحبه لمساعدة الآخرين، ويحسب له خلال فترة توليه رئاسة الجامعة الأعمال الكثيرة التي قام بها لتطوير الجامعة وضبط عملية الهدر والإنفاق المالي دون مبرر، وتميّز بمكانته العلمية على مستوى الوطن العربي والجامعات كخبير في المجال الحقوقي والاقتصادي».

أحد مؤلفاته التي تدرّس بالجامعة

أما طالبه الدكتور "عبد الرؤوف نحاس" الذي وصفه بالأب والأخ والصديق الذي لا يعوض نظراً لما كان يتحلى به من خصال حميدة ومعرفة وثروة علمية لا مثيل لها قال عنه: كان لي الفخر بإشرافه على رسالتي للماجستير، وكان ناصحاً ومعلماً وتربوياً لي حتى في استخدام مفردات اللغة العربية، استفدت من ذخيرته وعلومه في التحضير لرسالتي، وقد تم تكليفه بالإشراف على رسالتي لنيل رسالة الدكتوراه، لكن القدر لم يمهله لتلك المهمة، أشعر بالحزن والأسى على رحيل قامة علمية، لقد غاب جسداً وبقي حياً ننهل من كتبه ومؤلفاته ونتعلم من تواضعه وأخلاقه الحميدة.

الجدير بالذكر أنّ الدكتور الراحل "محمد سعيد فرهود" من مواليد مدينة "حلب" عام 1939، وتوفي عام 2010 إثر عمل جراحي في القلب.

تمّ هذا اللقاء بتاريخ 16 تشرين الثاني في عيادة ابنه الدكتور "عمر محمد سعيد فرهود" في شارع نزلة ادونيس.