اشتهرت "دمشق" في كل العصور بنشاطها التجاري، بسبب موقعها الهام على طريق قوافل التجارة والحجاج واقتضى ذلك إقامة منازل للمسافرين ومنشآت للنشاط التجاري الذي يشتمل على الاستيراد والتصدير وتبادل السلع، وكان النشاط التجاري يتمركز إضافة إلى الأسواق العامة في منشآت تشاد للأغراض التجارية ولنزول القوافل والمسافرين من تجار وحجاج، بعضها يشاد داخل المدن والبعض الآخر في أطرافها، وعلى الطرقات العامة وكان يطلق على هذه المؤسسات الخانات أو الفنادق.

فريق "دمشق القديمة" بتاريخ 20/4/2009 توجه إلى سوق "مدحت باشا" وبالتحديد إلى "الخان الخياطين" للتعرف عن قرب على أهمية هذا الخان من خلال العصور المتتالية التي تعاقبت على مدينة "دمشق"، وعن سبب تسمية الخان بهذا الاسم قال الدكتور "عبد القادر الريحاوي" الباحث والكاتب في شؤون وتاريخ "دمشق": «كلمة الخان من أصل فارسي وتعني القصر أو البيت، لكن وجدنا أن أقدم استعمال لها عند "الباذري" وهو من القرن الثالث الهجري لدى وصفه لأحد الثغور الشامية القريبة من "انطاكية" وكانت منازلها كالخانات، أما الرحالة "ابن جبير" فقد استعمل كلمة الخان وأطلقها على محطات القوافل التي نزلها بين "دمشق وحمص".

إن أجمل خانات الشرق موجودة في مدينة "دمشق"، ولاسيما خان "الخياطين" وخان "أسعد باشا"، وفي "دمشق" مهندسون لديهم كفاءات عالية لتصميم مثل هذه الخانات وعمال قادرون على تنفيذ مثل هذا البناء الجدير بالحياة والفن

وخان الخياطين يعرف أيضاً بـ"خان الجوخية" الذي يقع في "سوق الخياطين المشهور"، أنشأه والي "دمشق" "أحمد شمسي باشا" في عام 960هـ/1554م كما هو مثبت في الكتابة المنقوشة على باب الخان».

واجهة الخان

وعن الأوصاف العامة التي يتصف به خان الخياطين، يقول "الريحاوي" الذي عمل ثلاثين عاماً في المديرية العامة للآثار والمتاحف كمسؤول عن حماية الآثار العمرانية والمعمارية في سورية: «يتألف بناء الخان من طابقين يحيطان بباحة مسقوفة يدخل إليها من الباب الرئيسي عبر دهليز واسع، وهو ذو فناء مسقوف يدخل إليه من باب واسع ضمن إيوان على جانبيه مقعدان من الحجر، يغلق بمصراعين من الخشب المصفح بالحديد وينفتح في إحداهما باب صغير يدعى "خوخة" ويلي الباب دهليز مسقوف بعقد ومزود بمخازن تجارية على جانبيه ودرج أو اثنان إلى الطابق العلوي، ويلي الدهليز باحة واسعة تتوسطها بركة، أما الباحة فهي مسقوفة بالقباب وتحيط بها غرف للتجار ويتقدمها رواق، وفي الواجهة الخارجية توجد المحلات التجارية على سوق الخياطين، أما الغرف فهي تتألف من خمسين غرفة سواء في القسم العلوي والأرضي».

يستخدم خان "الخياطين" حالياً للعديد من الصناعات اليدوية فنجد فيه أماكن بيع مواد العطارة والسكاكر والروائح العطرية والشموع والحلي، أما في السابق فاستخدم الخان لأغراض مختلفة عن الوقت الحالي وعن هذا يقول "الريحاوي": «كانت وظيفة الخانات في السابق تشمل على النواحي المهنية والتجارية والسكنية، بعضها يشغل وظيفة الفندق والسوق بآن واحد، حيث الطابق الأرضي ينزل فيه القوافل ويتسع للبضائع وللخيول بينما الطابق العلوي مؤلف من غرف صغيرة يبيت فيه التجار والمسافرون وكان يوجد في داخل الخانات مقاهٍ ومخازن تجارية من كل نوع وحتى سنوات قليلة كان خان "الخياطين" ما يزال يؤدي وظيفته التجارية، حيث تشاهد البضائع مكدسة في باحته وفي مستودعاته ويحتل تجار الجملة غرفه كمكاتب لهم ومخازن لبضائعهم».

من الأعلى

وفي نهاية حديثنا مع الدكتور "عبد القادر الريحاوي" أحد المهتمين بتراث مدينة "دمشق" قال وهو يستشهد بقول الشاعر الفرنسي الشهير "لامارتين" الذي زار "دمشق" وخاناته في عام 1833 وكتب عنه مؤلفه الذي وضعه حول رحلته إلى الشرق: «إن أجمل خانات الشرق موجودة في مدينة "دمشق"، ولاسيما خان "الخياطين" وخان "أسعد باشا"، وفي "دمشق" مهندسون لديهم كفاءات عالية لتصميم مثل هذه الخانات وعمال قادرون على تنفيذ مثل هذا البناء الجدير بالحياة والفن».