يجعلك اسمه "زقاق الجن" تتريث قليلاً قبل الدخول إليه، إلا أنك سرعان ما تستذكر أنك تقف في حيّ يقع في منتصف دمشق في منطقة "البرامكة"، حيث يعدّ أكثر الأماكن ازدحاماً في سورية. يستيقظ "زقاق الجن" في الساعة الساسة صباحاً حيث يمكنك رؤية وشراء جميع مشتقات الحليب وأنواع مختلفة من الخضراوات والفواكه الطازجة، إذ يعتمد أغلب سكان مناطق "قبر عاتكة"، "الشويتكة"، "قنوات"، "باب سريجة"، "البختيار"، و"الشريبيشات"، المجاورة لزقاق الجن على هذا السوق الصغير في تأمين احتياجاتهم الغذائية.

مدونة وطن eSyria التقى السيد "نزيه العاشق" 75 عاماً وهو من الأشخاص الذين عملوا في "حي زقاق الجن" منذ فترة طويلة، يقول عن سبب تسمية الحي: «كانت المنطقة مغلقة من الخارج، وكان الشخص يقف قرب السكّة وعندما يصرخ صوتاً يرتد إليه صدى هذا الصوت، فيقال إن المنطقة مسكونة بالجن، ولذلك سمّي زقاق الجن».

يروى أن راعي أغنام كان يرعى أغنامه في بساتين زقاق الجن، وفجأة بدأت إحدى أغنامه تستطيل إلى الأمام، فاعتقد أنها جني

ويروي ذكرياته فيه قائلاً: «كنت أرعى في المنطقة بعض الأغنام التي كنت أملكها، بالقرب من منطقة "بين النهرين" لوجود فرعين من نهر بردى كانا يحيطان بالمنطقة، حيث كانت منطقة "بين النهرين" المجاورة لزقاق الجن مكاناً للمطاليب، وكانت بساتين زقاق الجن مزروعة بأشجار مثمرة كالجانرك وبعض أنواع الفواكه، إلى أن جاءت أيام الوحدة مع مصر وبدأ الناس يبنون بيوتاً لهم في المنطقة».

أحد شوارع زقاق الجن

وعن كيفية تحوّل "زقاق الجن" من بستان إلى حي سكني يقول مختار البرامكة الحالي "محمد قصّار": «بدأ سكّان المناطق المجاورة بالمدّ من مناطق باب سريجة والمجتهد والبختيار والحلبوني نحو هذا الحي الجديد، ومن ثم تحول إلى حي سكني، وتعد أرض زقاق الجن من أراضي منطقة بساتين قنوات».

إلا أن السيد "خالد العبد الله" صاحب محل قطع تبديل هيدروليك في "زقاق الجن" يروي قصّة مختلفة عن سبب تسمية الحي فيقول: «يروى أن راعي أغنام كان يرعى أغنامه في بساتين زقاق الجن، وفجأة بدأت إحدى أغنامه تستطيل إلى الأمام، فاعتقد أنها جني».

حديقة الطلائع

وعن مساحة المنطقة وعدد الساكنين فيها يضيف "قصّار": «يقدّر عدد سكّان المنطقة بـ 3500 نسمة، وتبلغ مساحة حي زقاق الجن 40000 متراً مربعاً تقريباً.

وعن التغييرات التي طرأت على الحي يقول الباحث "محمد ياسين الأخرس" 68 عاماً: «عندما توسعت منطقة "الشريبيشات" التي يقال عنها "الإطفائية" حالياً، نظّمت منطقة زقاق الجن كمنطقة صناعية لتصليح السيارات، حيث امتدت الكراجات من المنطقة المجاورة لفرع الإطفائية قرب سوق "سريجة" حتى نهاية زقاق الجن، وخلال تطور الأبنية، ومع توسع المدينة أصبح وجود الكراجات فيها غير وارداً فتمّ نقل كراجات زقاق الجن إلى المنطقة الصناعية في القدم، وأصبح حي "زقاق الجن" منطقة صناعية وتجارية».

"محمد صياح طرابيشي" أول مختار لزقاق الجن

ومن خلال بحثنا استطعنا الوصول إلى السيد "محمد صياح طرابيشي" الملقب "أبو حمدي" 75 عاماً والذي تسلّم مختار البرامكة منذ عام 1971 وهو أول مختار لحي زقاق الجن واستمر حتى استقالته في عام 1992 ليأتي بعده المختار "عمر مرعي" ومن ثم "محمد زيات"، ومن ثم "محمد قصار" الذي مازال حتى اليوم، يقول "أبو حمدي" الذي يدير الآن مقهى محطة الحجاز: «كان حي زقاق الجن عبارة عن بساتين حتى خمسينيات القرن الماضي، وكان أهالي المنطقة يحسبون حساب الدخول إليها، لأنه كانت قد سرت إشاعات أنها مسكونة بالجن، على الرغم من أننا لم نكن نسمع آنذاك أن جنيا ظهر لأحد ما».

وأضاف "طرابيشي": «كان الأطفال يقفزون من على دك البساتين ليأكلوا ثمار الجانرك والمشمش، على الرغم من أن الفلاحين كانوا كرماء، إذ كانوا يضعون ما يشبه الحوض أمام باب البستان، ويضعون فيه بعضاً من غلال تلك البساتين، فيأتي فقراء المناطق المجاورة مثل "قبر عاتكة"، "الشويتكة"، "قنوات"، "باب سريجة"، و"الشريبيشات" ليلاً ويأخذون ما وضعه لهم الفلاحون، وكانت الخضار والفواكه التي كانت تثمر في بساتين زقاق الجن كانت تشتهر بجودتها».

وعن الحديقة الموجودة في حي "زقاق الجن" قال "طرابيشي": «هي حديقة الطلائع وسمّيت كذلك لأن منظمة الطلائع وضعت يدها عليها وأحدثت فيها بعض الألعاب، لكنها استثمرت فيما بعد لمصلحة الغير، إلى أن تم إعادة تأهيلها كمنتزه حالياً وأطلق عليها اسم حديقة البرامكة، ورغم ذلك ما تزال معروفة باسم حديقة الطلائع».

وعن الحديقة يضيف السيد "خالد العبد الله": «كان مكان الحديقة كراج لتصنيع السيارات وصناديق السيارات، وكانت مقسّمة إلى ثلاثة أقسام هي كراج "الميداني"، "بغداد"، و"النور" حتى السبيعينيات حيث تم تحويلها إلى حديقة طلائع».

وعن الفلاحين الذين مازالوا حتى اليوم يبيعون منتجاتهم في حي زقاق الجن قال "ابو حمدي": «وجدوا مركزاً لهم في هذا الحي، لكون المنطقة هي منطقة أزدحام سكاني، وعلى الرغم من أن الشرطة منعتهم عدة مرّات من البيع في المنطقة إلى أنهم مازالوا مستمرين إلى اليوم، حيث اعتاد سكان المنطقة على الاستيقاظ باكراً ليحصلوا على منتجات زراعية ممتازة، ويأتي هؤلاء الفلاحون عادة من القنيطرة ومن جبل الشيخ ومن بلودان والزبداني».

وعن أول العائلات التي سكنت المنطقة قال المختار "طرابيشي": «عائلات "المنجّد"، "عوض"، "خبّاز"، "السمّان"، واشتهر في المنطقة الدكتور "فاروق الشلخ" بسمعته الطيبة وما زالت عيادته موجودة حتى الآن في الحي».

وعن أول المهن التي افتتحت في حي زقاق الجن قال "محمد صياح طرابيشي": «كانت مهنة تصليح وبيع قطع السيارات، فقلدته المحال المجاورة، وتحول الشارع خلال سنوات إلى أشهر مكان في دمشق لتصليح السيارات، ولكن مع تنظيم المدينة تم نقل كراجات تصليح السيارات إلى "حوش بلاس"، وظلت المحال التجارية في "زقاق الجن" تبيع قطع السيارات فقط دون تصليحها».

وأضاف "طرابيشي": «اشتهرت المنطقة كما كلّ أحياء دمشق بمواقفها الوطنية، حيث عرف عنهم مقاومتهم للمستعمر الفرنسي، وكان على زعامتهم البطل "سعيد الازن" والذي كان من رفاق الرئيس السوري "شكري القوتلي"، ومن العائلات التي اشتهرت بمواقفها البطولية أذكر عائلتي "القصار"، و"البهلوان».

ويروي المختار الأول قصّة حدثت مع والده "حمدي الطرابيشي" وهو من أوائل الأشخاص الذين سكنوا حي "زقاق الجن" أبان الاحتلال الفرنسي: «مرّ بالقرب من فرن "الطير" في منطقة "قبر عاتكة"، فرأى النساء قد تجمعن على الفرن مشتكين من غلاء سعر الخبز، فجمعهم وتقدمهم في تظاهرة وجرّ خلفه عربة من الحجارة الصغيرة "البحص"، حيث كانوا ينادون "جوعانين جوعانين.. رطل الخبر بثلاثين"، وقادهم "الطرابيشي" الأب إلى السرايا الحكومي في "المرجة" ورشقوا السرايا بالحجارة، فظهر المندوب السامي من شرفة السرايا وطلب من الشرطة طردهم، وفي الليل توصلت الشرطة الفرنسية إلى معرفة اسم والدي ولاحقوه لكنهم لم يعثروا عليه حيث أقام عند جيراننا في الحي عدة أيام».