يعدّ التكثيف اللغوي للفكرة الإبداعية من أهم سمات القصة القصيرة جداً أو ما بات يعرف اصطلاحاً "ق.ق.ج"، وهو ما التقت فيه مع مستطيل صغير في صفحة التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" وكتب داخله: "ماذا يخطر في بالك؟"

فإلى أي حد يمكننا مقاربة الاثنين في جنس أدبي واحد؟ أم إن لذلك الوافد الالكتروني- غير الخبري- سماته الخاصة التي من الممكن أن تتحول لجنس أدبي مستقل؟.

من بين اصدقائي المدونين الذين طبعوا مدوناتهم، نيرمين نزار، قامت بطباعة مدونتها اسكندرية/بيروت في كتاب يحمل نفس الاسم

مدونة وطن eSyria وبتاريخ 3/4/2013 التقت مجموعة من الكتاب والمهتمين حول هذا الموضوع، وكان أولها المترجم والصحفي "فادي الطويل" حيث قال: «برأيي الشخصي، أحياناً أقرأ "بوست" يكون معبراً جداً أو "بوست" أدبي جميل، ويعطيني انطباعاً أن كاتبه يستطيع كتابة قصة، وذلك لوجود ترابط وتماسك في الفكرة مع التكثيف المطلوب في الجنس الأدبي الذي مازال إشكالياً وهو القصة القصيرة جداً، إضافة إلى هنا يمكن الاستفادة من التكنولوجيا، لكن ثمّة ظواهر بدأت تأخذ أكبر مما تستحق، أي إنها خرجت عن كونها موضة أو تقليعة لتتحول (خاصة في الغرب) إلى حالة تنال اعترافاً بها، مثل رواية الـ SMS المكتوبة على سلسلة من الرسائل النصية أو أدب تويتر (القصص المكتوبة بطريقة Tweets) الذي نال احتفاءً في الفترة الأخيرة. لكن هذه الفورة لا تكرّس هاتين الظاهرتين كأدب».

الروائي أيمن مارديني

أما "خالد فليحان" وهو مهندس كمبيوتر ومتابع للمدونات فيقول: «الفيس بوك هو مكان للكتابة، يمكن أن نكتب به ما نشاء، مثله مثل الورقة البيضاء، والدفتر، الفرق هو نوعية الكتاب ونوعية المادة المكتوبة، وطريقة التلقي، وطريقة النشر، مزيج كلاسيكي وتكنولوجي، وأنا أرى أن كتابة الشعر على الفيس بوك لا يصنع منه شيئاً آخر سوى أنه شعر، ليس هناك شعر أدبي وشعر أدبي فيسبوكي».

إن الورق ليس من نَشر الفكر، بل الهواء هو الذي يحمله، بحسب ما تراه السيدة "منى هلال" وهي مدرسة لغة فرنسية، وتضيف: «هناك الكثير من الكتّاب كل كتاباتهم على الانترنت، وليست ق.ق.ج أو غيرها، فالمهم أن ما يكتبونه يؤدي رسالته، وبالمحصلة لكل عصر أدواته المناسبة لتطوره».

الصحفي فادي الطويل

بدوره الروائي "أيمن مارديني" يقول: «من المؤكد أن متصفح الفيس بوك هو آلية جديدة اقتحمت حياتنا شئنا أم أبينا، وعلى من يتعامل معه أن يتبع قوانينها الالكترونية ولكن بشرط هو القيمة الفنية والفكرية والجمالية».

درجت العادة على أن يشار إلى من يملك مجموعة قصصية- ولو واحدة فقط- على أنه كاتب قصصي، بغض النظر عن المستوى، أما من يعتمد النشر على الفيسبوك وحده فلا يقال عنه كاتب فيسبوكي، وإن قيلت فهي تأتي ربما في سياق ساخر أغلب الأحيان.. واذا كان الحل أن ينشر الكاتب الفيسبوكي مجموعة ما كتبه الكترونياً ويحوله إلى مجموعة قصصية ورقية، فما الغاية من ذلك، إذا كان القراء يتابعونه أولاً بأول على الفيسبوك؟

القصة القصيرة جدا تحب التكثيف

عن هذا أيضاً تحدث "خالد فليحان" بقوله: «الكثير من الكتاب نشروا كتباً وروايات، كانت مجرد صفحات على المواقع الالكترونية ونالت الاستحسان والرضى وأقبل الناس على شرائها، مثل كتاب أسرار صغيرة لـ "ريتا خوري"، فقد نفد من المكتبات بعد يومين من طرحه في الأسواق، وهو كتاب جمعت فيه تدويناتها التي كانت تكتبها على الانترنت، كذلك كتاب "امرأة مشعة" لـ "نعمات بحيري"، وهو نسخة عن مدونتها، وكذلك العديد من الكتاب المصريين الجدد الذين كنت أتابع كتاباتهم الالكترونية التي تحولت فيما بعد إلى كتب ودراسات وروايات، ولا أظن أن عددهم بالقليل!!»

‏ويضيف: «من بين اصدقائي المدونين الذين طبعوا مدوناتهم، نيرمين نزار، قامت بطباعة مدونتها اسكندرية/بيروت في كتاب يحمل نفس الاسم».

الصحفي والمترجم "فادي الطويل" يقول: «أضيف مثالاً: وهو "غادة عادل" التي كان لها نصيب كبير من الانتشار بعد تحويل مدونتها إلى رواية أصدرتها دار الشروق. بصرف النظر عن تحويلها لمسلسل تلفزيوني، وأنا شخصياً مع هذه الظاهرة، ولكن بشرط أن تقل المشكلات التقنية من انقطاع أو بطء بالاتصال في سورية».

أما الروائي "مارديني" فيقول: «بالفعل يشكل "بوست" الفيس بوك أجناساً جديدة، وقد تم رصدها أدبياً في روايات صدرت وأخذت شكلاً أدبياً حوارياً خاصاً ببرامج التشات أو المحادثة، وبرأيي التكثيف أو الإفاضة بالبوست الفيسبوكي لا يحدد قيمته، بل أكثر ما يحدد هو القيمة الفكرية الفنية من وراء ما نشر بالطبع وبغض النظر عن البوستات الشخصية، النص الجيد يفرض وجوده، ولا بد أن يأخذ وقته بالكتابة ومثله بالقراءة والمتابعة، أما البوست السريع وما كتب بسرعة فله نصيب من النسيان السريع أيضاً».

بين سرعة النشر وآنية التلقي وكتابة الانطباع أو التعليق، ومع ما يمكن أن يضاف إلى النص من صورة أو صوت وصورة، نجد أن الأفق يتسع لذلك الوافد الجديد ليكون تحت مبضع البحث الأدبي، لشرحه وتفنيده ونقده، ووضع محددات نقدية له ربما تواكب أهميته وأثره وانتشاره الخرافي.