تخصص بأقمشة المفروشات والستائر؛ فبضائعه متقاربة وسمّي "سوق الذراع" نسبة إلى تقليد قياس الأقمشة بالذراع، حافظ على الطابع البسيط وهو ما جعله مقصداً لأبناء الريف والمحافظات الأخرى لتنوع بضائعه ورخص أسعاره.

مدونة وطن "eSyria" جالت في أرجاء السوق بتاريخ 15 كانون الأول 2015، والتقت أقدم تاجر في السوق "علي مظلوم" من مواليد 1932؛ الذي يعود عمر محله إلى أكثر من 100عام، وعن تاريخ السوق والتغيرات التي طرأت عليه حدثنا قائلاً: «ورثت مهنة بيع الخيطان من والدي، فهي تقضي حاجة مهمة للناس، وقد توفي والدي وأنا بعمر ثلاث سنوات؛ فبدأت أتردد إلى المحل مع إخوتي، إلى أن تعلمت المهنة؛ وما زلت مستمراً فيها. عادةً أغلب المهن متوارثة في السوق، وأغلبها يرتبط بصناعة "العقل" و"اللباس العربي" و"العبايات"، لكن نتيجة تغير الزمن والتطورات التي طرأت فإن أغلب التجار أصبحوا يبيعون أقمشة المفروشات المنزلية والمجالس العربية والستائر، ولم يبقَ سوى محل وحيد حالياً في السوق لبيع "العقل"».

الحركة في السوق تبدأ منذ الصباح الباكر وحتى الساعة 2 ظهراً، لكن بسبب الغلاء يبحث الناس عن البضائع الرخيصة، وحالياً حركة البيع قليلة؛ قلة تقصدنا لعمل "جاكيت دامر" أي "الجاكيت العربي"، وأغلب تجار السوق يعانون من انخفاض الطلب

ويتابع «ما يميز السوق أنه من أقدم الأسواق الدمشقية التي تقع ضمن السور، حيث يقع بين سوق "الطويل" وسوق "الصوف"، ومن ثم يأتي بعده سوق "النسوان" الذي كانت تقصده النساء لبيع الثياب القديمة، يبلغ عدد محال سوق "الذراع" ستين محلاً موزعين على الجانبين بطول خمسين متراً، ويفصلهم شارع يتسع لمرور السيارات باتجاه واحد فقط، وفي نهاية السوق هناك باب حديد يعود إلى زمن العثمانيين، حيث كان يغلق ليلاً لمنع السرقة.

التاجر "علي مظلوم"

وما زال السوق محافظاً على طابعه البسيط، فالتاجر كان يضع لوحاً خشبياً وفوقه "طراحة" أي "وسادة" أمام باب محله، ويقوم برفعهما قليلاً عن الأرض ليجلس عليهما ويلبي طلبات الزبائن، وأنا شخصياً ما زلت محافظاً على هذا الأسلوب حتى يومنا هذا، والمحال لا تتحمل الديكورات المعقدة فمساحتها تتراوح ما بين 6 إلى 8 أمتار، وأجمل ما في السوق الطابع التراثي، فسقفه مقبي مع وجود فتحات بالسقف تسمح بدخول النور وأشعة الشمس».

وعن ذكرياته مع التجار قال: «كنا نعد التحضيرات قبل عدة أيام للاحتفال بذكرى "مولد النبي صلي الله عليه وسلم"، إذ كنا نقوم بتزيين المحال والشارع، وكنا نفرش "الأثواب" أي الأقمشة أمام واجهة المحال، لإضفاء جو من البهجة والفرح؛ ومن ثم نقوم بإحضار شيخ لقراءة القرآن حتى نتبارك جميعنا، ولم نكن ننسى "الملبس البلدي" للضيافة».

التاجر "سهيل الملاح"

التقينا تاجر الأقمشة "محمد ضياء مجذوب" الذي يعود عمر محله إلى 1940، فقال: «ورثت المحل أبّاً عن جد؛ كان جدي يحيك "الشماخ" أو ما يعرف بـ"الحطات البيض" على النول، وعندما توفي ورث والدي المحل، ولتكون البضائع متقاربة؛ عملنا على بيع أقمشة المفروشات بأنواعها المختلفة، فكنا أول من أدخل الستائر إلى السوق؛ حيث يقصدنا الزبائن ويجدون طلباتهم من أقمشة وستائر».

وعن سبب تسمية السوق قال: «سمي سوق "الذراع" نسبة إلى تقليد قياس الأقمشة "بالأذرع" (فالذراع 70سم)، وكما هو متعارف فوجه الفراش خمس "أذرع ونصف الذراع"، ونتيجة التطور وتغير الزمن هناك من فضل التعامل "بالذراع" وهناك من أراد التعامل بالمتر لأنه أدق، وحتى لا تلتبس الأمور تم اعتماد المتر كوحدة قياس في السوق، ومن يتعامل "بالذراع" يعاقب من قبل الدولة، وفي تلك الفترة كنا نبيع أنواعاً محددة ومطلوبة من القماش "الأطلس" للحف و"التيترون" الذي يزيد عمره على خمسين عاماً للشراشف و"الدامسكو" لوجوه الفرش».

التاجر "محمد ضياء المجذوب"

يضيف: «كان يقصدنا أبناء المناطق الجنوبية من "حوران" و"ريف دمشق" والمحافظات الأخرى، لرخص أسعارنا مقارنة بالأسواق الأخرى وتنوع بضائعنا، حيث يوجد أكثر من محل بالسوق متخصص ببيع الأقمشة واللباس العربي ومفرداته، فالقروي كان يصلي صلاة الصبح، ومن ثم ينزل إلى أسواق "دمشق" ليتبضع منها، فيشتري الصوف ومن ثم يأتي إلى سوق "الذراع" ليشتري الأقمشة ويخيطها في بلدته.

ويعد فصل الصيف من أكثر الأشهر مبيعاً؛ حيث يقوم الفلاح ببيع محصوله، وكعادته على الموسم يحضر لزواج أحد أبنائه؛ فيأتي إلى أسواق دمشق ليتبضع منها؛ ويشتري الصوف من سوق الصوف والأقمشة من سوق الذراع، فهناك عادة قديمة أنه يجب على العروس أن تحضر معها "جهازاً" لتتباهى به أمام الحاضرين، وهذه العادة كانت منتشرة في "حوران"».

المودة والمحبة سائدة بين تجار الحي؛ وهذا ما حدثنا عنه تاجر الألبسة العربية والجوخ "سهيل الملاح" الذي ورث المهنة من والده؛ حيث قال: «أنا من مواليد 1954، درست تجارة في جامعة دمشق؛ وبسبب مرض والدي بدأت أساعده في المحل، ونحن متخصصون باللباس العربي المصنوع من "الجوخ" تحديداً، كنا نستورد الجوخ من إنكلترا وإيطاليا، كما كنا نبيع لمنطقة "الجولان" بما يعادل كافة المحافظات. صحيح أن "كبارية" السوق تغيروا لكن من تسلّم المحال بدلاً منهم هم أبناؤهم، إذ لا يوجد غريب في السوق؛ ولهذا ظلت الروابط العائلية قوية، وقد أسسوا صندوقاً تعاونياً لتقديم المساعدة لمن يحتاج إليها».

ويتابع: «الحركة في السوق تبدأ منذ الصباح الباكر وحتى الساعة 2 ظهراً، لكن بسبب الغلاء يبحث الناس عن البضائع الرخيصة، وحالياً حركة البيع قليلة؛ قلة تقصدنا لعمل "جاكيت دامر" أي "الجاكيت العربي"، وأغلب تجار السوق يعانون من انخفاض الطلب».

السيدة "لمياء غندور" التي تزور السوق باستمرار، وعن سبب اختيارها له قالت: «أنا ابنة الشام؛ لهذا تربطني علاقة قوية مع أسواق دمشق الأثرية فأجد متعة بزيارتها، أحياناً أختار الذهاب إلى سوق محدد حسب الغرض الذي سأشتريه، فهناك أسواق متخصصة كسوق "الذراع" الذي أقصده عندما أرغب بشراء أقمشة أو ستائر، ولا أجد أفضل منه لرخص الأسعار مقارنة مع الأسواق الأخرى وتنوع بضائعه، حيث أجد الأقمشة الغالية والرخيصة معاً، ويكون البيع إما "جملة أو مفرق"، إضافة إلى المعاملة الطيبة من أغلب التجار».

كانت "دمشق" على مر العصور مركزاً تجارياً مهماً بسبب موقعها الجغرافي؛ هذا ما قاله الباحث في التاريخ "محمد فياض الفياض" وخص سوق "الذراع" الأثري بالقول: «يعود إلى عهد المماليك 922 هجري؛ وبعضهم الآخر يقولون إنه أقدم من هذا التاريخ، يقع هذا السوق جنوب الجامع الأموي وإلى الغرب من سوق "الصاغة"، وكان يباع فيه "الديباج الفاخر والحرير المميز والكتان النفيس والجيد من الثياب"، كان مزوداً بأرصفة للمشاة وأرضية لـ"الركبان"؛ وكانت أرض السوق من التراب الصلب وجزء مفروش بالحجارة، وكان هذا السوق ينار ليلاً من قبل رجال يسمون "الضوئية" يسهرون على إيقاد المصابيح».

ومن التجار الذين توارثوا المهن في السوق "الملاح، ومجذوب، وعثمان، والطباع، والخياط"».