بدأت بمشاركة الأطفال حياتهم، فأحبّت عالمهم، ولم تتخيّل -مع هيمنة فكرة التّطوع على حياتها- أنها ستدخل عالم الكفيفات لتتعلم منهن إرادة الحياة والتّصميم على تحقيق النّجاح والتّفوق ليتجاوزن من أنعم الله عليهم بنعمة البصر.

بتاريخ 22 تموز 2017، كان لمدونة وطن "eSyria" لقاء مع "منى عيد" ومجموعة من المتدربات ذوات الخصوصية لديها، فقالت: «أنا متطوعة بعدة جمعيات تهتم بمجال الطفولة التّعليميّة، كانت بداية تطوعي بجمعية "الوئام السّورية للنساء الكفيفات" من خلال "ميساء السّقا"، وبعمل بسيط لا يتعدى توزيع الإعانات الماديّة والسّلل الغذائيّة، إلى أن بدأت تتبلور فكرة تمكين الكفيفات من سبل تحصيلهن لموارد رزق تكفيهن حاجاتهن ومستلزماتهن، وذلك من خلال تفعيل المشروع القائم سابقاً في الجمعية ليحقق فائدة أكثر، وهو أن تتعدى الدورات التّعليميّة البسيطة التي كانت تقام، والعمل على تطويرها لتكون الخطوة الأولى للكفيفة في احتراف مهنة تكفيها مادياً وتغنيها عن انتظار الإعانات؛ وهو ما ينعكس عل ثقتها بنفسها وامتلاكها لمقدراتها التي تجعل منها إنسانة قادرة على ما يقدر عليه المبصرون، وبدأت الدّورات وتعددت فكانت دورات (الصّوف، والإكسسورات، والطبخ)، ولأول مرة أقمنا دورة تركيب العطور».

كان لعالم التّطوع الذي خضته الأثر الكبير في تطوير مناحٍ متعددة في حياتي والأثر الأكبر في صقل شخصيتي، وتمكينها من سبل ووسائل التعاطي مع كافة مصاعب الحياة، وذلك بمجرد النّظر إلى ما تخطته السيدات الكفيفات وما تقمن به لتذليل الصعوبات، فهناك من قامت بالالتحاق بدورات تعلم العمل على الحاسوب وتطبيقاته من مدرب كفيف أيضاً، وكذلك دورات تعلم اللغات على اختلافها

توضح "منى" كيفية التّعاطي في هذه الدّورات لتحقيق المرجو منها، قائلة: «إن خصوصية هذه الدّورات تبدأ من خصوصيّة المتدربات على اختلاف مستويات الإعاقة لديهن، فلدينا كفيفات منذ الولادة، وأخريات فقدن البصر لاحقاً؛ وهو ما فرض التّدقيق في اختيار المدربين، ثم وضع خطط التدريب والمناهج الخاصة التي تتناسب وخصوصية هذا العمل، فبدأنا من السّهل وتابعنا التدرج إلى المستويات الأصعب، فدورات الصّوف اقتصرت على تعليم الصّوف بالصنارتين دون الواحدة، حيث عملية العدد أسهل. وفي دورات الإكسسورات اعتمدنا تعليم الكفيفات أنواع الأحجار من خلال ملمسها، فاللؤلؤ يختلف عن الكريستال، كما كنا نعلمهن فرزها واعتماد العد في التعامل معها. أما بالنسبة لدورات تركيب العطور، فالأمر اختلف كلياً؛ وذلك لصعوبة تعامل متدربنا مع إبرة تركيب العطور وكيفية تحديد كمية الزيت للتركيب، فعملنا على التفكير لتجاوز هذه المشكلة، وصممنا مقياساً خاصاً من الكرتون يمكّن الكفيفة من التّعامل مع إبرة ومقاييس التركيب بسهولة، وهي فكرة بسيطة جداً تتركز على مقياس لكل حجم من الزيوت يوضع على محور السحب للإبرة ينبئ الكفيفة عن كمية الزيت المطلوبة، ومن خلال هذه الدورات حصلنا على قطع غاية في الجمال شاركنا بها في بازارات ومعارض متعددة، لتكون هذه المشاركات الخطوة الأولى في تقييم العمل، والمساعدة في تأمين التمويل لمشاريعهن الصغيرة المستهدفة من مشروع الجمعية».

المتدربة هناء الديك

وعما اكتسبته من معايشتها لهذا العالم الخاص، قالت: «كان لعالم التّطوع الذي خضته الأثر الكبير في تطوير مناحٍ متعددة في حياتي والأثر الأكبر في صقل شخصيتي، وتمكينها من سبل ووسائل التعاطي مع كافة مصاعب الحياة، وذلك بمجرد النّظر إلى ما تخطته السيدات الكفيفات وما تقمن به لتذليل الصعوبات، فهناك من قامت بالالتحاق بدورات تعلم العمل على الحاسوب وتطبيقاته من مدرب كفيف أيضاً، وكذلك دورات تعلم اللغات على اختلافها».

"هناء الديك" إحدى المتدراب الكفيفات، قالت عن تجربتها في تركيب العطور: «لم تقف إعاقتي التي بدأت معي تدريجياً منذ الطفولة عائقاً في طريق متابعة حياتي الطبيعية كما الآخرين، فأنا طالبة درست علم الاجتماع في جامعة "دمشق"، وانضممت إلى جمعية "الوئام"، والتحقت بكل الدورات التي أقيمت، وجذبتني دورة تركيب العطور وأحببتها لما فيها من متعة، وخاصة بعد ما قدمته المدربة "منى عيد" من حل لمشكلة التعامل بإبرة خلط زيوت العطور، والكثيرون أحبوا العطور التي ركّبتها وطلبوها. طموحي كبير بإنجاز مشروعي الخاص في هذا المجال».

من إنتاج متدربات دورات جمعية الوئام

يذكر أن "منى عيد" من مواليد "دمشق" عام 1992، خريجة كلية الهندسة الزراعية، اختصاص أغذية.

أدوات المتدربات في تركيب العطور