يُعدُّ الخزف من المشغولات المصنوعة من المواد الطينية "اللازبة"، أو التي تكتسب خاصيّة اللازبية بالمعالجة الحرارية لبعض المواد الأرضية غير العضوية، والتي تَكسب صفات المتانة في تمام مراحل صناعتها. ويعد الخزف الدمشقي تحفة فنية نادرة بأصنافه المتعددة.

مدونة وطن "eSyria" التقت المفكر والفنان الكبير "عفيف بهنسي" قبل وفاته بأيام قليلة، بتاريخ 14 تشرين الأول 2017، ليتحدث عما وصل إليه من أبحاث معمقة عن فن الخزف، فقال: «عُرفَ في منطقة الشرق الأوسط من خلال أعمال التنقيب، بأنَّه من أجمل تحف الفن الإسلامي، وظهرَ بأعداد كبيرة متنوعة المواضيع في كل البلاد الإسلامية، فتشابهت أساليب صنعته من حيث المواد التي صنع منها، واختلفت من حيث الابتكارات.

عُرفَ في منطقة الشرق الأوسط من خلال أعمال التنقيب، بأنَّه من أجمل تحف الفن الإسلامي، وظهرَ بأعداد كبيرة متنوعة المواضيع في كل البلاد الإسلامية، فتشابهت أساليب صنعته من حيث المواد التي صنع منها، واختلفت من حيث الابتكارات. حمل الخزف أسماءً أخرى استُمِدت من مكان صنعه، فكان "الفاينس" نسبة إلى مدينة "فاينزا" الإيطالية، و"المالقي" نسبة إلى مدينة "مالقا" الإسبانية، وحَملت الألواح الخزفية اسم "القيشاني" أو"القاشاني" نسبة إلى مدينة "قاشان" في بلاد فارس، وكثيراً ما حَمل الخزف اسم الصيني أو الشيني نسبة إلى "الصين". وقد شمل إنتاج الخزف الظاهر في الحفريات الأثرية أنواعاً متعددة، منها: بلاطات الخزف بأشكالها واستعمالاتها المختلفة، ككسوة الجدران في البيوت والمساجد، والأواني بكافة أنواعها وأشكالها المختلفة

حمل الخزف أسماءً أخرى استُمِدت من مكان صنعه، فكان "الفاينس" نسبة إلى مدينة "فاينزا" الإيطالية، و"المالقي" نسبة إلى مدينة "مالقا" الإسبانية، وحَملت الألواح الخزفية اسم "القيشاني" أو"القاشاني" نسبة إلى مدينة "قاشان" في بلاد فارس، وكثيراً ما حَمل الخزف اسم الصيني أو الشيني نسبة إلى "الصين".

نموذج للخزف على القبب

وقد شمل إنتاج الخزف الظاهر في الحفريات الأثرية أنواعاً متعددة، منها: بلاطات الخزف بأشكالها واستعمالاتها المختلفة، ككسوة الجدران في البيوت والمساجد، والأواني بكافة أنواعها وأشكالها المختلفة».

وأضاف عن أنواع الخزف بالقول: «للخزف أنواع كثيرة، منها: الخزف ذو الزخارف البارزة، والخزف ذو الزخارف الغائرة، وكذلك الخزف المحزوز تحت الدهان، الذي انتشر في "دمشق" في العصرين المملوكي والعثماني، وسمي خزف "سكرافيتو"، وفي فارس سمي "الجبري".

الراحل الفنان عفيف بهنسي

ومِن أصناف الخزف الدمشقي نذكر: وحيد اللون، وهو أقدم أصناف الخزف. والخزف متعدِّد الألوان الذي راجَ في "سورية" منذ القرن 12م، حيث اشتهرت "دمشق" بإنتاجه، وكذلك الخزف المزيَّن بزخارف سوداء تحت ميناء زرقاء شفافة.

وهناك الخزف المزيَّن بزخارف زرقاء على مهد أبيض تحت ميناء شفافة. والخزف المزيَّن بزخارف ذات بريق معدني.

جامع السناسية

وقد عَرَفت بلاد الشام وخاصةً "دمشق"، أوعية "الباريللو" في العصر الأيوبي، خُصصت لحفظ الأدوية السائلة -أوعية الصيادلة- منها غير المزخرف، والآخر زخارفه عبارة عن كتابات بالخط الكوفي والنسخي تتضمن أدعية، إضافة إلى زخارف أفقية على أرضية نباتية، أو زهرة اللوتس، وكائنات حيّة محوَّرة عن الطبيعة مقتبسة من الفن السلجوقي.

ونظراً لأهمية الأواني الخزفية المشرقية؛ احتفظت المتاحف العالمية، كالمتحف البريطاني، و"اللوفر"، والإسلامي في "الكويت"، بقدور رائعة كُتب عليها: (صنع دمشق على يد الفنان يوسف)».

بدأت أول المدارس الفنية منذ القرن 2هـ -8م، وبدأ معها فن صناعة الخزف، الذي تمثَّل برسوم متوارثة عبر الحضارات، وبدا ذلك من خلال المنشآت المعمارية والقطع الخزفية المزيَّنة بكتابة عربية، كبعض السُرُج والجِرار المكتشفة في "سورية"، ومن أهم المدارس "خزف غيبي"، حيث قالت الدكتورة "منى المؤذن" (دكتوراه في مجال الآثار): «سمي بذلك نسبة للخزّاف "غيبي التوريزي" الدمشقي، أحد أشهر الخزافين في القرنين 8-9هـ-14-15م، امتاز إنتاجه بالجودة، وتخرَّج في مدرسته أهم خزّافي "دمشق". انتقل إلى "مصر"، وعلَّم حرفة الخزافة، وأصبح لديه أتباع يُنسَبون إليه ويقلِّدون أسلوبه وتقنياته، لكنهم لم يصلوا إلى حد ابتكاراته، ووَقَّع على أعماله بأكثر من أسلوب: باللون الأزرق على خلفية الإناء الأبيض "غيبي"، أو حرف "غ"، أو "غيبي الشامي"، أو "الغيبي ابن التوريزي"، أو باسمه الكامل.

وتُعد ألواح الخزف الملوَّن من أفخر أنواع الخزف الذي برع العرب المسلمون في صناعته، ويكون على شكل بلاطات مستوية بأشكال متعددة: مربعة، مستطيلة، سداسية، نجمية، أو على شكل مثلث. نُقش على كل منها مواضيع زخرفية متكررة أو مختلفة، وُرصت لتكوِّن موضوعاً زخرفياً كبيراً متناسقاً ومتعدِّد الألوان».

ارتبطت الألواح بالعمارة الدينية بوجه خاص، وكانت البلاطات الجدارية في المحاريب غنيَّة بالزخارف التي تُزيِّنها الكتابات البارزة باللونين الأزرق والزهري. كما تزخر "دمشق" بكثير من المباني المزينة بالبلاط الخزفي، وهناك لوحات بديعة منفذة بهذا البلاط، حل فيها اللون الأرجواني الفاتح محل اللون الأحمر، يقول المؤرخ المعروف "ديماند": «إن خصائص البلاطات الجميلة في بعض مساجد "دمشق"، لا تترك مجالاً للشك في أن هذا النوع من الخزف قد صنع فيها ولم يستورد من آسيا الصغرى.

وهي في مجملها تعود إلى نهاية العصر المملوكي والعثماني، وجعَلَها الخزّافون لوحة تمثِّل حدائق مشجَّرة. كما أقيمت العديد من المنشآت المعمارية عندما كانت بلاد الشام تحت الحكم العثماني، وخاصة في "دمشق" التي امتاز خزفها برشاقة موضوعاته على الرغم من اتِّباعها طرائق الصنع نفسها، وفيما بعد نقل العمّال الدمشقيون إلى "أدرنة والقدس"، ولهم آثار خزفية في "المسجد الأقصى"، وبناء "قبة الصخرة"، الذي يُعدّ أقدم بناء إسلامي في العصر الأموي، تكسوه الفسيفساء من الخارج التي استُبْدِلتَ في العصر العثماني بألواح الخزف الملون، والتي قام بها العمال المحليون الذين أنجزوا الزخارف الفسيفسائية في الجامع "الأموي"، والتي تُمثِّل مشاهد فردوسية وزخارف نباتية.

كما زيَّنت البلاطات ذات الأشكال السداسية جامع الأمير "غرس الدين التوريزي" في العصر المملوكي 9هـ-15م.

ومازالت أكثر الألواح الخزفية الدمشقية تغطي عدداً من المباني التي أنشئت في العصر العثماني، منها مجمع الدرويشية 979هـ-1571م، وهي مزينة بروائع الخزف الدمشقي ذي الزخارف الرائعة والكتابات القرآنية المنفذة بخط الثلث والتعليق، وجامع السنانية، المشهور بمئذنته المزينة بالطوب المزجج باللونين الأخضر والأزرق، وهي من العصر العثماني.

هذا عدا ألواح الخزف الدمشقي الذي يغطي جدران جامع "محيي الدين بن عربي" ومَدفنه، كما يغطي

جدران مدفن السلطان "صلاح الدين الأيوبي"، وغيره من الشواهد التي ما زالت تحافظ على هذا الفن الخالد».

المراجع:

  • عفيف البهنسي: الآثار السورية - دار فورفيرست للطباعة - فيينا النمسا - عام 1985م.

  • منى المؤذن: خزف دمشق الإسلامي - المحفوظ في المتحف الوطني بدمشق - من القرن 13-

  • 18م - المديرية العامة للآثار والمتاحف - دمشق - عام 2013م.